خاص بآفاق البيئة والتنمية
تدمج المصممة الشابة عائشة دويكات بين الفن والإبداع والبيئة، وتصنع من بقايا أقمشة المفروشات فنا يسر الناظرين. مؤخراً أسست مشروعاً يربط بين اسمها وعالم التصميم، وتمتلك عينًا صديقة للبيئة، ولائحة أحلام عديدة. تحاورها "آفاق البيئة والتنمية"، وترصد شغفها بالجمال والتدوير والتراث، وتسجل هذه السطور.
ملامح
تستهل: "أن تصبح أخضرًا، يعني أن تكون ملمًا بمسؤوليتك تجاه البيئة والمجتمع" كانت هذه عبارة جعلتني أتوقف كثيرًا عليها لفهم معناها، ومنها بدأت الاهتمام بالبيئة، وأخذت أبحث في تجارب كثير من الشباب في تصاميم بيئية، سواء تدوير القطع المختلفة، وإعادة استخدامها في أثاث المنزل، أو من خلال تجارب إعادة تدوير الأقمشة، في الخارج أو الداخل. وهذه التجارب والاطلاع عليها، جعلني أفكر في مشروع للتدوير من المخلفات، لتكون نوعاً من الإكسسوار والقطع الفنية الجميلة، في الأثاث والمنزل، وتدوير بقايا الأقمشة، لعمل قطع تصلح أن تكون جزءاً من جمال الأثاث، ومقتنيات المنزل".
وتضيف دويكات بأن محافظة نابلس تعاني من ثلاثة أنواع رئيسية من التلوث البيئي، هي التلوث الهوائي والمائي، والإزعاج البيئي. فالهوائي ناتج عن مناشير الحجر، وأبراج الاتصالات الخلوية وتأثيراتها على البيئة، وإحراق النفايات الصلبة.
وتزيد بأن هناك أيضاً المخلفات الناتجة عن مصانع الأثاث والمفروشات، سواء مخلفات الأقمشة، أو الإسفنج، أو نشارة الخشب وهي كثيرة. إضافة إلى أسواق الخضار المركزية (الحسبة)، وهناك الكثير من المخلفات التي تنتج يوميًا، وهذا ليس فقط وضع نابلس البيئي لوحدها، بل هو صورة فلسطين عموماً. ولا ننسى المياه العادمة من مخلفات المستوطنات القريبة من المدينة، والتي تعد من أخطر الملوثات البيئية. وبالإجمال، فإن مصادر التلوث لبيئتنا يأتي إما من التلوث المتعمد من قبل الاحتلال ومستوطناته، أو مما ينجم من ممارسات عن الإنسان الفلسطيني.
المبدعة البيئية عائشة دويكات
عوائق
توالي: "يشكل الاحتلال التحدي الأكبر أمام البيئة، من خلال تدميره للمشهد الحضاري والجمالي، ونهب الأراضي وكافة الموارد الطبيعية، وإعاقة إنشاء البنية التحتية، وإقامته لجدار الفصل العنصري، الذي رافقه تجريف الأراضي، واقتلاع الأشجار، ونهب وتلويث المياه الفلسطينية، وزيادة ملوحتها وتخريب شبكات المياه، والصرف الصحي، ونقل المخلفات الخطرة إلى الأراضي الفلسطينية.
تضيف عائشة إنه بالإضافة إلى قلة الوعي البيئي المجتمعي، وغياب الترشيد، وقلة الموارد التي تؤدي للمساهمة في التلوث البيئي، والمكبات العشوائية، إذ يقوم بعض المتعهدين بنقل النفايات الصلبة وتجميعها والتخلص منها في أراضٍ زراعية وحرقها، ما يتسبب في تلويث الهواء، وتدمير التربة وإتلاف المحاصيل الزراعية، وأشجار الزيتون.
