موجات حرّ وفيضانات.. كوارث جديدة "غير مسبوقة" ستحلّ بالكوكب
باريس/ آفاق البيئة والتنمية: توقَّع تقرير جديد صادر عن خبراء المناخ في الأمم المتحدة أن يصل الاحترار العالمي (ارتفاع درجة حرارة الأرض) إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية في حدود عام 2030، أي قبل عشر سنوات من آخر التقديرات الذي وُضعت قبل ثلاث سنوات، ما يهدد بحصول كوارث جديدة "غير مسبوقة" في الكوكب الذي تضربه موجات حرّ وفيضانات متتالية.
فقبل أقل من ثلاثة أشهر من "مؤتمر الأطراف السادس والعشرين (كوب 26)" في غلاسكو، نُشر الجزء الأول من تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في أغسطس/ آب الماضي.
وجاء فيه أن البشر مسؤولون "بشكلٍ لا لبس فيه" عن الاضطرابات المناخية و"ليس لديهم خيار سوى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري "الفحم والنفط والغاز" بشكل كبير، إذا كانوا يريدون الحد من التداعيات".
وهذا التقرير التقييمي الأول منذ سبع سنوات، والذي تبَّناه الشهر الماضي موفدو 195 بلدًا، يستعرض خمسة سيناريوهات لانبعاثات غازات الدفيئة، من الأكثر تفاؤلًا إلى الأكثر تشاؤمًا.
مجرد البداية
وفي كل الحالات، سيصل الاحترار العالمي عام 2030 إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، أي قبل عشر سنوات من التقدير السابق للهيئة في العام 2018.
وبحلول عام 2050، ستستمر الزيادة إلى ما بعد هذه العتبة، وهي أحد حدود "اتفاق باريس للمناخ" حتى لو نجح العالم في الحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الدفيئة.
وإذا لم تخفّض هذه الانبعاثات بشكل حاد، من المتوقع تجاوز عتبة درجتين مئويتين في القرن الحالي. وهذا الأمر سيعني فشل "اتفاق باريس" الموقع عام 2015 والذي يوصي بضرورة حصر الاحترار بأقل من درجتين مئويتين، وصولًا إلى درجة مئوية ونصف درجة إذا أمكن.
وبينما ارتفعت حرارة الكوكب 1.1 درجة مئوية حتى الوقت الحالي، فإن العالم يشهد الآن العواقب المترتبة على ذلك، من الحرائق التي تجتاح الغـرب الأميركي والـيونان وتركيا، مـروراً بالفيـضانات التي غمرت بعـض المناطق الألمانية والـصينية، وصـولاً إلى جـفاف غير معهـود في ولاية كـاليفورنا، إلى تسـجيل درجات حرارة قـياسية في كـندا وصـلت إلى نحو 50 درجة مئـوية.
وعلّقت كريستينا دال من اتحاد العلماء المعنيين "يونيون فور كونسورند ساينتستس" بالقول: "إذا كنتم تعتقدون أن هذا أمر خطير، تذكروا أن ما نراه اليوم هو مجرد البداية".
وحتى عند عتبة 1.5 درجة مئوية، ستزداد موجات القيظ والفيضانات وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة بطريقة "غير مسبوقة" من حيث الحجم والوتيرة والفترة من السنة التي تضرب فيها المناطق المتضررة، كما حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
وقال عالم المناخ ديف رياي "التقرير يجب أن يخيف أي شخص يقرأه (…) إنه يظهر إلى أين وصلنا وإلى أين نحن ذاهبون مع تغير المناخ: إلى حفرة نواصل تعميقها". وفي مواجهة هذا المستقبل القاتم، تتكاثر الدعوات إلى التحرك.
ويشدد بانماو تشاي، الرئيس المشارك لمجموعة الخبراء التي أعدَّت الجزء الأول من تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، على أن "استقرار المناخ سيتطلب خفضاً حاداً وسريعاً ودائماً لانبعاثات الغازات الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري من أجل تحقيق حياد الكربون".
وبعد الاطلاع على النسخة الأولية، يشمل الجزء الثاني من التقرير تداعيات تغير المناخ ومن المقرر نشره في فبراير/ شباط 2022. وهو يوضح كيف ستتغير الحياة على الأرض بشكلٍ حتمي في غضون ثلاثين عاماً، أو حتى قبل ذلك.
