خاص بآفاق البيئة والتنمية
تحتل السعادة وجه المزارع عبد الناصر مصطفى عبد الرازق، وهو يُلخص حكاية إعادة الحياة لبطيخ طوباس والأغوار وشمامها. يقول، وهو يمسك بطيخة لا زالت متصلة بالنبتة في قلب سهل البقيعة: وزنها حوالي 20 كيلو غرام، ولم تنضج بعد، وهذا يعني أننا سنسجل رقمًا قياسياً جديدًا، سيرد لنا الروح، ويعيد إلينا ذكريات أيام العز.
وينتظر بفارغ الصبر، افتتاح موسم القطاف الرسمي بعد أيام قليلة، في مساحة تقترب من 400 دونم مغطاة بالبطيخ والشمام، ويبتهل إلى الله أن لا يتكرر السيناريو الأسود عام 2011، حين بدأ بزراعة هذا المحصول، لكن نهايته لم تكن سعيدة، إذ كانت ثماره تنفجر قبل مدة من قطافها، ثم تتلف.
مُغامرة
يقول: كانت مغامرة، لكننا نُصر على أن نعيد البطيخ إلى سابق عهده، فالبرغم من الخسائر التي لحقت بنا، إلا أننا أعدنا المحاولة، ونأمل أن نحقق اكتفاءً ذاتيًا من هاتين الفاكهتين اللذيذتين، أو على الأقل نخفف من استيراد بطيخ الاحتلال وشمامه.
ووفق عبد الرازق، الذي ولد عام 1965، فإنه ورث مهنة الزراعة أبًا عن جد، إذ كان جده محمد علي يزرع البطيخ الجدوعي والملاوي، والشمام البلدي بين عامي 1950 و1970، ويصدره إلى الأردن والسعودية وسوريا. ثم انتقلت الكرّة إلى والده، الذي زرع هذا المحصول، قبل استشهاده عام 1974، وليس ببعيد عن السهل الذي كان أجرداً وتحول إلى واحة خضراء، كما يفيد ابنه.
يوالي: ربطنا هذا السهل بخط مياه بطول 27 كيلو متر، لإيصال 150 مترًا مكعًبا من سر الحياة كل ساعة، إلى نحو ألفي دونم استأجر وشقيقه عبد الحكيم معظمها في المنطقة.
|
|
بطيخ فلسطيني في البقيعة خال من الكيماويات |
بطيخ نظيف من الأوساخ الكيميائية في البقيعة الفلسطينية |
سيرة ومسيرة
وتبدأ قصة البطيخ بالتحديد، التي ترعاها وزارة الزراعة، في شهر كانون الأول، حين تشرع المستنبتات بزراعة الثمار، ثم يجري تركيبها على أصول اليقطين والكوسا البري، كونهما أقدر على مقاومة أمراض التربة، وتُنقل إلى الأرض بداية آذار، بعد تجهيزها بالسماد العضوي، وتغطيتها بالنايلون، على أن تقطف في الأيام الأخيرة من أيار، ولمدة لا تتجاوز الأسبوعين.
يقول عبد الرازق: لم نجد بذوراً بلدية للبطيخ أو الشمام، وزرعنا صنفين من أصول أوروبية، الأول ( مكسيما) وهو لا بذري، والثاني (ليفر سايد). وتعطي النبتة الواحدة من البطيخ 3 حبات كبيرة، تصل أحيانًا إلى 20 كيلو غرام، أما الشمام فتعطي 4 حبات. أما تكلفة كل شتلة فهي 4 شواقل، تساهم وزارة الزراعة بثلاثة منها. فيما يُكلف الدونم الواحد حتى ينضج نحو 4500 شيقل، ونأمل أن نبدأ بالتصدير للسوق المحلي، وعدم انتظار البطيخ الإسرائيلي.
ووفق إحصاءات محلية، فإن مساحة سهل البقيعة تبلغ 91 ألف دونم، فيما تنهب المستعمرات نحو 60% منها. أما بيانات عبد الرازق، فتشير إلى العناء الذي يلازم المحصول، والذي لا يسلم من الاحتلال وسياساته في تضييق الخناق على المزارعين، عدا عن طائر الحجل والأرانب والغزلان، التي تدخل إلى الحقل، وبخاصة في مراحله الأولى.
يزيد: حين بدأنا نزرع البطيخ هذا الموسم، كان الاحتلال يجري مناورات عسكرية استمرت ثلاثة أيام، ولم يمنعنا هذا من متابعة عملنا، حتى النهاية.
ويبدو الحقل من بعيد كأرض مليئة بالكرات الخضراء المخططة بالأبيض، فيما يجري زرع شتلة بطيخ بذرية مع كل ثلاث لا بذرية؛ لضمان التلقيح. أما الشمام فبعض أنواعه يحمل اسم ذهب، وتستلقي أربع ثمرات في النبتة الواحدة، ستقترب من وزن 5 كيلو غرام.
|
|
سكر البقيعة |
شمام خال من الكيماويات في البقيعة الفلسطينية |
انقراض
يقول: انقرضت زراعة البطيخ والشمام عام 1983، حين بدأ الفائض منها يغرق الأسواق، بعد توقف تصديرهما إلى الأردن والدول العربية، ثم انتشرت أمراض التربة (الفيوزاريوم) بشكل خاص، واختفت البذور البلدية، وتراجعت الأمطار كثيراً.
مما يسكن في ذاكرة عبد الرازق، الأسماء الشعبية لمركبات المرسيدس (الفطسة) الخضراء، والزرقاء، التي كانت تنقل الواحدة منها بين 5 -6 أطنان من ثمار تكاد تكون سوداء من شدة لونها الأخضر، ويوضع تحتها القش؛ لعدم تكسيرها. أو من صفراء لامعة خشنة الملمس، وذات رائحة تفتح الشهية.
يقول: نحتاج في الأيام العادية إلى نحو 60 عاملاً، ويتضاعف العدد في موسم القطاف إلى نحو 200.
يزيل عاهد علي الأعشاب من حقل البطيخ، ويتفقد شبكات الري، ويقول: بطيخ سهل البقيعة مثل السُكر، ولا تجد أحداً لا يحب أن يجرب بطيخ بلده، الذي انقطع سنوات طويلة.
فيما يقول العامل العشريني محمد دبك: هذه المرة الأولى التي أعمل فيها بالبطيخ، ولم أكن أعلم شيئًا عنه، فهو نبتة جديدة عليّ، وشكل أوراقها وثمارها وأزهارها جميل.
لا يعمل عبد الرازق على جبهة البطيخ فحسب، بل يزرع البصل المخصص للزراعة (قنار)، والبطاطا الحلوة، والجزر والخيار والفقوس، ويفكر في زراعات جديدة أخرى.
ينهي: استشهد أبي عام 1974 في منطقة الموفية، المشرفة على السهل، ولا زالت رفاته في مقابر الأرقام، وكان يزرع القمح، والبطيخ البعل (غير المروي)، ولم يجد الماء ليزرع كل ما أراده، وأتمنى لو شاهد البطيخ والشمام، وهو يتخطى العشرين كيلو.
aabdkh@yahoo.com