تُشغل شجرة السدر الضخمة حيزًا من ميدان بلدة كفل حارس، شمال سلفيت، وتمتد أغصانها في مشهد غير معتاد في المنطقة المشهورة بالزيتون والخروب والبطم والبلوط والسماق، والقريبة من وادي قانا. جامعة النجاح أخذت عينة منها، قبل عشر سنوات، وحددت عمرها بـ 1200 عام. إنها تاريخ كفل حارس، حيث جلس في ظلها أجداد الأجداد.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
بلدة كفل حارس شمال سلفيت |
تُشغل شجرة السدر الضخمة حيزًا من ميدان بلدة كفل حارس، شمال سلفيت، وتمتد أغصانها في مشهد غير معتاد في المنطقة المشهورة بالزيتون والخروب والبطم والبلوط والسماق، والقريبة من وادي قانا.
يتنافس أطفالٌ وزائرون عند ظل الشجرة ظهيرة يوم حار، فيما تشابكت فروعها، وبانت آثار اعتداءات سابقة على أجزاء منها، وبدت واضحة للعيان محاولات إصلاح الأجزاء التالفة.
تمتد السدرة على عرض 30 مترًا تقريبًا، وتتفرع بأربعة أغصان، فيما خسرت الغصن الخامس، ووُضعت لها دعامة خشبية خشية سقوطها.
وشرح رئيس البلدية، عصام أبو يعقوب، حكاية السدرة، وما ارتبط بها من مناسبات وأحداث، وأشار إلى أن جامعة النجاح أخذت عينة منها، قبل عشر سنوات، وحددت عمرها بـ 1200 عام.
عصام أبو يعقوب رئيس بلدية كفل حارس
ولخص أبو يعقوب ارتباط أهالي كفل حارس بها، لدرجة صارت جزءًا من تراثهم، والمعلم الأبرز بعد المقامات الدينية الثلاث فيها: يوشع بن النون، وذو الكفل، وذو النون.
وأعاد سنوات إلى الطفولة، حين كان يشاهد كبار السن والأطفال يلهون في ظل الشجرة، ويلعبون "السيجا"، والنرد، ويتخذون منها مصيفًا، وينصبون "المراجيح" فيها للصغار.
وتابع أبو يعقوب: "تغير حال السدرة، واليوم يجتمع تحتها الشبان مع الغروب، وتستوقف الزوار والوفود الأجنبية، لكنها تعرضت لاعتداءات تسبب بها أطفال أشعلوا النار سابقًا في جزء منها".
والحديث لرئيس البلدية، فإن الدوم غير مزروع في أراضي كفل حارس، ويقطف ثمارها الصبية، ويُفضلها كبار السن، وهي ملكية عامة.
سمية قشوع أمام شجرة السدر المعمرة
وجهة سياحية
واستذكر أبو يعقوب، حرص وفد سياحي زار البلدة من الخليل، على قص جزء من ورقها وأغصانها، وقالوا إنها مفيدة جدًا في معالجة الأمراض الجلدية، خاصة البرص، إذا ما جرى غليها والاستحمام بمائها. أما الوفود الأجنبية فتلتقط لها الصور، وتأخذ قسطًا من الراحة عند ظلها.
ولا يخشى رئيس البلدية المس بالشجرة وقطعها إلا من الأطفال، أما الكبار فيعرفون أنها تاريخ كفل حارس، حيث جلس في ظلها أجداد الأجداد، ولذلك "سيحافظون عليها بعيونهم وقلوبهم، وبكل ما يملكون".
واستحدثت البلدية قبل سنوات مقاعد إسمنتية أسفل الشجرة، ومهدت ساحتها، لتوفير مكان للاستراحة والسمر، ولتشجيع الأطفال على عدم التسلق عليها.
وتحمل شجرة السدر اسم الدوم، أو النبق أيضًا، وهي وفق منشورات مركز التعليم البيئي، نبات معمر، أما ثمارها فصفراء اللون لذيذة الطعم، تحمر عندما تجف، وهي قديمة، وصحراوية موطنها الأصلي جزيرة العرب وبلاد الشام، وتسمى Ziziphus Spina Christi، وذات أوراق كثيفة يصل ارتفاعها في بعض الأحيان إلى عدة أمتار.
