
ريدلي/ آفاق البيئة والتنمية: في وديان وسط كاليفورنيا، تحوَّل البحث عن المياه إلى هَوَس فيما تعاني المنطقة موجة جفاف قد تهدد الإمدادات الغذائية الأميركية.
ويشاهد سكان المنطقة بحزن تحول الحقول الخضراء إلى سهول مغبرة بنية، إذ لم يتبقَّ إلا الأشجار الذابلة والنباتات الميتة والمزارعين الغاضبين.
وشهد جزء كبير من ولاية كاليفورنيا وغرب الولايات المتحدة مواسم أمطار كانت أقل من المعتاد، فكان الشتاء جافاً بشكل غير مألوف.
وخشية عدم توافر مياه كافية لسكان المدن أو الحياة البرية، قطعت السلطات المحلية الإمدادات عن المَزارع بشكل مفاجئ ما أثار الغضب والذعر.
وعلى طول الطرق بين المزارع الرئيسة، تظهر لوحات إعلانية في كل مكان تحض على "توفير مياه كاليفورنيا" وتتهم السلطات "بإلقاء (…) مياهنا في المحيط".
ويشتكي المزارعون من أن الحاكم الديمقراطي للولاية، غافين نيوسوم، يخنقهم بمجموعة من القيود غير الضرورية ما يجعلهم غير قادرين على تأدية دورهم المتمثل في إمداد متاجر السوبر ماركت الأميركية.
وقال نيك فوليو (28 عاما) وهو مزارع، أباً عن جد، في مقابلة "جفت اثنتان من آباري في الشهر الماضي" مضيفاً أن لديه "800 هكتار من البرسيم بدأت تجف".
وأعرب فوليو، في أثناء وقوفه في حقل مغبر قرب فريسنو، عن قلقه قائلًا "مع وجود أجندة سياسية خاطئة، فإننا ببساطة سنجوع وقد نُجوّع بقية العالم". فيما لا يبدو أن سلطات كاليفورنيا تسمع هذه الرسالة.
وفي ردود الفعل على العلامات الخطيرة لتفاقم أزمة المناخ، أُصدرت قوانين طوارئ جديدة في أغسطس/ آب الماضي لمنع الآلاف من الناس، لا سيما المزارعين، من تحويل مجاري المياه أو الأنهار.
وقالت جينين جونز، مديرة إدارة الموارد المائية في كاليفورنيا "في عامٍ لا مطر فيه، لن يكون هناك مياه لهم".
يذكر أنه عندما تقطع السلطات إمدادات المياه، يجد المزارعون أنفسهم مجبرين على الاعتماد على آبار محفورة في أعماق الأرض بكلفة باهظة تصل إلى آلاف الدولارات، وهم يسحبون المياه الجوفية من طبقات سطحية يبلغ عمقها مئات الأقدام. لكنها في النهاية ستجف أيضًا.
وقالت ليزيت غارسيا، التي كانت تعتمد على مياه الآبار لري نصف مزرعتها التي تبلغ مساحتها حوالي ثمانية هكتارات "الوضع رهيب جدًا".
وتنتظر منذ أسابيع وصول خدمة حفر الآبار إلى مزرعتها، آملة في العثور على إمدادات ولو صغيرة من المياه في أعماق الأرض.
ودمرت درجات الحرارة المرتفعة العديد من محاصيلها التي "خبُزت حرفيًا تحت أشعة الشمس".
وقالت ليزيت "الكثير من أوراق الشجر احترقت وجفَّت إلى حد كبير، إضافة إلى أن "الفاكهة لا تكتسب حجماً، وبالتالي لا يمكن الاستحصال على العصير وحلاوة الطعم".
وتابعت "إن الحصول على الطعام أصبح رفاهية. هل هذا يبدو جنونياً؟".
وسيؤدي تغير المناخ، وفق العلماء، إلى موجات جفاف أكثر حدة وتواترًا، ليغدو الأمن الغذائي في خطر أشد.
