خاص بآفاق البيئة والتنمية
يجابه العالم تحدياتٍ جسام تتمثل في نقص التغذية، ونقص المياه الصالحة للشرب، وسوء خدمات الصرف الصحي، إذ تشير التقديرات إلى أن 159 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون التقزم، و50 مليوناً آخرين أنهكهم الهزال. وحسب تقارير لمنظمة الصحة العالمية لعام 2015، يفتقر 2.4 مليار شخص إلى إمكانية الوصول إلى الصرف الصحي الجيد، و663 مليونًا يعجزون عن الوصول إلى مصدر مياه نظيف.
وفي المجتمعات التي ينتشر فيها نقص التغذية، غالباً ما يكون الوصول محدودًا إلى المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي الجيدة، وبذلك تتفاقم أبعاد المشكلة، ما يستدعي إيجاد حلول شاملة.
ويُعد قطاع غزة أحد المجتمعات التي طالها سوء الحالة التغذوية، ويُعزى السبب إلى ظروف المياه، والصرف الصحي، وسلوكيات النظافة غير الملائمة، فيما تؤكد العديد من الدراسات أن جميع ما سبق يساهم غالبًا إلى حد كبير في نقص التغذية.
وكما نعلم أن سوء التغذية من المشاكل الصحية الرئيسة في البلدان النامية، والذي ينطوي على أوجه قصور أو اختلال في تناول الشخص للعناصر الغذائية.
المياه المأمونة والوضع التغذوي للاطفال
الفقر وإهمال النظافة وسوء التغذية
المعهد الوطني للبيئة والتنمية "نيد" بالتعاون مع مركز العمل التنموي معاً،
استرعى انتباهه موضوع تأثير الممارسات الصحية على الحالة التغذوية للأطفال، ما دفعه إلى إجراء دراسة في قطاع غزة، تناولت العلاقة بين المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، والحالة التغذوية للأطفال والحوامل والأمهات المرضعات.
فسوء التغذية بجميع أشكاله يمثل تهديدات جادة لصحة الإنسان، في حينٍ يواجه العالم اليوم عبئًا مزدوجًا من سوء التغذية يشمل كلاً من نقص التغذية وزيادة الوزن، لا سيما في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، فضلاً عن الأمراض غير المعدية المرتبطة بالنظام الغذائي.
ويتجلى نقص التغذية في أربعة أشكال: الهزال، والتقزم، ونقص الوزن، ونقص المغذيات.
والأخير تحديدًا يعني نقص الفيتامينات والمعادن الضرورية لوظائف الجسم والحفاظ على صحته، أما سوء التغذية المزمن ينتج عن نقص التغذية المزمن أو المتكرر، ويرتبط عادةً بالفقر وسوء الحالة الصحية للأم وكذلك التغذية، والأمراض المتكررة، والتغذية والرعاية غير الملائمتين في الحياة المبكرة، كما ذكرت منظمة الصحة العالمية.
ومن جهة أخرى، يُشكل نقص مياه الشرب والمرافق الصحية تحديًا في قطاع غزة، ما يؤدي إلى نقصٍ في توفير مياه الشرب المأمونة للأطفال، لتحدق بهم مخاطر صحية إضافية، وفقاً للدراسة المذكورة.
وبحثت الدراسة في طبيعة العلاقة بين ظروف المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، وسوء التغذية، في نهج علمي ومهني قاد إلى نتائج موثوقة، يمكن استخدامها مرجعًا جديدًا للميدان.
تلك النتائج أشارت إلى أن الممارسات الصحية والنظافة قد تؤثر على الحالة الصحية والتغذوية للأطفال دون سن الخامسة والحوامل والأمهات المرضعات.
سوء التغذية خلال المرحلة المبكرة
وبناءً عليها، تبينَّ أن جميع الأسر المشمولة في الدراسة تقريبًا تعاني من الفقر أو الفقر المدقع، إذ لم يكن بمقدورها شراء الصابون للتنظيف بشكل دوري، وهذا بدوره أثر سلبًا على نظافة المنزل، وبطبيعة الحال البيت غير الصحي يؤثر سلبًا على صحة أفراد الأسرة، ومن البدهي أن الفقر وإهمال النظافة وسوء التغذية؛ ثلاثتها ما هي إلا حلقة مفرغة.
ومن جهة أخرى تطرقت الدراسة إلى مدى وعي الأمهات بأهمية ممارسات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (النظافة المنزلية والنظافة الشخصية ونظافة الطعام وممارسات الرضاعة الطبيعية) في الوقاية من الأمراض المعدية. وتبينَّ أن معرفة الأمهات- اللاتي شملهن المسح- بهذا الجانب كانت ضعيفة، وهذا قد يفسر ارتفاع معدل الإسهال عند الأطفال والحوامل والمرضعات.
فيما ارتبط الفقر ونوبات الإسهال المتكررة بشكل مباشر أو غير مباشر بفقر الدم، إذ أظهرت الدراسة ارتفاع نسبة العلامات السريرية لفقر الدم.
