خاص بآفاق البيئة والتنمية

آثار التدمير الإسرائيلي للبنى التحتية في غزة
امتحان ودم
يدخل أنصار البيئة والناشطون في قضاياها بامتحان عسير في زمن الدم وجولات العدوان، ويتجلى هذا بوضوح في فلسطين منذ نكبتها، وما عاشته وتعيشه من هجمات شرسة.
الأسئلة الصعبة تأخذ الصيغ التالية: كيف نتحدث عن البيئة في زمن الدم؟ وهل يمكن لناشط بيئي أن يُصرّح أو يُلمّح ضد قلق بيئي في أوّج الصدام مع المحتل؟ وبأي السبل يمكننا الكتابة عن الجانب البيئي في كل عدوان؟ ومن أين نبدأ هل بتدمير الغطاء النباتي وحرقه، أم بتعرض التربة لمستويات عالية من التلوث، أم بالسنوات الطويلة للتعافي من آثار الأسلحة المحرمة دوليًا والمتفجرة والنووية؟ وكيف نترجم إلقاء الاحتلال لآلاف أطنان المتفجرات؟

حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة
في حضرة العدوان الرابع على غزة منذ 2008، وحتى اليوم، حدث أكثر من 250 نزاعًا مسلحًا، معظمها في دول العالم الثالث.
فيما راح خلال أقل من ستين سنة أكثر من 25 مليون إنسان في الحروب. وبلغ حجم الإنفاق العسكري عام 2002 فقط (794) مليار دولار، بمعدل يومي 2,2 مليار دولار، أي 91 مليون دولار كل ساعة.
من باب الدمج بين البيئة والإنسان في زمن الدم، اعتدت خلال انتفاضة الحجارة توثيق الشهداء لحظة سماعي خبر رحيلهم. لم أكتف بسرد بلدانهم وأعمارهم وإصاباتهم، بل انتقلت إلى توثيق موجز لمدنهم وبلداتهم وما تشتهر به من مزروعات، وأسباب تسميتها.
كنت أتوقف مطولاً عند بلدات: كفر رمّان، عنبتا، طولكرم، جنين، واد التفاح في الخليل، حي التفاح بغزة، زيتا، بتين. أتخيلها بساتين مزروعة بأشجار تلتصق باسمها، ويُخيّل لي ما يحدثه الاحتلال من دمار فيها، فيقلع الأشجار ويحرق المزروعات، وتتحول لأرض سوداء، تنتظر المطر والحرية.
يمكن للإعلاميين أن يشيروا في سياق تغطيتهم للعدوان إلى البيئة، بعد أن يجري الحديث عن الإنسان. وبوسع الناشطين والمختصين البيئيين أن يسلطوا الضوء على تداعيات تدمير البيئة والإخلال بعناصرها بتبسيط بعيدًا عن لغة علمية معقدة أو غير واضحة. وعليهم أن لا يؤجلوا الإشارة إلى محيطهم البيئي طويلًا في زمن الدم، فالبيئة تُصاب وتبكي وتتعرض للإرهاب أيضًا. ويحتاج أمر ترميمها وقتًا طويلاً، فهي أيضًا "حياة" يجري الاعتداء عليها.