وسيكون إطعام أميركا في ظل هذه الظروف تحدياً، لكن المنطقة ربما وجدت منقذاً، إذ يفتح العمال تحت أشعة الشمس الحارقة، صناديق كبيرة في وسط الحقول غير المزروعة وفي داخلها آلاف الألواح الشمسية، وأملًا في إعطاء منطقة على حافة الهاوية، دفعة جديدة، بتوفير طاقة رخيصة تساعد في تحلية مياه البحر مثلاً.
وفي كوركوران، "عاصمة كاليفورنيا الزراعية" ، يشهد الثمانيني راوول أتيلانو مذهولاً على ظاهرة غريبة تطال مدينته التي تغور شيئا فشيئا في الأرض.
ويُظهر موكب الشاحنات المحمّلة بالقطن والطماطم والبرسيم التي تخرج من هذه البلدة، حيث يعيش 20 ألف مواطن إلى أي مدى مصير "كوركوران" مرتبط بالزراعة المكثّفة.
فمنذ القرن الماضي تستخدم المزارع المياه الجوفية لريّ حقولها الشاسعة التي توفرّ القوت للبلد برمّته. وقد استُخرجت هذه المياه بشدّة لدرجة باتت الأرض تغور، كما لو كانت عيدان تمتصّ كلّ مياه الطبقة الجوفية، حسب ما قالت عالمة الهيدرولوجيا آن سنتر.
وبالكاد يتجلّى هذا الانغماس للعين المجرّدة، فلا تشقّقات على الأبنية التي تميّز المدن الأميركية الصغيرة ولا تصدّعات كبيرة. ولتقييم هذا الانغماس، لجأت سلطات كاليفورنيا إلى خدمات وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" التي مسحت المنطقة بواسطة قمر اصطناعي.
وحسب بيانات فقد غارت كوركوران في الأرض "بما يوازي منزلاً من طابقين" وذلك في مئة عام، وفق ما تؤكد جانين جونز من وكالة إدارة المياه في كاليفورنيا
وتهدّد هذه الظاهرة "البُنى التحتية، من آبار وقنوات وسدود" حسب جونز.
والمؤشّر الوحيد الذي يدلّ على هذا الانغماس الخطير، هو السدّ عند تخوم المدينة الذي تتطاير في جواره بعض ألياف القطن.
وفي عام 2017، أجرت السلطات أعمالًا كبيرة لإعلائه خشية من أن تغمر مياه الأمطار هذه المدينة.
لكن الأمطار لا تزال بعيدة هذه السنة التي يسودها جفاف مثير للقلق يفاقمه التغير المناخي.
وقد حوّل الجفاف بستان الولايات المتحدة إلى حقل غبار بنيّ اللون، في وقت أوقفت فيه السلطات المساعدات المقدّمة للمزارعين.
وهكذا غرقت كوركوران في حلقة مفرغة، فبلا إمدادات مياه، يستخرج المزارعون مزيدًا من المياه الجوفية، ومع ذلك فإن قليلاً من السكان يرفعون أصواتهم ضدّ الظاهرة، فمعظمهم عاملون في هذه المزارع الكبيرة التي تسحب المياه.
ويقول راوول أتيلانو الذي عمل طوال سنوات مع أحد عمالقة القطن في الولايات المتحدة "جي.جي. بوسويل": "يخشون أن يخسروا أعمالهم، إذا ما انتقدوهم. أما أنا متقاعد منذ 22 عاماً، فلا أبالي".
ومع تراجع الاستعانة باليد العاملة في المنطقة، غرق سكان كوركوران في اليأس. وبات ثلث السكان، وهم من أصول أميركية لاتينية في معظمهم، يعيشون في الفقر، فيما أقفلت دور السينما الثلاث التي كانت تضخّ الحركة في المنطقة، أبوابها.
ويقول راوول غوميز البالغ من العمر 77 عاما والذي يقطن المنطقة إن "كثيرين باتوا يغادرون المدينة".
المصدر: AFP