خاص بآفاق البيئة والتنمية
إن أكثر ما يتهدد الاقتصاد الفلسطيني هو تعميق بنيته الاستهلاكية الطفيلية؛ فمجتمعنا الفلسطيني ينتج حاليًا أقل بكثير مما يستهلك، ولا مؤشرات ملموسة تدل على أن الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك آخذة في التقلص. وتغطي التدفقات والتحويلات المالية الخارجية إلى حدٍ كبير هذه الفجوة والعجز التجاري الحاصل، وليس التراكم الرأسمالي الداخلي الذاتي في الضفة والقطاع. حاليًا، هنالك تداخل وتشابك عضويان وبنيويان في الارتباطات والمصالح التجارية والمالية بين الرأسماليين والتجار الإسرائيليين الكبار، وشريحة محدودة من التجار والوكلاء الفلسطينيين. لذا، فإن تحقيق فك الارتباط، يتطلب بالدرجة الأولى تفكيك المصالح والارتباطات الممتدة والمتشعبة بين شرائح فلسطينية محددة والاحتلال الإسرائيلي.
|
|
التبعية الفلسطينية للقمح والحبوب المستوردة شبه مطلقة |
ينسى أو يتناسى بعض الاقتصاديين والسياسيين الفلسطينيين بأن أكثر ما يتهدد الاقتصاد الفلسطيني هو تعميق بنيته الاستهلاكية الطفيلية؛ فمجتمعنا الفلسطيني يُنتج حاليًا أقل بكثير مما يستهلك، ولا مؤشرات ملموسة تدل على أن الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك آخذة في التقلص.
وتغطي التدفقات والتحويلات المالية الخارجية إلى حد كبير هذه الفجوة والعجز التجاري الحاصل وليس التراكم الرأسمالي الداخلي الذاتي في الضفة والقطاع.
هذا الأمر يبدو جليًا بالنظر إلى تدني حصة الناتج المحلي الفلسطيني الإجمالي قياسًا بالناتج القومي الفلسطيني الإجمالي.
كما يتضح ذلك من مجرد نظرة سريعة إلى السلع الغذائية، "الطازجة" والمصنّعة، المعروضة في سوقنا المحلي، حيث تبرز على نحو صارخ الحصة المتواضعة جدًا للسلع "الفلسطينية" المحلية أو بشكل أدق حصة السلع الوطنية (أي التي أُنتجت من موارد وخامات محلية) من إجمالي أنواع وأصناف السلع الغذائية المعروضة في سوقنا المحلي، فضلاً عن أن كميات كبيرة ومتنوعة من السلع المحلية ليست أكثر من سلعٍ إسرائيلية تُسوّق في الضفة والقطاع بغطاء فلسطيني (ملصقات فلسطينية).
إن استمرار التدفق المالي الخارجي المضارب (ليس معظمه ذا طابع سياسي فقط، بل ينفق أيضًا على الخدمات والاستهلاك) قد نَقَلَ الواقع الاقتصادي في الضفة والقطاع من نمط إنتاج كولونيالي – استيطاني صاغه الاحتلال بتحويلنا إلى مستوردين للسلع التي نستهلكها ومصدرين لقوة العمل، إلى نمط اقتصاد التسول الذي يُروى بجرعات مالية متواصلة من الخارج ويرتبط به عددٌ كبير من الناس غير المنتجين، فيعيد في النهاية إنتاج البطالة والفقر.
إذن، من الأهمية بمكان دعم وتطوير وحماية عملية إنتاج وتنويع المنتجات الغذائية والزراعية المحلية وتصنيعها، بدلًا من الهرولة إلى تصديرها للأسواق الخارجية التي تتحكم بحركتها وأسعارها وكمياتها، وتفرض علينا أبخس الأسعار لنعود فيما بعد نستورد نفس منتجاتنا مصنّعة وبأعلى الأسعار من "إسرائيل" وأوروبا وأميركا.
إذ أن زيادة الطلب على السلع الغذائية المنتجة في مصانع فلسطينية بالضفة والقطاع وتراكم بعض الفائض الزراعي يجب أن يشجع المزارعين الفلسطينيين على زراعة المزروعات القابلة للتصنيع، وبالتالي حثّ المستثمرين الفلسطينيين والعرب على الاستثمار في مجال التصنيع الزراعي الذي تُشكّل المحاصيل الزراعية العربية مواده الخام.
