رئيسة جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية
التضاريس الصحراوية في البحرين
يُروى أن مجموعة من الناس كانت تذهب لزيارة رجل حكيم، وفي كل مرةٍ يشكون له المشاكل نفسها، وذات يوم قال لهم نكتة وضحك الجميع، ثم أعادها ثانية وابتسم عددٌ قليل منهم، وعندما كررها ثالثةً لم يضحك أحدٌ منهم.
ابتسم الحكيم ثم قال: "لا يمكنكم الضحك على النكتة نفسها مراراً وتكراراً، فلماذا تبكون في كل مرة على نفس المشكلة؟".
في واقعنا الكثير مَمنْ يشتكون مراراً، وإنني أتفهّم أن نشكو صعوبات الحياة، إلا أني أستغرب ممن يشّكون الجو والطبيعة المحيطة بنا، فكثيراً ما أسمع: "ما هذا الجو المتعب، لمَ لا تهطل علينا أمطارًا كسائر البلدان، ليس لدينا أجواء لطيفة ومناظر خلابة!، وكأننا مَنْ يملك خيار أن نكون في هذه الطبيعة أو تلك.
ثم كيف نعطي لأنفسنا الحق في التدخل في الخلق المُحكم والشكوى منه؟ ولو كانت الطبيعة تنطق لقالت ما قاله الحكيم: "ما لكم تكررون الشكوى نفسها". وربما ستتعجب من شكوانا، فما نحن إلا ضيوف في دار الطبيعة، فحريٌ بالضيف أن يشكر صاحب الدار على حسن الاستضافة وما تمتع به من خيرات، لا أن يقابل إحسانه بالشكوى والتذمر".
إنَّ أجواءنا الصحراوية الساخنة بما فيها من شُحّ الأمطار وقلتها، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة لها من الأهمية لما للأجواء الاستوائية، أو الباردة، أو الصحراوية الباردة، أو شبه الصحراوية، أو غيرها، ولا تستقيم الأرض إلا بهذا التنوع، وقد وُزّع سكانها بين تلك الأراضي والأجواء، وخُلقوا بانسجام معها، إلا أن النظرة للجو من منظور شخصي ضيق هو الذي يغيّب عنا النظرة الكلّية المُحكمة للكوكب، علماً أن خُمس أراضي العالم هي أراضٍ صحراوية، فيا ترى ما أهميتها؟
بنظرةٍ أكثر شموليةً نجدُ أن الصحاري الساخنة والباردة تعمل على تعديل درجة حرارة الأرض المعقدة، وكونها قاحلة فهي كمرايا عاكسة لضوء الشمس مقارنة بالغابات أو البحار.
كما تُعد الصحاري بمثابة "بلاعة" كبيرة للكربون، إذ أن البكتيريا في الرمال تساعد على تخزين ثاني أكسيد الكربون وتمنعه من الصعود للغلاف الجوي، فضلاً عن أنها مصدر هام للمواد الخام لصنع المنتجات مثل الطوب والزجاج والإسمنت.
وفي كوكبنا 15 نوعًا من الرواسب المعدنية و13 نوعًا منها نجده في الصحاري، ما يجعلها مكانًا زاخرًا بالثروة المعدنية فتساعد على انتعاش الاقتصاد المحلي والعالمي.
وهذا قليلٌ من كثير مما تزخر به الأراضي الصحراوية، ولا يعني ذلك أننا ندعو لزيادة رقعتها، وإنما ندعو لتقديرها كما يليق بها، ولفهمٍ أعمق للصورة الشاملة للطبيعة ومكوناتها، وألا نشكو من أجوائها، فهي وإنْ بدت قاسية، إلا أنها أكثر أمانًا مما نشهده في العالم حولنا من زلازل وبراكين وأعاصير وكوارث لا حصر لها، إذن لنكفّ عن قول: "لو أنه لم يكن جوّنا"، ونحمد الله على النعمة التي نحن فيها.