اسم الكتاب: السياسات الاقتصادية في الأغوار وأثرها على المزارعين.
عدد الصفحات: 64 من القطع الصغير.
الناشر: مركز بيسان للأبحاث، رام الله، فلسطين
سنة الإصدار:2012
تأتي هذه الدراسة المعدة من قبل الباحث عبد الستار شريدة، للوقوف عند السياسات الاقتصادية للفلسطينيين في غور الاردن من خلال البحث في واقع وظروف التنمية والاستثمار الحكومي والأهلي الخاص، وما ان كان الجهد المبذول ايجابيا ام سلبياً، فاعلاً أم مكرساً للتبعية الاقتصادية للاحتلال؟؟. خاصة في ظل السيطرة شبه الكاملة لسلطات الاحتلال على غور الأردن، وكل ذلك دون تجاهل تطور قطاع الزراعات التصديرية الفلسطينية ونموه الملفت، واعتماده في جزء كبير من نشاطه خاصة فيما يتعلق بالتسويق على شركات تسويق زراعي اسرائيلية ومنها استيطانية.
تتكون الدراسة من فصلين: يتناول الأول ادوات ومحفزات الاحتلال الاقتصادي في غور الاردن وذلك بدراسة الأراضي المصادرة عبر الاستيطان والمواقع العسكرية المغلقة وجدار الفصل العنصري، وتغطية التحكم بالمياه والعمالة زهيدة الاجر كأداة ومحفز للاحتلال الاقتصادي. اما الفصل الثاني فيتناول السياسات الاقتصادية الفلسطينية في غور الاردن من حيث خطط واقع التنمية للحكومة، والقطاع الخاص والمنظمات الأهلية وواقع الاستثمار في الزراعات التصديرية، ولدى صغار المزارعين الفلسطينيين، وكذلك تغطية بدائل العمل في المستوطنات.
فحوى الدراسة
اظهرت الدراسة ان الاحتلال الاسرائيلي لغور الاردن مرتبط بما تتيحه المستوطنات من مستويات اقتصادية للمستوطنين ولدولة الاحتلال، وان المزاعم الامنية السياسية ما هي إلا محفزات وأدوات تهدف الى تكريس وتعزيز الاحتلال الاسرائيلي الاقتصادي لغور الاردن. من هنا يجب ان يكون الجهد الفلسطيني الشعبي والأهلي والحكومي والخاص مؤثرا في اداء المستوطنات والإخلال بنشاطها الاقتصادي، من خلال المحافظة على حيوية حملات مقاطعة منتجات المستوطنات على المستوى المحلي والدولي.
ان تحليل نشاط 29 مستوطنة في غور الاردن يعكس مدى هشاشتها في حال أي تأثير على سوق منتجاتها، وذلك من خلال سياسة المقاطعة او أي قرار سياسي ذي صلة بطبيعة نشاطها، ما قد يتسبب بحدوث خلل في المستويات الاقتصادية الرغيدة التي اعتاد عليها المستوطنون وبالتالي التأثير على النشاط الاستيطاني للاحتلال في غور الأردن، وهذا ما يجب ان يكون عليه التوجه العام للتأثير على الاداء الذي يسبب تراجع المستويات الاقتصادية وبالتالي الاخلال بمبررات وجود المستوطنين في الطريق لإنهاء الاحتلال. خاصة اذا علمنا ان هذه المستوطنات ذات الكفاءة الاقتصادية ملحق بها نحو 92% من اجمالي المساحات المصادرة لصالح المستوطنات في غور الاردن.
بينت الدراسة ان اعلان سلطات الاحتلال الاسرائيلي عن نحو 44% من مساحة غور الأردن، كمنطقة عسكرية مغلقة ما هو إلا أداة تمكن الاحتلال الاقتصادي من التوسع والتحكم بالمصادر على حساب نحو 89% من التجمعات الفلسطينية في غور الأردن، هذا الواقع اعاق ان لم يكن قد شلّ عملية التنمية في نحو 95% من اجمالي مساحة غور الاردن الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية ما يتوجب على المستوى السياسي الفلسطيني العمل على تغيير الواقع بدءاً من الآن، وليس استنادا الى اتفاقيات عشرينية من العام 93.
الجدار ومصادرة الأراضي
ووفق الدراسة، فإن ما يعد له الاحتلال الاسرائيلي بخصوص الاستثمار ورفع كفاءة الانتاج في مستوطنات غور الاردن، لا يعيق تنفيذه سوى الوقت وتهيئة الظروف والوقائع التي تتيح ذلك، وما عامل الزمن بالنسبة للاحتلال الاقتصادي في غور الأردن، إلا مجرد رقم طالما يخدم اجندة لا تشيخ، وما عجز عن مصادرته بالاستيطان والمواقع العسكرية يلتف حوله بأدوات جديدة لوضع اليد عليه، فسيتم الاستثمار في كفاءته الاقتصادية ولو استغرق الامر لتهيئة ذلك نصف قرن، وان مقطعي الجدار وخندق الفصل العنصري ما هما إلا اداة اخرى لتهريب وتسريب اراضي الفلسطينيين في غور الاردن الى المستوطنين ودولة الاحتلال.
ان تحليل البنية الاقتصادية للمستوطنات الاسرائيلية في غور الأردن تستند (من الجانب الفلسطيني) الى معطيات اسرائيلية والى تحكم الاسرائيليين في مياه المنطقة التي اتاحت هذه الوفرة الاقتصادية للمستوطنين وخلقت لهم ميزة تنافسية لا تعكس قيمة الانتاج الحقيقي، والهدف من ذلك هو محاولة اظهار ان الاحتلال الاسرائيلي في غور الاردن له روابط ايدلوجية وعقائدية وليست اقتصادية، وهو الامر الذي يجب فضحه بما يعكس توجهات وأهداف الاحتلال في المنطقة.
