شذرات بيئية وتنموية.. معلمون وتوجيهي وترمس وكورونا ومبادرة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
أمضيت 6 أشهر في جمع الصورة المرفقة، وهي لـــ 24 مديرًا لمدرسة برقين الثانوية التي تمتد مسيرتها لقرنٍ من الزمان.
اللافت أن أولَ أربعة منهم كانوا من نابلس، فيما تَوزَّع البقية على جنين وريفها، والأكثر غرابة أن المرحوم نافع عزوقة (الأول من يمين الصف الثاني) أجاد 7 لغات والتحق بكلية الطب، أما الثاني (المرحوم عبد اللطيف عنبتاوي) فكان وزيرًا للأشغال العامة والمال في الأردن وعضو مجلس أعيان.
فيما تنقَّل المرحوم فؤاد العربي (صاحب الصورة الخامسة في الصف الأول) بين مدارس جنين وحيفا والقدس وعمان. أما المرحوم إبراهيم جرار (السادس في الصف الأول) فقد ترك إدارة المدرسة والتحق بصفوف الثورة.
وحظيت برقين بستة من أبنائها لإدارة المدرسة، خمسة منهم فوق الأرض وسادسهم تحت التراب رحمه الله.
في تحليل للمشهد، يمكن قراءة اختلافات في هيئة المديرين قبل النكبة والنكسة، وفي بدايات تأسيس السلطة الوطنية، كالحرص على الزي الرسمي وربطة العنق، والأعمار المتقدمة نسبيًا، والصورة النمطية المتصلة بالمعلمين، والمبادرات التي سمعنا عنها من الجيل القديم لتجميل بيئة المدرسة وتخضيرها.
بعيدًا عن الصورة، اختلف جوهر التعليم وشكله وجزء كبير من مضمونه، وثمة ألف علامة فارقة بين الأزمنة الماضية واليوم، لكن الأكثر ألمًا تراجع مكانة المعلم وهيبته، فكنا حتى أوائل الثمانينيات نغير الطريق، إن لمحنا من بعيد معلمًا فيها.
نحترم كل معلم ومدير، لكننا نتألم حين نشاهد معلمًا، وهو يقبل طواعية أو يُجبر على التخلي عن جزء من صورته المثالية، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب.
هيبة المرّبين
نتضامن مع المعلمين وتدني رواتبهم، مقارنةً مع شرائح أخرى لا تقدم خدمات مماثلة لدور المربين، لكننا نجد صعوبة في تبرير تحولَّ بعضهم من أنموذج وقدوة إلى باحثٍ عن فرصة لتحسين دخله بعمل إضافي غير مناسب.
والسؤال الأصعب الذي نسمعه من الطلبة: "إذا كان معلمنا بهذا الوضع الاقتصادي الهش، ويقبل بأي عمل، فلماذا نجتهد ونجّد، ربما علينا من الآن انتقاء وظيفة أخرى، أو شق الطريق نحو مهنة حرة مجزية؟
ننتصر للمعلمين بكل الأحوال، ونتفهم حاجتهم، لكننا نأمل منهم أن يحافظوا بكل السبل على وقار مهنتهم، وعدم المسّ بهيبتها ومكانتها، فالتربية والتعليم ليست حصة أو وقتًا في المدرسة، بل ممارسة وسلوك خارج أسوار المؤسسة التعليمية.
نأمل من أهل الحل والعقد إنصاف المعلمين، وتحسين أوضاعهم؛ لأن ذلك هو المدخل الهام لإصلاح التعليم، واسترداد هيبة المربين.
أوسمة
دُعيتُ عام 1994 إلى تكريم لأوائل "التوجيهي" من إحدى الجمعيات الداعمة للتعليم.
نلت يومها المركز الثاني في محافظة جنين، على طلبة الفرع الأدبي، وكنا آخر حَملة الشهادة الأردنية.
رافقني والدي، رحمه الله، وضج من كثرة الكلمات وتعداد أصحاب الترتيب الأول. حصلت على آلة حاسبة، وقاموس الرافدين الضخم، وقد انتزعت منه عدة أوراق من أول حروف الإنجليزية، والغريب أن أحد الذين قدموا لنا شهادة التكريم كان من حملة الابتدائية.