وحذرت الدراسة من تأثير ممارسات النظافة السيئة بشكل غير مباشر على الحالة التغذوية للأفراد، والتي تسبب الإسهال وبدوره يؤدي إلى سوء التغذية.
سوء التغذية خلال المرحلة المبكرة من حياة الطفل
الإسهال يقتل الأطفال
يزيد الفقر من مخاطر سوء التغذية، ومن المرجح أن يتأثر أصحاب الدخل المنخفض بأشكال مختلفة منه، ولا يتوقف الأمر هنا، إذ ترتفع جراء سوء التغذية تكاليف الرعاية الصحية وتقل الإنتاجية، ويغدو النمو الاقتصادي بطيئاً، وبالتالي تستمر دورة الفقر واعتلال الصحة.
إن الحالة التغذوية السيئة بين الأطفال دون سن الخامسة مسؤولة عن أكثر من ثلث وفيات الأطفال في العمر نفسه على مستوى العالم، نتيجة اشتداد الأمراض المعدية عليهم وتأخير التعافي منها.
وعلاوة على ذلك، يصيب سوء التغذية، في المرحلة المبكرة من حياة الطفل، بالأمراض المزمنة والإعاقات، وقد يؤدي إلى التقزم، وهي حالة لا يمكن علاجها وترتبط بعدد من المضاعفات، بما في ذلك الأداء المدرسي الضعيف.
أما السبب الرئيس الثاني لوفاة الأطفال دون سن الخامسة، فهو الإسهال، لا سيما أن كل عام يذهب حوالي 525000 طفل دون سن الخامسة ضحايا له، إلا أنه يمكن الوقاية من نسبة كبيرة من أمراضه بتوفير مياه الشرب المأمونة والمرافق الصحية الملائمة والنظافة الصحية.
والإسهال هو أحد أعراض العدوى التي تسببها مجموعة من الكائنات الحية البكتيرية والفيروسية والطفيلية، وينتشر معظمها عن طريق المياه الملوثة، وتكون العدوى أكثر شيوعًا في حال نقص المرافق الصحية الملائمة، والافتقار إلى النظافة والمياه الصالحة للشرب والطهي والتنظيف.
قلة المصادر المائية في غزة
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يرتبط ما يقرب من 50٪ من حالات سوء التغذية بالإسهال المتكرر أو الإصابة بالديدان المعوية، نظرًا لعدم كفاية المياه والصرف الصحي والنظافة.
وعندما يعاني الأطفال سوء التغذية، تنخفض مقاومتهم للعدوى، ويصبحون أكثر عرضة للوفاة بسبب أمراض الإسهال والالتهابات.
أما الرضع، وبخاصة الذين تقل أعمارهم عن ستة أشهر، قد يعيق الإسهال نمو أمعائهم، مما يقلل من قدرتهم على امتصاص العناصر الغذائية.
وفي ضوء ما سبق، وبالعودة إلى الدراسة التي أجراها "نيد" بالتعاون مع "معًا" في قطاع غزة، فقد خلصت إلى أن توفر نظام الصرف الصحي، والنظافة، ومياه الشرب المأمونة، من شأنه أن يحد من مشكلة نقص التغذية والتقزم عند الأطفال، وذلك بالوقاية من الإسهال، والأمراض الطفيلية، وتلف نمو الأمعاء (اعتلال الأمعاء البيئي) الناتج عن ضعف الإمكانيات البيئية وقلة النظافة والممارسات الصحية.
المراجع:
- National Institute for Environment and Development (NIED) (2020), Hygiene Practices and Its Impact on the Children Nutritional Status in the Gaza Strip, Nutrition-WASH-Health Response in Gaza project.
- Pruss-Ustun, Annette; WHO (2008): Safer water, better health: costs, benefits and sustainability of interventions to protect and promote health.
- Boisson, Sophie; Engels, Dirk; Gordon, Bruce A.; Medlicott, Kate O.; Neira, Maria P.; Montresor, Antonio et al. (2016): Water, sanitation and hygiene for accelerating and sustaining progress on neglected tropical diseases: a new Global Strategy 2015–20. In International health 8 (suppl_1), i19-i21.
- WHO (2015): Improving nutrition outcomes with better water, sanitation and hygiene: practical solutions for policies and programmes. World Health Organization.
- WHO (2017): Diarrheal Disease. Key Facts. World Health Organization. Available online at https://www.who.int/en/news-room/fact-sheets/detail/diarrhoeal-disease, checked on 6/8/2020.
- WHO (2019): Health topics. Malnutrition. World Health Organization. Available online at https://www.who.int/healthtopics/malnutrition, checked on 6/8/2020.
- WHO (2020): Health topics. diarrhoea. World Health Organization. Available online at https://www.who.int/topics/diarrhoea/en, checked on 6/8/2020.
- WHO (2020): Malnutrition. Key facts. World Health Organization. Available online at https://www.who.int/news- room/fact-sheets/detail/malnutrition, checked on 6/8/2020