باريس / خاص: يبدو تراجع الهيمنة الاقتصادية للقوى القديمة في تسارع، فالأرقام الدولية الأخيرة تدل على ان الدول الغنية في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تمثل الان أقل من 50% من الثروة العالمية، وتحمل هذه الارقام بدايات ثورة مع توقع انتزاع الصين المرتبة الاولى من الولايات المتحدة.
وقد نشر البنك الدولي في أواخر نيسان الماضي دراسة واسعة حول ثروة الدول انطلاقا من ارقام 2011، شاركت فيها عدة هيئات دولية وتقارنَ إنتاجات كل منها بالقيمة المطلقة. لكنها عدلتها ايضا تبعا للقوة الشرائية للثروات المنتجة، مع مؤشر تكافؤ القوة الشرائية.
ولفت البنك المركزي الى "ان الولايات المتحدة تبقى أضخم اقتصاد في العالم لكن تتبعها الصين عن قرب وفق مؤشر تكافؤ القوة الشرائية. والهند باتت ثالث اقتصاد في العالم، متجاوزة اليابان".
وأوضحت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية "ان مؤشرات تكافؤ القوة الشرائية هي معدلات التحويل الملائمة لإجراء مقارنات دولية للنشاط الاقتصادي. وخلافا لمعدلات أسعار الصرف فهي تزيل فروقات الأسعار بين البلدان".
وبشكل اوضح فإن إجمالي الناتج الداخلي الاميركي ارتفع الى 15533 مليار دولار في 2011، فيما اجمالي الناتج الصيني بلغ 7321 مليار دولار. لكن مع تصحيحه وفق مؤشر تكافؤ القوة الشرائية قفز إجمالي الناتج الداخلي الصيني الى 13495 مليار دولار مقتربا من القوة المهيمنة على الاقتصاد العالمي منذ نحو قرن.
وفي اجمالي الناتج العالمي تمثل الولايات المتحدة 17,1% وفق مؤشر تكافؤ القوة الشرائية، والصين 14,9%.
ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي تضم البلدان الأكثر ثراء في العالم، باتت تمثل اقل بقليل من 50% من اجمالي الناتج العالمي، فيما تمثل الاقتصادات الناشئة الكبرى نحو 30%.
لكن حتى وان حرص البنك الدولي على التوضيح انه لا يمكن مقارنة ارقام مؤشر تكافوء القوة الشرائية في 2011 مباشرة مع الارقام السابقة التي تعود الى 2005، فإن إجراء مقارنة يعطي فكرة عن الوتيرة السريعة التي تلحق فيها الصين بالولايات المتحدة. ففي 2005 سجل اجمالي الناتج الداخلي الصيني من حيث مؤشر تكافؤ القوة الشرائية حوالى 43% من اجمالي الناتج الاميركي. وفي 2011 حوالى 87%.
وهو سباق مستمر منذ سنوات عدة، لكن بالاستناد الى توقعات النمو لهذين العملاقين، فمن المحتمل ان تتجاوز بكين واشنطن اعتبارا من العام 2014 وفق مؤشر تكافؤ القوة الشرائية، ما سيكون له وقع الصاعقة ويخرج دويه عن النطاق الاقتصادي ليقع تأثيره على العلاقات بين القوى الجيوسياسية والدبلوماسية ويغذي على سبيل المثال النقاشات حول اصلاح المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي او الأمم المتحدة.
وقال سيباستيان جان مدير مركز الابحاث الفرنسي "سيبيي" "ان المعطيات الجديدة تحمل على الاستنتاج بأنه من المرجح اعتبارا من 2014" ان تتخطى الصين الولايات المتحدة وفق هذا المعيار.
وقال تييري جيجر الخبير الاقتصادي السويسري الذي يعمل في جنيف لحساب المنتدى الاقتصادي العالمي "يمكننا دوما التحدث عن المنهجية والتساؤل عما سيحدث في 2014 وفي 2016… لكن ما هو مؤكد هو انه سيحدث، فذلك يندرج في توجه شامل لنمو جنوني للقوى الناشئة".
وأضاف "سيكون لذلك تبعات جيوسياسية في ما يتعلق بالتفاوض والمسؤولية المعنوية والريادة، على سبيل المثال حول المناخ او المالية".
إلا ان الصين قد لا تستسيغ هذه المسؤوليات. وفي هذا السياق لفت البنك الدولي الى "ان المكتب الوطني الصيني للاحصاءات لا يصادق على النتائج كإحصاءات رسمية" وانه ابدى "تحفظات" بشأن المنهجية.
ورأى جيجر ان "هناك على الارجح وراء ذلك رفض لتحمل للمسؤوليات التي قد تتأتى عن وضع تبوأ المرتبة الأولى. وقد تفضل الصين ان تستمر في النظر الى نفسها كقوة ناشئة بدلا من زعامة العالم".
لكن الهرمية العالمية تأخذ شكلا آخر قياسا الى الفرد. فالولايات المتحدة تحتل المرتبة الثانية عشرة من حيث إجمالي ناتج الفرد على اساس مؤشر تكافؤ القوة الشرائية، فيما الصين تأتي في المرتبة التاسعة والتسعين.
واشار جيجر الى "ان إجمالي ناتج الفرد يعتبر مؤشرا أفضل للتنمية الاقتصادية، لكنه يحذر مع ذلك من انه يجب عدم استخلاص نتائج متسرعة جدا لأرقام مؤشر تكافؤ القوة الشرائية".
وأضاف "على سبيل المثال في الهند التي اصبحت ثالث اقتصاد في العالم، هناك حوالى 30% من الناس يعيشون في اقصى درجات الفقر بحسب مؤشر تكافؤ القوة الشرائية".