خاص بآفاق البيئة والتنمية

شهد الخريف الماضي أمطارًا قياسية، مقارنة بالسنوات الماضية، وخاصة في كانون الأول، الذي حمل سلسلة فعاليات جوية، اتسمت بالقصر النسبي وكثافة الهطول، والتفاوت بين مناطق الشمال والوسط والجنوب.
تتبع (آفاق) أداء الخريف الحالي، من حيث كميات الأمطار، وتختار: القدس، والخليل، ونابلس، وجنين كعينة بحثية، وتقارن الخريف الفائت بالفصل ذاته خلال 20 سنة، استنادًا إلى بيانات دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية.
معطيات 20 عامًا ماضية
وبحسب المعطيات التي حصلت عليها (آفاق) من "الأرصاد الجوية"، فإن معدل أمطار القدس في أيلول (5,4) ملم وهي نفسها الكمية الأقل والأدنى. أما تشرين الأول فمعدل أمطاره (10,2) ملم والأقل (3) ملم، والأعلى (19,5) ملم، بينما سجلت أمطار 2018 (14) ملم. ويتراوح معدل تشرين الثاني (66.4) ملم، والأعلى (235,8) ملم، والأقل (2) ملم، لكنه في 2018 كان (26,7) ملم. وفي كانون الأول فإن المعدل (110,6) ملم، والأدنى (20,7) ملم، والأعلى (265,2) ملم، فيما سجلت في 2018 (147,5) ملم.
وحول أمطار الخليل فالمعدل المعتاد لشهر أيلول (1,9) ملم، وأقلها (0,4) ملم، وأعلاها (3,6) ملم، وكانت (0) في 2018. أما تشرين الأول فإن المعدل العام (16,9) ملم، والهطول الأقل (1,5) والأعلى (57,5) ملم وهو ما تحقق في 2018. وخلال تشرين الثاني يصل المعدل إلى (40,7) ملم، والأدنى (2,1) ملم، والأعلى (164,2)، أما خلال 2018 فكان الهطول (44,4) ملم.
ويتراوح معدل كانون الأول (112) ملم، والكمية الأقل (21) والنسبة لأعلى (311) ملم، أما في 2018 فكانت الكمية (118,9) ملم.
كانون الأول: 220 ملم في جنين
وفي جنين، يصل معدل أيلول (1,1) ملم، والأدنى (0.3) ملم، والأعلى (3) ملم، وكان في 2018 (0,7) ملم. أما في تشرين الأول فالمعدل (22.1) ملم، والأدنى (0,1) ملم، والأعلى (75,7) ملم، وخلال 2018 سجل (20,6) ملم. وفي تشرين الثاني، فالمعدل (49.3) ملم، والأدنى (0,2) ملم، والأعلى (142) ملم، أما في 2018 فكان (62,2) ملم. بينما يتراوح معدل كانون الأول (90,4) ملم، والأقل (0,5) ملم، والأعلى (220,9)، وهو ما تحقق في 2018.
وفي نابلس، يبلغ معدل أيلول (4,7) ملم، والأقل (0) ملم، والأعلى (17,6) ملم، وسجل عام 2018 (0,5) ملم. وفي تشرين الأول يبلغ المعدل (20,6) ملم، والأقل (0,1) ملم والأعلى (63,7) ملم، ووصل في 2018 (37,8) ملم.
ويتراوح معدل تشرين الثاني (58,8) ملم، والأقل (3,3) ملم، والأعلى (174,1) ملم ووصل في 2018 (48,4) ملم. وخلال كانون الأول، فإن المعدل السنوي (131,9) ملم، والأقل (22,9) ملم، والأعلى (331,9) ملم، وهو ما كان عام 2018.
