فيتنام أنموذجًا.. لمحات مُضيئة على طريق الوصول إلى "صفر انبعاثات"
مركز البحوث الزراعية/ مصر

تُعد قضية تَغير المناخ من أهم وأخطر القضايا التي تُواجه كوكب الأرض وذلك على صعيد تغير أنماط الطقس التي من شأنها تَهديد الإنتاج الغذائي، وارتفاع منسوب مياه البحار التي تُزيد من خطر الفيضانات الكارثية.
وتَدعو اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ إلى الحد بشكلٍ كبيرٍ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى ما دون درجتين مئويتين وتكثيف الجهود لتقليلها إلى 1.5 درجة مئوية. ومع ذلك إذا ما واصلنا ضخ الانبعاثات التي تُسبب تغير المناخ فسوف تَستمر درجات الحرارة في الارتفاع لأكثر من 1.5 درجة إلى مستويات تهدد حياة الناس وسبل عيشهم في كل مكان.
ويُعد تنفيذ اتفاق باريس للمناخ أمراً ضرورياً لتحقيق أهداف التنمية المُستدامة، لأنه يوفر خارطة طريق للإجراءات المناخية التي من شأنها تقليل الانبعاثات وبناء القدرة على الصمود مع تغير المناخ.
ويعد زيادة كفاءة استخدام الطاقة واستخدام الطاقة المُتجددة أحد أهم الوسائل للحد من زيادة الانبعاثات، ولهذا يجب على العالم بادئ ذي بدء أن يستبدل على وجه السرعة مصادر الطاقة المُتجددة بالفحم وغيره من أنواع الوقود الأحفوري، فهذه ضرورة اقتصادية وبيئية ملحّة وينبغي عدم تخصيص أي استثمارات جديدة للتوسع في أصول الوقود الأحفوري.
وعلى الرغم من تَراجع الانبعاثات في عام 2020 نتيجة لوباء (COVID 19) إلا أن التعافي من هذه الجائحة سينتج عنه معدلات بطالة مُرتفعة تستنفذ رأس المال البشرى وحالات إفلاس وتغيرات اقتصادية هيكلية تقود إلى توقف الإنتاج من بعض الأصول الحاضرة لكثير من الدول، وهو ما يُؤكد على أن الانخفاض في الانبعاثات هو انخفاض عرضي يَزول بزوال السبب وما تلبث أن تزداد الانبعاثات مرة أخرى.
وعلى الرغم من ضبابية المشهد الحالي وبُعد العالم عن بلوغ الأهداف المناخية في ظل السياسات القائمة لصانعي السياسات، وما ينتج عن تضارب السياسات والوعود الانتخابية المزيفة وحنث الحكام للوعد إلا أن هناك دوماً بصيص من الأمل، إذ سجلت فيتنام مرة أخرى رقماً قياسياً محلياً في قطاع الطاقة الشمسية، بإضافتها منشآت الطاقة الشمسية على أسطح المنازل في البلاد نحو 9.3 جيجاوات إلى شبكتها الوطنية في ديسمبر عام 2020 من أصل 378 ميجاوات فقط في عام 2019.
الأمر المثير للدهشة هو أنه تم إنتاج 6 جيجاوات من أصل 9.3 جيجاوات في الشهر الأخير من عام 2020. وهو الأمر الذي جعل دولة فيتنام أكبر ثالث دولة عالمياً في سوق الطاقة الشمسية عام 2020.
هذه المبادرة الناجحة للطاقة المتجددة أثرّت على تَخطيط الدولة لتوليد الكهرباء. وتوضح مسودة خطة تطوير الطاقة الجديدة أن فيتنام تَعتزم السماح لتوليد الطاقة المتجددة بدور أكبر في هذا القطاع حتى عام 2030 وحتى عام 2045.
ومع زيادة ضخ الطاقة المتجددة في الشبكة الرئيسية للدولة، سوف تتطلب فيتنام زيادة كبيرة في قدرة النقل ورفع مستوى تشغيل الشبكة بشكل أكثر مرونة، مما يعنى ضرورة تقليل الاعتماد تلقائياً على المحطات التي تُدار بالفحم وهو ما تُؤكده حكومة فيتنام بأنه لا إنشاءات لمحطات إضافية تعمل بالفحم خلال الفترة 2026-2030 إذ أُلغي نحو 9.5 جيجاوات من مشاريع الفحم. ومن المُتوقع أن تُشّكل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح 28 بالمائة من إجمالي سعة النظام في عام 2030 ونحو 41 في المائة في عام 2045.
وخلقت الطفرة في سوق الطاقة الشمسية بفيتنام فرصة ذهبية لدول المنطقة مثل الهند وباقي دول العالم لتسريع انتقال مصادر الطاقة لديها إلى الطاقة المُتجددة، لتقدم دفعة إيجابية للثقة المتأخرة في كثير من الدول بأن هدف 25- 50 % من مصادر الطاقة هو طاقة متجددة لعام 2025 يُمكن تَحقيقه بالفعل شَّرِيطَة أن تكون الرغبة صادقة مع تَوفير الحوافز المالية والسياسية وتضافر كافة الجهود من قبل الحكومة والمواطنين لإنجاح مثل هذه التجربة كما فعلت فيتنام أو للتفوق عليها.