ومن الأهمية بمكان، القول إن الفرضية الداعية إلى ترجمة الاتفاقات السياسية الاستعمارية إلى "حركة حرة" لقوة العمل والمنتجات بين "إسرائيل" والمناطق الفلسطينية والخارج، والتي صِيغت على قاعدتها "الخطط" الاقتصادية الدولية والفلسطينية ليست خاطئة فحسب، بل إنها لم تستند أصلاً إلى المعطيات والوقائع السياسية الاقتصادية الحقيقية على الأرض، علمًا أن "الحركة الحرة" تتمتع بها "إسرائيل" وحدها.
السيادة الغذائية = الإنتاج الوطني الذاتي لجميع الاحتياجات الغذائية الأساسية المحلية وبمدخلات إنتاج محلية بعيدا عن الأوساخ الكيميائية
أسئلة وجيهة
لماذا تعمل المؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأوروبي ومن قبلهما "إسرائيل"، على دفع مزارعينا الفلسطينيين إلى ممارسات زراعية ثبت فشلها في بلدانهم، كالزراعة الأحادية مثلاً وبالتالي تصدير فشلهم إلينا؟
فهناك في بلدانهم (أوروبا وأميركا الشمالية) يعملون على تطوير الزراعات المستدامة والبيئية، فضلاً عن التنويع الزراعي باعتباره ضرورة للاستقرار المعيشي والاقتصادي وبديلاً للزراعات الأحادية التي تتطلب تبعية كبيرة لمدخلات الإنتاج من خارج الوحدات الإنتاجية، كالمبيدات والأسمدة الكيميائية والبذور المهجنة والمياه والقروض المالية وغير ذلك، إضافة إلى ما تسبّبه الزراعات الصناعية الأحادية من تلويث بيئي وإخلال في التوازن الإيكولوجي الطبيعي وتدمير لخصوبة التربة وهدر للمياه.
علمًا أن مجتمعنا الريفي تميز تقليديًا وتاريخيًا بالتنويع الزراعي والاكتفاء الغذائي الذاتي؛ فلماذا إذن الهرولة إلى تبني نظم وأنماط زراعية غريبة وقصيرة النظر ولا تهدف سوى تحقيق أرباح سهلة وعابرة وسريعة، على حساب سيادتنا الغذائية واحتياجاتنا الغذائية الحقيقية وبيئتنا ومياهنا وتربتنا وأجيالنا القادمة؟
وكما نعلم أن معظم هذه الأرباح تتدفق إلى جيوب الشركات الإسرائيلية والمستوردين والوكلاء والمسوّقين في الأسواق الخارجية، بينما لا يبقى سوى الفتات للمُزارع المحلي.
إن الزراعة على قاعدة "اقتصاد السوق" ومدخلات الإنتاج الخارجية الكبيرة، قد طُوّرت في الغرب أصلًا، لتتلاءم غالبًا مع مناخات وأنماط زراعية مختلفة عن منطقتنا ولا علاقة لها بالحاجات الحقيقية لمزارعينا.
وبالتالي هناك غياب في التوجه نحو الموارد والإمكانيات المحلية وتغييب للممارسات والتجارب والمعارف الزراعية المحلية التي اكتسبها وطورها فلاحونا القدامى، وزد على ذلك، إغفال الاهتمام بالمحاصيل والبذور والحيوانات البلدية، علمًا أن اهتمام البحث الزراعي الرسمي يركز غالبًا على دعم المزارعين الميسورين والقادرين على شراء التقنيات والمستلزمات الزراعية الحديثة، إلا أن معظم المزارعين ليس بوسعهم تطبيق هذه التقنيات التي لا تعدّ مناسبة للزراعات البعلية ذات مدخلات الإنتاج الخارجية المنخفضة.
الطفيليون الماليون يقتلون الاقتصاد الحقيقي
سحق المنتجين
يصور بعضٌ "تحرير التجارة" في أراضي الضفة والقطاع، في إطار نظام العولمة وعلى قاعدة "اقتصاد السوق"، بأنه يشكل دعمًا كبيرًا للإنتاج الفلسطيني الذي سيحلّق عاليًا في الأسواق الأوروبية والأميركية.
