
باريس/ خاص: أعلنت "وكالة الطاقة الدولية" في أيار الماضي أن على العالم التخلي "الآن" عن أي مشروع جديد للتنقيب عن النفط أو الغاز، وعدم بيع أي سيارة جديدة تعمل بمحرك حراري بعد العام 2035، إذا كان يريد تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 والتمكن من حصر ارتفاع درجة حرارة الأرض بحدود 1.5 درجة مئوية.
وعرضت الوكالة "خريطة طريق" قبل ستة أشهر من انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول التغير المناخي "مؤتمر الأطراف السادس والعشرون" (COP 26) من شأنها السماح بتحقيق هذا الهدف.
وأكدت أن الطريق "ضيّق" لكن ما زال "من الممكن سلوكه" وهو يعد بتحقيق "مكاسب هائلة" سواء على صعيد الوظائف أو على صعيد النمو الاقتصادي والصحة.
ويحتم تحقيق الحياد الكربوني تغيير مشهد مصادر الطاقة بشكل شبه كامل، مع تراجع كبير في الطلب على الطاقات الأحفورية (الفحم والنفط والغاز) يقابله تزايد الطلب على مصادر الطاقة المتجددة.
وجاء في بيان أصدرته الوكالة "بمعزل عن المشاريع التي بدأ تنفيذها العام 2021، لا يلحظ مسارنا إقرار أي موقع نفطي أو غازيّ جديد لأهداف إنمائية".
وأضاف أن "التراجع السريع في الطلب على النفط والغاز الطبيعي يعني عدم حصول عمليات تنقيب، وأنه من غير الضروري استثمار أي حقول غاز أو نفط جديدة إضافة إلى تلك التي تمت الموافقة عليها حتى الآن".
وشدد البيان أنه ينبغي على العالم وقف قرارات الاستثمار في محطات كهربائية جديدة وقودها الفحم، كونه أكثر مصادر الطاقة ضرراً للبيئة وشهد استهلاكه نمواً متجدداً.
وحسب تقديرات الوكالة، ينتظر أن يحقق قطاع الكهرباء الحياد الكربوني على الصعيد العالمي اعتباراً من العام 2040. وهذا يتطلب زيادة قدرات الطاقة الشمسية والهوائية بأربع مرات بحلول العام 2030 مقارنة بالعام 2020 وهو عام القياس.
وتتوقع الوكالة بحلول العام 2050 أن يُولد 90% من الكهرباء من مصادر طاقة متجددة وجزء كبير مما تبقى من الطاقة النووية. وستقتصر مساهمة مصادر الطاقة الأحفورية على الخُمس فقط في مقابل 80% الآن.
وبغية تحقيق ذلك، من المفترض أن تتوقف مبيعات السيارات الجديدة ذات المحركات الحرارية اعتبارًا من عام 2035.
وتلتقي حسابات الوكالة مع حسابات منظمة "ترانسبورت أند إنِرجي" غير الحكومية. لكن على أرض الواقع لا تزال شركات صناعة السيارات بعيدة عن هذا الوضع مع أن بعضها متعاون أكثر من غيره.
وينبغي كذلك زيادة كفاءة استخدام الطاقة بنسبة 4% في السنة اعتباراً من العقد الحالي، ما يفوق بثلاث مرات الوتيرة الوسطية المسجلة في العقدين الماضيين.
وأكد مدير وكالة الطاقة، فاتح بيرول، على أن "مدى وسرعة الجهود التي يتطلبها هذا الهدف المحوري والهائل الذي يشكل أفضل فرصة للتصدي للتغير المناخي وحصر ارتفاع حرارة الأرض بـ1.5 درجة مئوية، يجعلان منه ربما أكبر تحد واجهته البشرية حتى الآن".
وأضاف بيرول: "وضع العالم على هذا المسار يتطلب تحركاً قوياً من الحكومات، مدعوماً بتعاون دولي أكبر" في حين لا يزال نحو 785 مليوناً من سكان العالم دون تيار كهربائي.
وسيؤدي سلوك هذا المسار إلى ارتفاع الاستثمار في قطاع الطاقة إلى خمسة تريليونات دولار سنوياً بحلول العام 2030. وسيساهم ذلك بنسبة 0.4% إضافية في إجمالي الناتج المحلي العالمي، استناداً إلى تحليل أجراه "صندوق النقد الدولي".
إلا أن التحديات كثيرة بسبب زيادة مساهمة الكهرباء في توفير الطاقة للعالم. وتتمثل على سبيل المثال بالحاجة إلى المعادن الأرضية النادرة الضرورية في التكنولوجيا المتطورة، والتي تتركز في عدد صغير من الدول وقد تكون عامل عدم استقرار في حال لم تضبط السوق بعناية حسب الوكالة. ويستند السيناريو كذلك بجزء منه على تكنولوجيات لا تزال غير متوافرة.
ففي عام 2050، سيكون نصف التخفيضات في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ناجمة عن تكنولوجيات لا تزال الآن بصدد التطوير على ما أكدت الوكالة، ومنها البطاريات الجديدة والهيدروجين المراعي للبيئة، فضلاً عن أنظمة احتجاز ثاني أوكسيد الكربون وخزنه، وهي موضوع نقاش بين خبراء المناخ.
ورأى دايف جونز من مركز "أمبر" للأبحاث المتخصص بالطاقة، أن هذا التقرير يشكل "انعطافة كاملة لوكالة الطاقة الدولية التي كانت تركز على الطاقة الأحفورية قبل خمس سنوات، ما يشكل طعنة سكين لأوساط مصادر الطاقة الأحفورية".