وتضيف بأن معظم التحديات يصعب تغييرها، ولكن يجب إيجاد الحلول العملية لها. وزيادة الوعي البيئي المجتمعي، وخاصة بالعودة للزراعة العضوية بشكل أكبر مما هو عليه الان . وتنفيذ حملات توعية دائمة للمواطنين في أهمية المحافظة على بيئة نظيفة، وسليمة وخالية من الأوبئة، والإبلاغ عن أية مخالفة بيئية قبل المواطنين والتصدي لها، وكشف ومواجهة انتهاكات الاحتلال، كالوقوف ضد إدخال النفايات الصلبة الإسرائيلية، كما حصل في منطقة كسارات أبو شوشة، وتنظيم حملات إعلامية مكثفة لمواجهتها.
تتابع: يقع أيضاً على عاتق البلديات والهيئات المحلية تنظيم حملات دائمة ومستمرة لمتابعة المياه العادمة المكشوفة، وإيجاد الحلول لها، ويقع على عاتق وزارة الزراعة مساعدة المزارعين والمواطنين على الاهتمام بالأراضي، وتشجير الخالية منها.
أول الغيث
تقص: "بدأت الفكرة بتجميع قصاصات ومخلفات وبقايا الأقمشة من محلات المفروشات، وتلك الناتجة عن مصانع ومشاغل تصنيع وتفصيل المفروشات والملابس في نابلس، والتي يتم تحويلها إلى مخدات ووسائد راقية، ومفارش ومعلقات خاصة بغرف نوم الأطفال، وغيرها من احتياجات المنزل وغرف نوم الأطفال، وكل هذه التصاميم مميزة، وذات ألوان براقة ومتناسقة".
ولأن البيئة الفلسطينية بيئة جميلة بطبيعتها، تفيد عائشة، فإن وجود الكثير من المنغصات، ومن أهمها مخلفات وبقايا الأقمشة، والتي من شأنها أن تؤثر سلبًا عليها فتقلل من رونقها شيئا فشيئاً، ولأن مشاغل ومصانع تفصيل المفروشات منتشرة بكثرة في نابلس على وجه الخصوص، فكان لا بد من إيجاد فكرة لاستغلال ما ينتج عنها من بقايا أقمشة.
وتضيف عائشة: "في هذا المشروع يتم الاعتماد على الأقمشة، بصفتها العنصر الرئيس المكوّن للمنتج، إلا أنه لا شك من إدخال عناصر أخرى في بعض المنتجات، كما قد تدخل أشغال "التريكو" اليدوي لأغراض التزيين، ويمكن كتابة عبارات مميزة باحترافية عالية، لنصل إلى منتج مميز وراق ٍمنذ البداية، كما سيتم التوسع في العمل بالتدريج. بجانب إدخال رمز مهم من رموز التراث الفلسطيني ( التطريز) على بعض السلع، بأسلوب عصري، وألوان شبابية، ورسومات جديدة وبسيطة، دون المساس بروحه الأصلية، لجعل التطريز محط أنظار واستقطاب أكبر عدد من الناس؛ لتشجيعهم على استخدام مثل هذه السلع، التي تمتاز بالجمال والأناقة والألوان المتناسقة باحترافية، مثلما تتصف بالجودة العالية، والتصاميم المميزة والفريدة".
ولا زال المشروع في البداية وفق عائشة؛ لأن مرحلة التسويق تحتاج إلى وقت ودراسة، وجرى تسويق جزء بسيط من هذه السلع، والمنتج محلي بامتياز. هناك كثير من العقبات التي تواجه المشروع، وأبرزها إيجاد أسواق للمنتج المحلي، وعقبات جمع مخلفات أقمشة المفروشات والمواد من المحلات، لأنها تكون مختلطة بأخشاب النجارة والصوف والإسفنج المستخدم، ويغيب أي فرز لمثل هذه المواد في هذه المشاغل.