نلتُ لاحقًا خطاب فوز بمنحة دراسية لجامعة الرباط، لكن الجهة المنظمة لم تُنسق مع سفارة فلسطين بعمّان، وتنازلت عن "كازابلانكا" وكلية آدابها.
وقتها، اقترحتُ على رئيس الجمعية المُكرِمة إلغاء حفلات التكريم وتقديم تكاليفها إلى الطلبة الذين تضيق أيديهم عن اللحاق بركب الجامعة، أو أن يكون التكريم ماليًا ليعينهم على شراء رزمة التسجيل، وكان رده: "إذن كيف سيسمع الناس عن الجمعية؟"
تمر كل هذه السنوات العِجاف والسمان، وما زال تفكيرنا داخل الصندوق، والمستفيد الوحيد من استمرار هذا النهج، متاجر الحلوى، وصناع الدروع الخشبية التي ينخرها السوس، وزد عليهم هذه الأيام أصحاب الصوتيات الضخمة.
ترمس
مؤسف أن تصل ثقافتنا الاستهلاكية إلى الحد الذي نستورد فيه منتجًا كالترمس الجاهز من بلغاريا، وبثمن مرتفع.
ما الرسالة التي نود إيصالها لأجيالنا المقبلة؟ وهل من الضروري استيراد كماليات ومسليات يمكن لنا إنتاجها طازجة وبتكلفة قليلة جدًا.
إجراءات
تعود حمى كورونا إلى الواجهة، ويظهر هذا في تصريحات مسؤولي الصحة والتربية.
والأهم، إدراك أهل الحل والعقد أن الشعب بغالبيته، لم يعد يؤمن بخطورة الفيروس المُستجد، وملَّ سماع "الأسطوانات العتيقة"، ويبدو أن عليه حياكة ثوب الرواية المُقبلة بمسلّةٍ جديدة.
اقتراحات
ابنِ رغم كل معاول الهدم، وتسلح بالأمل دون أن تأبه لعشاق الهزيمة.
لا تلعن البلاد ولا أهلها، بل قل للص والمتسلق والمارق: أنتم سبب البلاء.
انسحب من كل جبهة شر ولو بشطر موقف، إن ضاقت بك الدنيا زُر قسم غسيل الكلى في أقرب مستشفى، عندها ستدرك كرم نعم الله على عافيتك.
إن شاهدت نارًا مستعرة اِخمدها، وقل لمُوقدها: بيتك ليس بمعزل عن الشرر المستطير.
أعد ترتيب قائمة الأصدقاء فمعاداة عاقل خير من موالاة أحمق مدع مزور.
إن خُدعت بعض الوقت ابتسم.
إن استمعت إلى أخبار شجارات دموية قل إن الحل جز رقبة القاتل لا صكوك صلح هشة.
لا تكترث لأنباء تعديل نظام (التوجيهي) فنحن نتخبط، والوزير الذي سيقلب الطاولة لم تلده أمه بعد.
قاطع كل حفل فيه إطلاق نار ومفرقعات حتى لفلذة كبدك، فحضورك تمويل لصلية أخرى.
لا تنسخ أو تلصق فالإبداع ليس في فأرة حاسوبك.
إن شاهدت أميين يكرمون متفوقين فأعلم أنه عصر الانحطاط بكامل أناقته، واكتف بمقاطعتهم.
إن سرت في شارع نظيف اعلم إما أن المدرسة مغلقة، أو أن صاحب المتجر المجاور في ذمة الله، أو أن أحد عابري السبيل يجمع المخلفات للتجارة.
ابحث عن حلين لكل مشكلة.
لا تُصدق ضجيج الأواني الفارغة، فأنت لست مجرد ملعقة.
ولا تندم على غرس شجرة في أرض خراب، فقد تنقذ عصفورًا محمومًا.