إلا أن تواصل تجزئة الضفة الغربية إلى أرخبيل من الجزر المتناثرة المحاصرة بالمستعمرات والقواعد العسكرية الإسرائيلية والجدران والحواجز الكولونيالية التي يتحكم بها تمامًا الاحتلال الإسرائيلي، وتواصل الحصار والإغلاق اللذين يعزلان اقتصاد الضفة واقتصاد القطاع كليًا عن بعضهما البعض، ويتسبّبان بخسائر فادحة للتجارة الخارجية ويسحقان القدرة التنافسية للمشاريع الإنتاجية المحلية الموجهة للتصدير، ويخفضان كثيرًا من فاعلية الاستثمار.
كل ذلك حطّم الآمال والأحلام، وعاق بل منع، غالبًا، التجار والمنتجين الفلسطينيين من الوصول مباشرة إلى الأسواق العالمية.
كما أن المخاطر الناتجة عن الحصار والإغلاق تجعل المشاريع والاستثمارات عالية الحساسية، الأمر الذي يجعلها عرضة لتآكلٍ كبير ومتواصل في مردودها الداخلي، وبالتالي يقلّل كثيرًا من جدواها الاقتصادية.
وأمام هذا المشهد الكولونيالي الصارخ، كيف يجرؤ بعضٌ على الترويج لاتفاقات "التجارة الحرة" أو "تحرير التجارة"، في الوقت الذي تحتاج المنتجات الفلسطينية إلى تصريح من "إسرائيل" لتصديرها إلى الأسواق الخارجية، وفي الوقت الذي تتدفق فيه السلع الإسرائيلية خصوصاً والأجنبية الأخرى عموماً، إلى الضفة والقطاع دون قيود.
وبدهي أن "تحرير التجارة" وبالتالي اتفاقات التجارة الحرة بين مناطق الضفة والقطاع وسائر دول العالم، وفقًا لأنظمة وقواعد منظمة التجارة العالمية، تتطلب "حرية التنقل" وتفترض التكافؤ بين طرفي الاتفاق في التبادل والمنافسة.
وهذا "التكافؤ" تحديدًا، في حالتنا الفلسطينية مفقود تمامًا، لأن "حرية التنقل" تتمتع بها الأطراف الخارجية فقط (أوروبا وأميركا الشمالية وغيرهما)، فضلاً عن "الحركة الحرة" التي تتمتع بها السلع الإسرائيلية في الضفة والقطاع، في حين أن الاقتصاد الفلسطيني يفتقر إلى أهم عوامل المنافسة مع المنتجات الغربية من ناحية بنيته الإنتاجية الضعيفة وغير المتكافئة مع البنية الإنتاجية الأوروبية والأميركية كثيفة الرأسمال والتكنولوجيا، وانخفاض الإنتاجية، وكذلك محدودية السلع التي يمكننا تصديرها أصلاً.
أضف إلى ذلك، أن تدني المستوى التقني للإنتاج المحلي مقارنةً بمعايير الأسواق الغربية، والأسعار الاحتكارية التي تفرضها الدول المصنعة على منتجاتها الزراعية والصناعية وبالتالي قدرة هذه المنتجات على منافسة مثيلاتها في الدول "المتخلفة"، كل ذلك يقلّل كثيرًا من آفاق بناء اقتصاد تصديري منافس.
كما يجب ألا يغيب عن بالنا أن "إسرائيل" شكلّت وستبقى تشكّل في المدى المنظور المصدر الأهم لمعظم مدخلات القطاع الزراعي والمدخلات اللازمة للصناعة الفلسطينية، الأمر الذي أدى إلى ارتباط بعض الشرائح الاجتماعية الفلسطينية بالاقتصاد الإسرائيلي الذي أصبح "ضروريًا" لتسيير عمليات الإنتاج في الضفة والقطاع، فضلاً عن اندماج مختلف قطاعات الاقتصاد الفلسطيني في الاقتصاد الرأسمالي الإسرائيلي، بدلاً من تكاملها مع بعضها البعض.