ان انتهاكات الاحتلال الاسرائيلي وحرمانه العمالة الزراعية الفلسطينية في غور الاردن من مصدر دخلها المعتمد على الزراعة النباتية يحشد من قبل المتضررين باتجاه البحث عن بديل شبيه بتخصصاتهم الزراعية، وفي الغالب لصالح العمل في المستوطنات -المنطقة الزراعية، وقد كان بالإمكان من خلال تفعيل وإقرار قانون او مرسوم رسمي فلسطيني بمقاطعة العمل في المستوطنات بشكل عام وتلك الزراعية بوجه الخصوص، ان يكبد هذه المستوطنات خسائر تحرمها من امتياز الايدي الفلسطينية العاملة زهيدة الأجر بما قد يتسبب بالإخلال باقتصاد هذه المستوطنات المرتبطة بهذه المكاسب والامتيازات الاقتصادية.
الاقتصاد الحر وتأثيره على مناطق الأغوار
-ان الهوية الاقتصادية للحكومة الفلسطينية المبنية على الاقتصاد الحر جعلت الاستثمار في غور الاردن بيد فئة محدودة من المستثمرين، وهذا مرتبط بالسياسات والقوانين المعمول بها وليس خارج نطاقها. والتخوف ايضا من ان المنطقة الصناعية الزراعية سوف تحدد حاجة السوق، بناء على توجهات المستثمرين للربح من زراعات تصديرية او منتجات محددة، وبالتالي فإن المستثمر هو الذي سيخطط لصغار المزارعين سياستهم الزراعية، كما سيكون لذلك بالغ الاثر على السوق والقدرة والقيمة الشرائية لهذه المنتجات التي تشتهر بها المنطقة اذا ما تراجعت لصالح زراعات ومنتجات تصديرية او موجهة، ما يوجب اعادة النظر من قبل الحكومة في هويتها الاقتصادية، من خلال سن تشريعات او ضبط وإرشاد الاستثمار، بما يضمن التوزيع العادل للمصادر بين المستثمرين وصغار المزارعين.
ان تنفيذ مشاريع ضخمة شبيهة بالمنطقة الصناعية الزراعية يجب ان يكون باتجاه رفع كفاءة وقدرة المزارعين الصغار في غور الأردن، وذلك رهناً بالمشاريع والبرامج التي يتم بناؤها مع الجهات الممولة والمانحة وان تفويض أي جهة حكومية او من القطاع الخاص، بإدارة مشاريع تم تصميمها بناء على احتياجات هذه الفئة يجب ان يكون بما يحقق الغرض من ذلك وهو تحسين وتطوير فرص المزارعين الصغار، وليس خدمة المستثمرين وبعيدا عن الشراكة مع الجانب الاسرائيلي.
ان السياسات الخاطئة لبعض المنظمات الأهلية العاملة في غور الاردن والمبنية على سياسات وتوجهات الممولين والمانحين في المساعدات والمشاريع الطارئة تعمق لدى المجتمع المستهدف التعاطي والتعايش مع الحاجة، وليس تجاوزها في حال كان التوجه العام لهذه المؤسسات تنمية غور الاردن ورفع كفاءته باستغلال مصادره المتاحة.
يثير انتعاش قطاع الزراعات التصديرية في غور الاردن التساؤل حول توقيت الاستثمار وحجمه والظروف المحيطه به في ظل مقاطعة العديد من دول العالم لمنتجات المستوطنات الجاثمة على الاراضي الفلسطينية بغور الاردن تحديداً. والتخوف من ان يكون هناك شراكات وهمية، وغير معلنة، وتحديدا من شركات التسويق الزراعي العاملة في المستوطنات، خاصة بعد الضربات الموجعة التي تلقتها في العديد من الدول المقاطعة لمنتجات المستوطنات. والجهد الفلسطيني الرسمي ضروري هنا لضمان عدم قدرة المشغلين الاسرائيليين على التحايل والعمل على تبييض منتجاتهم من خلال صغار المزارعين او مصانع تعبئة وتغليف بشهادة منشأ فلسطينية.
الزراعات التصديرية واستغلال المعاناة
اظهرت الدراسة مستوى عجز بلغ 97% في حجم المساحات الواجب الاستثمار فيها لـ 3 أصناف من الزراعات ذات المردود الاقتصادي، وبهدف ايجاد بدائل للعمالة الفلسطينية عن العمل في المستوطنات من المساحات، لذلك وحتى يكون اداء المؤسسات الرسمية والأهلية والقطاع الخاص في اطار الجهد الايجابي للاستثمار في كفاءة العمالة الفلسطينية في مستوطنات غور الأردن، يجب ايجاد بدائل عمل في اطار تخصصاتهم، وخبراتهم المكتسبة وبما يخدم هذه التوجهات.
ان حقيقة ما اتاحه واقع الزراعات التصديرية الفلسطينية في غور الاردن، ولّد انطباعا لدى العمال الفلسطينيين وصغار المزارعين بأن ما يجري هو الاستثمار في معاناتهم وحاجتهم، وليس الاستثمار في خبراتهم وتخصصاتهم التي اكتسبوها من العمل في المستوطنات، او في اراضيهم الزراعية وهو الامر الذي يستدعي اعادة النظر من قبل النقابات العمالية، ووزارة العمل الفلسطينية في الحد الادنى للأجور، والحقوق العمالية الأخرى، التي ستكون حافزاً للعمال الفلسطينيين كي يهجروا العمل في المستوطنات الزراعية بغور الاردن لصالح العمل في زراعات فلسطينية شبيهة.