تحليل مناخي
يوضح المحاضر في الجامعة العربية الأمريكية، د. مصطفى جرار التباين في معدلات الأمطار: عند تحليل الحالة الجوية في شرق المتوسط عمومًا وفلسطين في الخريف وسواه، يجب النظر إلى حرارة سطح المحيط العالمي، والذبذبات المناخية للدوران في الغلاف الجوي، حيث شهد تشرين الثاني ارتفاع حرارة سطح المحيط، ما أدى إلى تراجع مركز المرتفع الآزوري، وعندما تقدم المرتفع السيبيري إلى شرق المتوسط وبقائه في وسط آسيا، فقد سمح بنشاط المنخفضات الجوية بأن تتوجه لمنطقة الشرق الأوسط. وكذلك أثر ارتفاع حرارة سطح المحيط العالمي إيجابيًا على منخفض البحر الأحمر وعمل على تقويته.
وتابع جرار، وهو مؤلف كتاب "مناخ فلسطين": " تأثير ارتفاع حرارة سطح المحيط لا يؤثر فقط على الشهر نفسه الذي يحدث فيه الارتفاع، بل يمتد إلى الشهر التالي (كانون الأول كما حصل في الخريف الماضي)."
ثلاثة منخفضات
وأضاف: تتأثر فلسطين بثلاثة أنواع من المنخفضات الجوية، الأول المنخفضات الحوضية (الأخدودية) وهي الأكثر شيوعًا، وكان هذا العام نشاط لمثل هذا النوع من المنخفضات على فلسطين. والنوع الثاني: المنخفضات طويلة الموجة، وتأتي بالمرتبة الثانية، وكان هذا العام نشاط لهذا النوع، وبلغ عددها حتى الآن منخفضاً واحداً، وكان المنخفض متعمقاً وماطر، ويمتاز بأن فترة تأثيره ممكن أن تصل إلى 5 أيام، بعكس المنخفضات الحوضية الأقصر (من يومين إلى ثلاثة)، والنوع الثالث: المنخفضات قصيرة الموجه، ويصل تأثيرها إلى 24 ساعة، وهي ذات حركة أفقية سريعة، بعكس المنخفضات طويلة الموجة، ذات الحركة الرأسية البطيئة، حيث يكون فيها التيار النفاث القطبي متعرجاً، وبسرعة أقل من المنخفضات قصيرة الموجة.
ووالى: حسب قياسات دائرة الأرصاد الفلسطينية الفرق بين محطة البحوث الزراعية ومحطة جنين بلغ نحو 12 إلى 13 ملم، وهذا طبيعي يخضع لحركة تأثير الغيوم الماطرة، ولكن الفرق واضح بين غرب جنين وشرقها عادة، وهناك فرق في كميات الأمطار بين محطات شمال الضفة الغربية وجنوبها؛ لأن تأثير المنخفضات الجوية كان أشد على الشمال، وخاصة المنخفضات قصيرة الموجة والحوضية.
وأكمل جرّار: المنخفضات بأنواعها تعمل على تقوية مركز قبرص في شرق المتوسط، وكان هناك نشاط ايجابي لذبذبة شمال الأطلسي، الأمر الذي أثر إيجابيًا على الحالة الجوية في فلسطين، والدور الايجابي لذبذبة شمال الأطلسي تقويةً للمنخفض الجوي الأيسلندي، وعندما يترافق نشاط المنخفض الأيسلندي مع نشاط في المنخفضات العلوية فوق شرق المتوسط يؤدي إلى تشكل المنخفضات المتعمقة طويلة الموجة.
ظاهرة" النينا"
وأضاف: شهد كانون أول انخفاضاً واضحاً في حرارة المحيط الهادي الشرقي، وهذا يؤدي إلى سيادة ظاهرة مناخية شاذة تعرف باسم "النينا" أو "اللانينا"، وتعني برودة سطح مياه شرق المحيط الهادي، ولكن في غرب المحيط الهادي في منطقة أستراليا وإندونيسيا يحدث العكس فترتفع درجات الحرارة، إذ ارتفعت في استراليا 16 درجة أكثر من المعدل السنوي، وهي موجة حر غير مسبوقة. كما أن الانخفاض في حرارة المحيط العالمي يؤدي الى انخفاض الحرارة في مناطق متعددة من العالم، بينها شرق المتوسط.