ووفق الشاب محمد بوزية، فإن للسَّدرة مكانة خاصة في القرآن الكريم، وما تزال لدى بعض عرب الجزيرة معتقدات غريبة تقول إن من يقطعها يموت عاجلاً.
ورأى مدير سلطة جودة البيئة في سلفيت، المهندس مروان أبو يعقوب، بأن الأحاديث الشعبية المتوارثة عن الشجرة "متضاربة"، فبعضها يقول إنها تعود إلى عشرة آلاف عام، لكن الأرجح أن عمرها تجاوز الألف عام، وهو ما يؤكده وجود شجرة مشابهة في كفر الديك المجاورة، لكنها أقل ضخامة.
وبحسب أبو يعقوب، فإن الشجرة، ورغم كونها صحراوية، إلا أنها تنمو في مناطق أخرى، إذا ما توفرت لها ظروف مناسبة.
شجرة السدر الضخمة في كفل حارس وعمرها 1200 سنة
موروث تاريخي
وأوضح أن حملات التوعية تتواصل في كفل حارس؛ لحث الأطفال على عدم إشعال النار تحت الشجرة، والحفاظ على الموروث التاريخي المرتبط بأهالي البلدة، فقد كانت "أشبه بمقهى في الهواء الطلق".
وتُوجّه "جودة البيئة" والبلدية الوفود الأجنبية إلى الشجرة، ذات الاستخدامات الطبية، فهي مزيل لرائحة الفم الكريهة، ومغلي أوراقها طارد للديدان، ومسحوق الأوراق مع الحليب منعم للبشرة، ومنقوع الأوراق يستعمل غسولاً للعين، ومغلي الأوراق يصلحُ مزيلاً للقشرة، ومغلي الثمار معالجاً للإمساك، ومسحوق فحم خشبه مخلوطا بالخل لعلاج لدغة الثعبان.
وبيّن مواطن من سلفيت وأحد أعضاء مجموعة "حكي القرايا" المهتمة بالتراث "مطاوع بوزية" أن سدرة كفل حارس كانت الملتقى والديوان للأهالي، واختارها كبار السن للسمر ليلاً، والراحة بعد العودة من الحصاد والعمل في الأرض وقت الضحى، وشكلت مضافة وحيدة للبلدة خاصة أيام الحر.
واستنادًا لرواية عبد الله طه، وهو جد والد بوزية، فإن الشجرة شهدت العديد من مراسم الخطوبة والزفاف، وكانت تجري "طلبة" العروس تحتها، وشهدت استقبال الضيوف، أما الجنود الأتراك فاستخدموها لربط خيولهم، وللراحة قبل إكمال مسيرهم.
شجرة السدر المعمرة في بلدة كفل حارس
قهوة وثمر
واستذكر مطاوع جده حسين، الذي اعتاد الذهاب إلى الشجرة، مصطحبًا قهوته، وملحًا على المارة والضيوف شربها، قبل متابعة مسيرهم.
وقال بوزية: "مصدر الاعتداءات سببها أطفال وشبان يشعلون النار شتاء، ويدخنون الأرجيلة صيفًا، لكن الأغلبية تحافظ عليها".
وكان مطاوع، أحد المساهمين قبل نحو 5 سنوات في إخماد حريق كاد يلتهم السدرة، التي هبطت جذوعها على الأرض بفعل ثقلها، وشارك في طفولته في تسلقها بحثًا عن ثمارها اللذيذة.
وشبهت سمية قشوع، المهتمة بالتراث، وعضو مجلس أمناء "حكي القرايا"، والقادمة من الداخل المحتل، السدرة بشجرة الدلب في بورصة التركية التي تحولت لوجهة سياحية، وتمنت مضاعفة الاهتمام بدومة كفل حارس، وتحويلها إلى معلم سياحي وتراثي.
واقترحت (آفاق) على مؤسسات البلدة، وضع لافتة إرشادية تبوح بالاسم العلمي للشجرة، وقطر جذعها، وارتفاعها، وعمرها، والدعوة للمحافظة عليها.
aabdkh@yahoo.com