تضخم
سؤال للتربويين: ما الذي حصل لامتحان "التوجيهي" ليتضخم بهذا الشكل من حيث الدرجات الخيالية؟
وهل هذه العلامات حقيقة؟ ولماذا كانت قديمًا أقل بنحو 7.5 علامة، ودون تكرار كبير؟ ومن المسؤول عما حدث؟
مستشفى الشـ هيد الدكتور خليل سليمان في جنين
بلسم
تأسس مستشفى جنين الحكومي، الذي تحول لاحقًا إلى (مستشفى الشـ هيد الدكتور خليل سليمان) عام 1961. وعالج- ولا يزال- مئات آلاف الحالات، ولا يخلو بيت في جنين لم يستفد من هذا الصرح الرائد.
صحيح أن مسؤولية تطوير المؤسسة الطبية يقع على عاتق وزارة الصحة، لكن بوسع المقتدرين والمستفيدين التحرك والإسناد، كما لا ينكر أحد جهود أهل الخير والمؤسسات واللجان الداعمة على مدى السنوات، وفي مقدمتهم (أصدقاء المستشفى) وغيرهم.
وكوني من أبناء المحافظة والمستفيدين من هذه المؤسسة الحيوية، التي أكتب تدويني منها الآن، رفقة ابني المريض. وفي الذكرى الستين لتدشين هذا الصرح الإنساني، أقترح مبادرة كبرى لتطوير المستشفى، واستنهاض الأبناء البررة والماجدات لدعمه المعنوي والعيني والمادي، وللضغط على وزارة الصحة للمضي في تحسينه وإكمال نواقصه.
سأقدم اقتراحي مكتوبًا باسم (بلسم جنين) في القريب بحول الله، والأمل كبير أن نرد جزءًا من المعروف للمستشفى، بتكريم طواقمه الطبية المتعاقبة، وتحسين مرافقه، وتحديث معداته سعيًا لراحة مرضاه.. "فيد على يد نعمة. وما حك جلدك مثل ظفرك".
قطيعة
يُحسب للإعلام الاجتماعي، الأداة البريئة تقنيًا، ألف ميزة إيجابية، لكن استخدامها في خارج سياقاتها، واستثمارها في تأجيج القطيعة، وتصفية الحسابات، ما جعلها تتحول إلى شيء مختلف تمامًا، حرَفها عن مسارها ألف عقدة.
إذ تظهر نسبة كبيرة من مستخدمي، فيس بوك وغيره بثوب الضحية، فتصور نفسها كملائكة، تنثر المواعظ، وتسقط مشاكلها وأمراضها الداخلية بطرق مختلفة، وتُصفي حساباتها ضمنًا مع خصومها، وتدعي احتكار الصواب والرأي السديد، وتبحث عن أنصار ومريدين.
أتابع منشورات افتراضية عديدة، كانت سببًا في صب الزيت على النار، وإشعال نار الفتنة، فيما يقدم أصحابها أنها مساحة للتفريغ النفسي، وتسجيل النقاط على الخصوم بالتلميح والتصريح، والانتصار للذات المغلوبة، التي تدعو الله نصرها على من عَاداها.
قبيل العيد، أمضينا ساعات في جوف الليل، لحل إشكال بسبب منشور وتعليقات، كاد يُشعل فتنة عائلية بين عدة بلدات.
وقبل أشهر، كان "فيس بوك" قابَ قوسين أو أدنى من أن يريق الدماء في إحدى البلدات، بعد انخراط الصغير والكبير و"المقمط في السرير" في حملات التحشيد والتأليب، وحفلات الشتم الجماعي، والتحقير، والتخوين، والشيطنة.
كم هو مؤسف التوظيف المسموم لوسائل تواصل يفترض أنها وجدت لتقصير المسافات، وإذابة الحدود، وتقليل التكلفة، والتفاعل الإيجابي، والنقد البنّاء، والتعبير عن الرأي.
ومؤلم، تأصيل القطيعة، وإذكاء التراشق اللفظي، وتوزيع الاتهامات، وتناسي القضايا الكبرى، والتفرغ للصغائر، والبراعة في هدم كل ما هو جميل.
أختتم شذرتي، بالاعتذار-وبأثر رجعي- عن أي خطأ، أو تسرّع في استثمار منصات التواصل، وأعاهد نفسي بالرقابة الداخلية على كل حرف، فالكلمة كالرصاصة إن خرجت لا تعود إلى مرابضها، وذاكرة الناس لا تتوقف إلا عند الخطأ.