و"إسرائيل" نفسها، وهي المهيمنة على الاقتصاد الفلسطيني، توفر الحماية لسلعها وبخاصة الزراعية والغذائية الأساسية، في مواجهة نظيراتها من السلع المستوردة من أميركا وغيرها، فكيف لنا نحن الفلسطينيين أن نجعل سوقنا المحلية مستباحة للسلع الأميركية والأوروبية والإسرائيلية؟ لدرجة أن بعض الاقتصاديين والسياسيين الفلسطينيين يعارضون بشدة حماية الاستثمار الوطني، بادعاء أن هذه الحماية "لا تمثل تشجيعًا للاستثمار الأجنبي".
كما أن توجه السلطة الفلسطينية إلى البنك الدولي و"المانحين" للحصول على سيلٍ متواصل من القروض و"المساعدات" نابع أساسًا من كون اقتصاد الضفة والقطاع هزيل وفقير، وبالتالي ليس باستطاعته منافسة المنتوجات الأجنبية الغزيرة المتدفقة أو التي قد تتدفق علينا.
إذن، الزعم القائل بشأن قدرة منتوجاتنا المحلية على "منافسة" المنتوجات الأميركية والأوروبية في السوقين المحلية والعالمية ليس أكثر من مجرد وهم. وبخاصة أن "تحرير التجارة"، فلسطينيًا، لا يستند إلى التكافؤ التبادلي والتنافسي، بل يأتي تجاوبًا مع مطالب أميركية وأوروبية، تمامًا كمطلب الاتحاد الأوروبي الذي يشترط على دول "المتوسط" التي تطالب بمساعدات مالية واقتصادية "تحرير اقتصادها وفتح أسواقها أمام المنتوجات الأوروبية عبر إلغاء تدابير الحماية".
وإضافة إلى ما سبق، التجاوب مع مطلب واشنطن المتمثل في فتح أسواق الضفة والقطاع، وإلغاء القيود كافة أمام السلع الأميركية.
وهذا أجبر السلطة الفلسطينية على تشريع قوانين لا تتجاوب مع الاحتياجات والمصالح الفلسطينية الوطنية الحقيقية، بل تتجاوب مع مطالب أطراف العولمة المهيمنة، إضافة إلى مطالب اتفاق باريس الاقتصادي الاستعماري الموّقع مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1994.
وفي النهاية، سيُثبّت ويُعمّق الاحتكار الأجنبي والإسرائيلي للسوق الفلسطينية، وبخاصة فيما يتصل بتسويق المنتجات الزراعية والغذائية، ما يعني اجتثاث المزارعين الفلسطينيين من السوق المحلية ومن أراضيهم، وإطلاق طلقة الرحمة على ما تبّقى من الإنتاج الزراعي الفلسطيني وسحق المزارعين ومنتجي الغذاء الفلسطينيين، بعد أن عمل الاحتلال، منهجيًا، طيلة عقود، على مصادرة ونهب أخصب الأراضي الزراعية.
كما أن انهيار الإنتاج الزراعي المحلي سيجعل الضفة والقطاع تابعين تبعية مطلقة للأسعار الاحتكارية المتقلبة، وسيضعهما تحت رحمة استيراد الغذاء والحبوب من الخارج.
ملامح هذا المشهد الاقتصادي الاستهلاكي الطفيلي لمسناها بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وبخاصة من حيث التبعية شبه المطلقة للقمح والحبوب المستوردة؛ علمًا أن فلسطين، في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، كانت تصدّر الحبوب والقمح لسوريا ولبعض دول الخليج وغيرها؛ بل وحتى أواسط الستينيات كانت الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 شبه مكتفية ذاتيًا بالحبوب والمنتجات الزراعية الأساسية.
يستحيل فك الارتباط الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائي في ظل التداخل والتشابك البنيويين في الارتباطات والمصالح التجارية والمالية بين الرأسماليين الإسرائيليين الكبار وبين شريحة محدودة من التجار والوكلاء الفلسطينيين
خلاصة واستنتاجات
من خلال المنظمات التجارية والمالية الدولية، يهدف كل من الاتحاد الأوروبي وأميركا من وراء "تحرير التجارة" في المناطق الفلسطينية، كما في سائر الأقطار العربية، إلى توسيع أسواق الدول الصناعية الغنية و"إسرائيل" في الوطن العربي وامتصاص فائض السيولة النقدية العربية، وبالتالي تقليص الفجوة الضخمة بين العرض (الفائض) الأميركي والأوروبي والإسرائيلي، من جهة، والطلب العربي الضعيف نسبيًا على هذا الفائض، من جهة أخرى.