أما الجزء الثالث يرتبط بالحلول المحتملة للحد من الانبعاثات ويُتوقع صدوره في مارس/ آذار، لكن المسار الذي يجب اتخاذه معروف على نطاق واسع وهو الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تعقيباً على التقرير "إنه يعلن نهاية الوقود الأحفوري الذي يدمر الكوكب".
وأضاف في بيان أن التقرير هو "إنذار أحمر للبشرية. أجراس الإنذار تصم الآذان: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا".
وفي حين أنه سيكون من الضروري خفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون بمقدار النصف بحلول العام 2030 للحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية، فإن كل الأنظار تتجه الآن إلى غلاسكو، حيث سيجتمع قادة العالم في تشرين الثاني/نوفمبر.
وشدد غوتيريش على أنه "ليس هناك وقت للانتظار ولا مجال للأعذار" مطالباً بأن يكون مؤتمر الأطراف "ناجحاً" بعد هذا "الإنذار الأحمر للإنسانية" الذي أطلقته اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
لكن في هذه المرحلة، راجعت نصف الحكومات فقط التزاماتها الخاصة بانبعاثات غازات الدفيئة. وستؤدي سلسلة الالتزامات السابقة، التي تم التعهد بها عقب "اتفاق باريس" إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب 3 درجات مئوية، إذا اُحترمت، لكن بالمعدل الحالي، يتجه العالم أكثر نحو 4 أو 5 درجات مئوية.
وفي خضم توقعاتها القاتمة، فإن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تحدثت عن أملٍ يجب التشبث به.
وفي أفضل السيناريوهات، يمكن أن تنخفض الحرارة إلى ما دون 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، بخفض الانبعاثات بشكل كبير وامتصاص كمية من ثاني أكسيد الكربون أكثر مما ينبعث منه. لكن التقنيات التي تسمح بسحب ثاني أكسيد الكربون من الجو على نطاق واسع لا تزال في مرحلة البحث، كما أشارت الهيئة.
تداعيات "غير قابلة للعكس"
وأكد التقرير أن بعض عواقب الاحترار المناخي "غير قابلة للعكس" على أي حال.
وتحت تأثير ذوبان الجليد القطبي، سيستمر مستوى المحيطات في الارتفاع "لقرون، بل لآلاف السنين".
أما البحار التي ارتفعت مستوياتها 20 سنتيمتراً منذ العام 1900، فما زال من الممكن أن ترتفع بحوالي 50 سنتيمتراً بحلول عام 2100.
وقال جوناثان بامبر أحد معدي التقرير "يبدو أن الأمر بعيد المنال، لكن هناك ملايين الأطفال الذين يجب أن يعيشوا بصحة جيدة في القرن 22".
وللمرة الأولى، تشير الهيئة إلى "عدم القدرة على استبعاد" حدوث "نقاط تحول" مثل ذوبان الغطاء الجليدي في القطب الشمالي أو موت الغابات، ما قد يؤدي إلى تغيير جذري للنظام المناخي وغير قابل للعلاج.
لكن هذا ليس سببًا للتخلي عن المعركة ضد ظاهرة تغير المناخ، بل على العكس، وفق علماء وناشطين، لأن كل جزء من درجة مئوية يؤثر ويعزز التداعيات.
وقالت كايسا كوسونين من منظمة "غرينبيس" المدافعة عن البيئة "لن ندع هذا التقرير يُوضع على الرف. سنحضره معنا إلى المحاكم".
من جهته، قال نائب رئيس الاتحاد الأوروبي المسؤول عن الشؤون المناخية، فرانس تيمرمانز، إنه ما زال هناك وقت لمنع "انفلات تغير المناخ" لكن فقط إذا طبَّق العالم السياسات التي تسمح بخفض الانبعاثات الكربونية العالمية إلى الصفر.
كذلك، ذكرت الحكومة البريطانية أن التقرير يشكل "تحذيراً صارماً" بشأن تأثير النشاط البشري على الكوكب، معربة عن أملها في أن يشجع هذا الإجراء على التحرك قبل مؤتمر الاطراف المقرر عقده في نوفمبر/ تشرين الثاني.
كما حذّرت الحكومة الألمانية من أن "الوقت ينفد لإنقاذ الكوكب" من خطر الاحترار المناخي.