تكمل: "لا أنسى نظرة المجتمع، فكوني فتاة تعمل على جمع هذه المخلفات، فقد واجهتُ بعض الصعوبات، وأحيانًا عدم تقبل ذلك من المجتمع، والتجار خصوصاً. وبالرغم من ذلك، التقيت بأشخاص تفهموا الفكرة، وتعاونوا معي، وتقبلوا ذلك، وشجعوني على هذا العمل، كونه يفيدهم في التخلص من بقايا الأقمشة والمخلفات في متاجرهم".
وتضيف عائشة لهذا كله، عدم توفر رأس مال لذلك، ما يضع عقبات أكبر، قد ينسف شح المال المشروع، أو يضع العصي في دواليب تطوره. لكنها تحاول أن تجتاز هذه المعيقات، تتخطاها بالإصرار والعمل، وحب البيئة، والشغف بالتصميم، والعمل في مجاله الواسع والجميل، وكل هذا يجعلها تمضي قدمًا للوصول إلى ما تطمح في تحقيقه، وتتطور في إنجازه.
جوانب من إبداعات عائشة
أحلام مُلوّنة
تروي دويكات: "أحلم بامتلاك معرض متخصص في بيع المخدات والوسائد الخاصة بالأطفال، وصالون المنزل وغرف النوم والفنادق، وكذلك المتاجر والشركات التي تستقبل الجمهور والزبائن، فهي غير متوفرة في مناطقنا. فإذا بحثتا على شبكة الإنترنت عن أعداد الباحثين عن كلمة وسادة أو مخدة فستجد أعدادًا كبيرة من الناس يبحثون عنها، ولكن لو بحثنا عن ذلك على أرض الواقع، فسنجد الكثير من الطلب عليها في محلات المفروشات المختلفة، ويرجع السبب في هذا إلى أن المخدات تستخدم بشكل كبير في مناطق مختلفة من المنزل، فهي تستخدم بغرف النوم، وصالون المنزل والفنادق والمتاجر والشركات".
وتكمل بأنها تطمح في تطوير المشروع ليكون هناك أكثر من خط إنتاج؛ لأن ذلك سيوفر بيئة عمل مثالية، وسيطور الإبداعات والأفكار الجديدة، وسيساهم في خلق مصدر منافسة محتملة وفعلية، وسيعمل على زيادة الطاقة الإنتاجية، وتشجيع الإنتاج المحلي، ويرفع ويزيد من مكانة المرأة اقتصاديًا واجتماعيا.
ومثل هذه المشاريع، وفق عائشة، تخفف الضغط على القطاع العام. وتفتح مجالاً واسعًا أمام النساء للحصول على وظيفة تساهم في تحسين الدخل لديهن وتوفر تنوعًا في المنتج المطروح بالسوق، فتساهم في تحقيق مجالات استثمار وآفاق جديدة. كما تعمل على ترسيخ الفكر المجتمعي الصديق للبيئة، وتعزز ثقافة التدوير، واستثمار المخلفات من منطلق بيئي ومنطلق تكافلي مجتمعي في فلسطين.
جوانب من إبداعات عائشة
سيرة
وعائشة دويكات، خريجة تصميم داخلي، وتملك مشروع Aisha design (عايشة ديزاين)، وتديره ليكون بداية علامة تجارية فلسطينية لموضة الشباب العصرية، بلمسة فنية نحو التراث الفلسطيني، عبر تصميم إكسسوارات الفضة وخشب الزيتون بطريقه تحويل وحدات التطريز الفلسطيني إلى شكل تجريدي هندسي، وكذلك التطريز مباشرة على الفضة والخشب. وتعمل على تغيير نظرة الإنسان الفلسطيني لتراثه باعتباره عائقًا للتقدم والارتقاء بمستوى المعيشة، والعمل على دمجه مع احتياجات الحاضر؛ لتخفيف الفجوة بين الماضي والحاضر، وتعزيز دفء تراثنا بطريقة عصرية.
تنهي: "فكرة التصميم العصرية بلمسة من التراث الفلسطيني لم تأت عبثًا، بل هي التحدي والتفوق على المعيقات كلها".
aabdkh@yahoo.com