تنوّع وكارثة
أصدر مركز التعليم البيئي / الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة نشرة تعريفية باليوم العالمي للتنوع الحيوي (22 أيار كل عام) والذي نراه فرصةً هامة لنقل معاناة شعبنا، وتبيان سطو الاحتلال على مواردنا الطبيعية وحرماننا منها، وإمعانه في تدمير بيوتنا ومنشآتنا، واستهدافه للمرافق الحيوية، ومحطات الصرف الصحي والكهرباء وشبكات المياه، ما ينذر بكارثة إنسانية وصحية وبيئية في غزة تتكرر للمرة الرابعة منذ 2008.
وأوضحت النشرة أن احتفالية العام الحالي لليوم العالمي للتنوع الحيوي "نحن جزء من الحل"، للتذكير بأن هذا التنوع هو الحل لتحديات التنمية المستدامة لا ينطبق على فلسطين، بل يمثل دعوة للعالم من أجل تصويب تعامله مع شعبنا وأرضنا وبيئتنا ومواردنا، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة للسيادة على مواردنا الطبيعية، ومنحنا حق التصرف بها، وملاحقة مرتكبي الحروب والاعتداءات على إنساننا وتنوعنا الحيوي في الأطر الدولية.
وأوردت النشرة إحصاءات حول جولات العدوان الأربع على غزة منذ 2008 وحتى اليوم، وتداعياتها الإنسانية والبيئية والصحية، فخلال عدوان 2008 هدم الاحتلال أكثر من (4100) مسكن بشكل كلي، و(17000) بشكل جزئي، وجرّف (18520) دونماً واقتلع حوالي (410000) شجرةً، وألقى فيها ما يزيد عن 3 ملايين كيلو غرام من الذخائر منها (10) أنواع من القذائف بعضها محرم دولياً، كالفسفور الأبيض و"الدايم".
وساهمت آلة الحرب في التلويث المباشر لمياه الخزان الجوفي جراء قصف محطات المعالجة ومضخات وشبكات مياه الصرف، ما أدى الى تلوث الأراضي الزراعية والتربة والمياه الجوفية، كما تعرضت البيئة البحرية للتلوث. وتكدس ركام قُدّر بحوالي (1.5) مليون طن نتج عن هدم المباني، ونفايات صلبة منزلية قدرت بحوالي (20) ألف طن و(8-9) آلاف طن من أنواع المخلفات الطبية، مثلما تضررت البيئة الطبيعية.
وأضافت أن عدوان 2012 دمر 200 منزل بشكل كامل، و1500 بشكل جزئي. وأدت الحرب إلى زيادة تلوث مصادر المياه، والبيئة البحرية على طول الساحل نتيجة لتصريف المياه غير المعالجة؛ بسبب عجز محطات المعالجة. وتضررت الأراضي الزراعية، وتراكمت كميات ضخمة من ركام المباني بحوالي 2 مليون طن.
كما تعطلت خدمة تجميع النفايات، فيما شن الطيران خلال ثمانية أيام أكثر من 1500 غارة أبادت أُسراً بكاملها، أي أن كل كيلومتر مربع من قطاع غزة قُصف أكثر من أربع مرات.
وأوضحت النشرة أن عدوان 2014 شهد قرابة 60 ألفًا و664 جواً وبراً وبحراً. وهدمت كليًا 12 ألف وحدة، فيما بلغ عدد المهدمة جزئياً 160 ألف وحدة، وتأثر التنوع الحيوي، وتلوث الهواء والتربة والماء، وتضاعف التحديات البيئية، التي لم تتعافى من تداعيات عدواني 2008 و2012.

تنوع حيوي
وأشارت إلى أن عدوان 2021، الذي استمر 11 يومًا، خلّف خسائر باهظة في الأرواح والممتلكات، والأراضي الزراعية، ومسّ بالبيئة والتنوع الحيوي، وتسبب في الإضرار بالبنية التحتية ومشاريع الصرف الصحي وشبكات المياه، وتعرضت 1447 وحدة سكنية للهدم الكلي، إلى جانب 13 ألف بشكل جزئي، وهدم بشكل كلي 205 منازل وشقق وأبراج سكنية، كما تضررت 68 مدرسة، ومرفقاً صحياً، وعيادة رعاية أولية، بشكل بليغ وجزئي بفعل القصف الشديد في محيطها، فيما تضررت 490 منشأة زراعية من مزارع حيوانية، ودفيئات زراعية، وآبار، وشبكات ري، وتضرر 31 محوّل كهرباء، وتعرضت 9 خطوط رئيسية للقطع، وتضررت 454 سيارة ووسيلة نقل بشكل كامل، أو بأضرار بليغة، ما يعني أن الوضع البيئي والصحي والإنساني سيزداد سوءًا.
وأضحت النشرة أن جولات العدوان تسببت في المس بالتنوع الحيوي، ولوثت الهواء والتربة والمياه، وساهمت في مضاعفة خطر التغير المناخي، وحولت الحياة في غزة إلى جحيم، بفعل توقف الخدمات الصحية والبيئية، وعطلت كل برامج حماية البيئة وتطوير الخدمات الصحية.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن التنوع الحيوي يعني التنوع الكبير للنباتات وللحيوانات وللكائنات الحية الدقيقة، ويشتمل على الاختلافات الجينية في كل نوع، وتنوع النظم البيئية التي تستضيف أنواعًا متعددة من التفاعلات بين أعضائها.
واستنادًا إلى المعطيات الأممية، فإن موارد التنوع الحيوي هي الركائز التي نبني عليها الحضارات. فالأسماك تتيح 20% من البروتين الحيواني لزهاء ثلاثة مليارات نسمة. كما تتيح النباتات أكثر من 80% من النظام الغذائي البشري. ويعتمد ما يقرب من 80% من السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية في البلدان النامية على الأدوية النباتية التقليدية للحصول على الرعاية الصحية الأساسية، إلا أن فقدان هذا التنوع يهدد الجميع، بما في ذلك الصحة العامة.