البنية التحتية الفلسطينية غير قادرة على استيعاب كميات الأمطار الكبيرة
تراجع "عدم الاستقرار"
بدوره، اعتبر مدير موقع طقس فلسطين، أيمن المصري، الخريف الحالي "حدثًا غريبًا"، ولم تتشكل لدينا حالات عدم استقرار جوية، ولم نتأثر إلا بحالة واحدة، وهذا قلل من فرص مناطق الجنوب، التي تستفيد من عدم الاستقرار أكثر من المنخفضات، وانعكس ذلك على نسبة الأمطار، فكانت كمياتها نصف ما هو متحقق في المناطق الشمالية. وربما سبب ذلك عدم وجود مد مداري ورياح دافئة، كما أن وجود المنخفضات يمنع تشكل حالات عدم الاستقرار.
وأضاف: "منخفضات الموسم الماضي سريعة، أما هذا العام لا نستطيع منحها الوصف نفسه، فالمنخفض السريع عادة لا يتجاوز 6-7 ساعات".
وتابع: كانت كميات الأمطار ممتازة خاصة في الشمال والوسط خلال الخريف الماضي، لكنها أقل من عادية في الجنوب.
وزاد: النماذج العددية التي نستد إليها في التوقعات الجوية غير متوفرة عربيًا، ومكلفة ماديًا بشكل كبير، ولا نملك الاهتمام لاقتنائها. وغالبية مواقع الرصد في هذا الموسم صارت أكثر حذرًا، ولا تهتم بالسبق الصحافي في الإعلان طويل المدى عن الحالة الجوية.
ولخّص المصري: "الواضح في أداء الخريف الماضي أن أمطار كانون الأول فاقت هطولات الشهر ذاته عام 1992، فقد كان شهرًا قياسيًا".

قوس قزح يُكحّل مدينة جنين
ذاكرة وشتاء
وقال عادل سعادة، الذي يرصد النشرات الجوية ويدون الحرارة ومعدل الأمطار منذ عام 1953 في كفر صور بمحافظة طولكرم: أعادنا خريف 2018 إلى السنوات الماطرة الماضية، قبل عقود، فقد كان الشتاء متواصلاً، و"هو يشبه حتى الآن عام 1992، حين هطلت على قريتنا 1335 ميليمترًا، وحتى اليوم سقطت على كفر صور 600 ملم، وهو المعدل السنوي الكامل".
وأضاف: لم يستطع أهالي بلدنا حراثة أرضهم حتى الآن ( 21 كانون الثاني)، فقد تواصلت الأمطار، وفاضت مياه وادي السبيل المجاور لنا، والذي يمر من الطيبة وقلنسوة ويصب شمال (أم خالد) خمس مرات، كما جرّ وادي التين القادم من حوارة إلى قرية ارتاح.
وأكد أن سفوح الجبال في القرية لا زال ينزل الماء من بين صخورها، كما امتلأت آبار مياه الجمع، جراء الخير المتواصل، مثلما ترتبط وديان كفر صور بأمثال وقصص قديمة حول الشتاء المطير، فتنتشر حكاية جر المياه لراعية الأغنام وقطيعها، وهو ما تكرر قبل سنوات، حين قضى فيه أحد الشبان، بفعل غزارة الأمطار.
واختتم سعادة: نفتقد في هذا الشتاء الخيول، التي اختفت من القرية، ونعاني توجه معظم الشبان للعمل في الداخل، ولم نعد نجد من يحرث الأرض، وسنضطر هذا العام بفعل المطر الغزير، وتأخرنا عن الحراثة التفكير ببدائل، وللأسف هناك عادة رش مبيدات الأعشاب السيئة.
aabdkh@yahoo.com