كما أن الرأسمال الأجنبي والإسرائيلي ووكلاءه الفلسطينيين، في الضفة والقطاع، يفتشون باستمرار عن آفاق استثمارية سهلة وذات نسبة أرباح مرتفعة تُحقّق باستنزاف طاقة الاستهلاك الفلسطينية. ومعنى ذلك إضعاف كبير للقدرة التنافسية لدى المبادرين الفلسطينيين والعرب المنتجين المحتملين، وسحق قدرتهم على المبادرة في تأسيس مشاريع إنتاجية وشبكات تسويق خاصة بهم.
كما أن استباحة احتكارات الغذاء الإسرائيلية والأجنبية للسوق الفلسطينية ستترك آثارًا بيئية وصحية مدمرة، من ناحية التنوع الحيوي والصحة العامة للمجتمع الفلسطيني بسبب إغراق السوق الفلسطينية بالمحاصيل المعدّلة وراثيًا، وبخاصة المنتجات الغذائية الأساسية، كالقمح والذرة وغيرهما مع غياب الرقابة الفلسطينية الرسمية، علمًا أن السلطة الفلسطينية تفتقر تمامًا إلى السيادة على الواردات التي تتدفق إلى السوق الفلسطينية بواسطة القنوات والموانئ الإسرائيلية.
وبسبب التداخل والتشابك العضويين والبنيويين في الارتباطات والمصالح التجارية والمالية بين الرأسماليين والتجار الإسرائيليين الكبار، وشريحة محدودة من التجار والوكلاء الفلسطينيين، فقد تبلّور انطباع لدى صانع القرار الإسرائيلي بأن السلطة لا ترغب في فك الارتباط، لا سيما أن العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية لأولئك الوكلاء والتجار مع "إسرائيل"، أدت إلى مراكمتهم ثروة مالية متضخمة.
وبطبيعة الحال، ستكون هذه الشريحة هي المستفيدة الأساسية من دمج مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني في منظمة التجارة العالمية وما تمثله من "عولمة"؛ وذلك بحكم كونها وكيلة للسلع المتنوعة والمنتجات الغذائية والخدمات الإسرائيلية والأجنبية الأخرى.
وفي نفس إطار شريحة الوكلاء والتجار المنتفعين من العلاقات مع "إسرائيل"، يندرج أيضًا ما اصطلح على تسميته بالاحتكارات الفلسطينية، وهي ليست قطاعًا عامًا أو حكوميًا، كما أنها ليست قطاعًا خاصًا بالمفهوم المتعارف عليه للقطاع الخاص، بل هي احتكارات لصالح النخبة الحاكمة.
وهذه "الاحتكارات" تختلف عن التعريف الاقتصادي للاحتكارات والقائل بأن الاحتكارات عبارة عن تجمع من الرأسماليين الذين يركزون بأيديهم إنتاج وتوزيع كمية كبيرة من السلع والخدمات، الأمر الذي يتيح لهم تحديد الأسعار في السوق، بحيث تدّر عليهم أرباحًا كبيرة جدًا.
أما في الحالة الفلسطينية، فإن ما يسمى "احتكارات" عبارة عن "احتكارات" استيراد وتسويق للسلع والمواد التي أنتجها الإسرائيليون وغيرهم من الرأسماليين.
وبالرغم من أن "الاحتكارات" الأخيرة تتناقض ظاهريًا مع سياسات البنك الدولي والدول "المانحة" التي تؤمن بالتوجه الرأسمالي الداعم للقطاع الخاص والسوق الحرة والرافض لأي تدخل حكومي مباشر في الاقتصاد أو في السوق، إلا أن البنك الدولي والدول "المانحة" تسمح بهذا التدخل السلطوي وهذه "الاحتكارات"، لأنها (أي البنك والدول المانحة) تحصل في المقابل من السلطة على مكاسب سياسية وأمنية. لذا، فإن تحقيق فك الارتباط، يتطلب بالدرجة الأولى تفكيك المصالح والارتباطات الممتدة والمتشعبة بين شرائح فلسطينية محددة والاحتلال الإسرائيلي.