شجرة السماء
أكد مدير عام مجلس الزيت الفلسطيني، فياض فياض، أننا أمام موسم زيتون استثنائي جدًا هذا العام، ومن الصعب تقديم أي تقدير لحالة الموسم قبل 15 حزيران القادم.
وأشار في حديث لـ "آفاق" أننا أمام ظواهر غريبة تحدث لأول مرة، فهناك أشجار أزهرت بشكل كبير جدًا، وهناك قسم آخر تنقسم فيه الشجرة الواحدة إلى جهة بكامل ثمرها وجهة أخرى دون أي ثمرة، كما نلاحظ في الحقل الواحد أشجارًا بثمر متكامل وأخرى مجاورة دون أي ثمرة، ونشاهد بعض الأشجار بثمار كبيرة مكتملة النمو على جزء من الأغصان، وأخرى على الغصن نفسه ما تزال مزهرة.
وذكر فياض أننا أمام موسم غريب جدًا، بسبب عدم تدني درجات الحرارة بشكل كافٍ خلال الشتاء (نحتاج كل موسم بين 600 إلى 2000 ساعة تكون الحرارة فيها أقل من 7 درجات خلال أربعينية الشتاء)، ما أثر على نمو البراعم الثمرية والخضرية، كما ساهم عدم انتظام الأمطار في الـتأثير على طبيعة البراعم الثمرية، وهل هي أنثوية أم ذكرية، وإذا كانت الأزهر ذكرية فلا فائدة منها، وأحيانًا لا تتلقح البراعم الأنثوية جيدًا، ما ينتج ثمارًا بحجم صغير جدًا.
وبيّن أن ما يعرف بـ" تساقط حزيران" يبدأ في منتصف أيار حتى منتصف حزيران، وهو يؤثر على تساقط الثمار العاقدة، التي قد نخسرها، وهو ما يتحدد بالحرارة والرطوبة وبالأمطار.
وقال فياض إن موسمي 2018 و2020 رافقتهما انتكاسة بفعل هطول أمطار بين 5 و8 أيار، وهي فترة حرجة على ثمار الزيتون وأزهاره وعقده، لأن تساقط الأمطار فيها يعني تلف نحو 80% من المحصول.
وأوضح أن آفة "عين الطاووس" تؤثر على أشجار الزيتون، فعندما تكون أوراق الشجرة ضعيفة وتتساقط، يعني أننا خسرنا التغذية للثمرة، إذ إن كل ثمرة واحدة تحتاج إلى 8 أوراق لتأمين الغذاء، وفي حال خسارة الأوراق لن تجد الثمار الغذاء الكافي.

مبادرة
أُطلقت مبادرة "ساعة تطوّع" بالشراكة مع مئوية مدرسة برقين الثانوية، ومجلس أولياء الأمور، وبلدية برقين، وأمضينا ثلاثة أيام تسبق عيد الفطر في ترميم المقبرة وتنظيفها.

ري الأشجار الفتية
في اليوم الأول نسبق الشمس، ونعمل على إزالة بعض الركام، ونجمع النفايات، وإزالة الأغصان التالفة، ومعالجة الأعشاب، وطلاء الجدران، وري الأشجار حديثة العهد، وإنشاء أحواض، ورسم جداريتين، وري أشجار في مدخل المدرسة الثانوية. ونواصل في اليوم الثاني خمس ساعات تطوّع في ترميم ممرات المقبرة. ونكمل المهمة في اليوم الثالث في تنظيفها. ونحظى بتبرعات مالية وعينية عديدة لمواصلة المبادرة، بعد 19 شهرًا على مبادرة مئوية مدرسة برقين، التي جمعت 100 ألف دولار لتطوير المدرسة.

نتائج العمل التطوعي في مدرسة برقين الثانوية
ويخطط المتطوعون: علاء صباح، ومفيد أبو شادوف، وحسن عبيدي، وأنس عبيدي، ويوسف شلبي، وعصام خلف، ود.محمود خلوف، ومحمد صبح، وأحمد جلامنة، وعبد الباسط خلف. ود.محمود خلوف، ومصطفى شلاميش، وباسم حماد، وعساف صباح، ونهاد سهمود، ومحمد يوسف خلف، وقيصر عباس، وعصام خلف لجولة تطوع رابعة، ولإنارة المقبرة بالخلايا الشمسية، ومضاعفة أشجارها، وترميم ممراتها، وتوفير حاويات للنفايات، وعدة مقاعد، وتسوية أماكن للجلوس.

الترميم التطوعي لممرات مقبرة برقين