بسبب إغراقه بالمياه العادمة الإسرائيلية أصبح لون مياهه أخضر وانتشرت الروائح الكريهة في مختلف أنحائه
بعد أن استنزفته ودمرته: إسرائيل تخترع مشاريع "إصلاح بيئي" لنهر الأردن وتضم إليها أردنيين وفلسطينيين
جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
بالرغم من كون الإسرائيليين المسبب الأساسي في استنزاف وتدمير نهر الأردن، فقد ضموا إليهم مؤخرا النظام الأردني، للمشاركة في مشروع "إصلاح بيئي وسياحي" للنهر، علما بأن المشروع هو ابتكار خاص لكل من وزارة "التنمية الإقليمية" وسلطة البيئة الإسرائيليتين. ويدعي الإسرائيليون أن لهذا المشروع أبعادا بيئية صرفة، وهو يشكل "حبل الخلاص" للمنطقة. وقد جرت، لهذا الغرض، اتصالات إسرائيلية أردنية متقدمة. وبحسب الجهات الإسرائيلية، يهدف المشروع إلى إزالة الملوثات من المياه، وإعادة المياه العذبة إلى الطبيعة، فضلا عن ترميم المواقع التاريخية والسياحية على امتداد النهر. وتعد إسرائيل أكبر المستفيدين من المشروع، باعتبارها الطرف الرئيسي المسئول عن تخريب النهر. ومع ذلك، فهي ستجني من المشروع، وبدعم عربي وغربي، تنمية اقتصادية وسياحية واجتماعية واستيطانية للأغوار وصحراء النقب المحتلين، وبالتالي، تثبيت الوجود الصهيوني الاستيطاني فيهما.
 |
 |
البعثة الأردنية لمشروع نهر الأردن المشترك بين الأردن وإسرائيل تصوير سريغ غفني |
نهر الأردن وقد تلوث بالمياه العادمة الإسرائيلية المتدفقة إليه والروائح الكريهة المنتشرة في مختلف أنحائه |
وسيتركز المشروع في جزئي النهر الشمالي والجنوبي. حيث ستعمل إسرائيل على إنشاء محطات تنقية للمياه العادمة في الجزء الشمالي من النهر، تهدف إلى خدمة مستعمرات الأغوار الفلسطينية. أما الأردن فسيشارك إسرائيل في الجزء الجنوبي من النهر.
وتقول وزارة التنمية الإقليمية وسلطة البيئة الإسرائيليتين إن هذا المشروع يعد أهم ما طرح في السنوات الأخيرة لمعالجة نهر الأردن. وتشارك في ذات المشروع العديد من الوزارات والمنظمات الإسرائيلية الأخرى، مثل: وزارة "تطوير النقب والجليل"، سلطة المياه الإسرائيلية ومنظمة "أصدقاء الأرض-الشرق الأوسط" التي لها فرعان إسرائيلي وأردني.
وأبدت بعض الحكومات الغربية استعدادا لتمويل المشروع، وبخاصة الحكومة الأسترالية.
ويعد الجزء الجنوبي من نهر الأردن أحد أكثر المسطحات المائية تلوثا في فلسطين؛ إذ إن إسرائيل حولته إلى نهر فقير بالمياه مشوه المعالم ومرتع للنفايات السائلة الإسرائيلية. كما أنها جففت منابعه وروافده التقليدية التي دأبت على سرقتها وتحويلها إلى وجهات أخرى. والجريان المائي البارز الذي يمكن ملاحظته في الجزء الجنوبي من النهر هو تدفق المياه العادمة.
والسوائل الوحيدة التي تجري، حاليا، بشكل ثابت في النهر هي المياه العادمة الإسرائيلية غير المعالجة ومياه برك الأسماك والمياه المرتجعة من الزراعة. وتعد التجمعات الاستيطانية اليهودية في طبرية وغور الأردن وبيسان من أكبر ملوثي الجزء الجنوبي من النهر، حيث تعمد هذه التجمعات إلى صب كميات هائلة من المياه العادمة المنزلية والصناعية غير المعالجة فيه، مما حول لون مياهه إلى الأخضر، ونشر الروائح الكريهة في مختلف أنحائه. وتقدر سلطة البيئة الإسرائيلية كميات المياه العادمة التي تتدفق سنويا في الجزء الجنوبي من النهر بنحو 3 ملايين متر مكعب.
وفي الماضي غير البعيد، كان كل من نهر اليرموك وبحيرة طبرية، على حدة، يزود نصف كمية المياه الجارية إلى نهر الأردن الذي يقع في منطقة غنية بالآثار التاريخية. إلا أن إسرائيل أوقفت جريان المياه الطبيعي إلى النهر الذي يتسم بأهمية دينية وسياحية واقتصادية، وأفاضت عليه كميات ضخمة من مياه المجاري، فحولته إلى مستنقع مائي ملوث، بعد أن كان، عبر العصور، من أكثر أنهر العالم اختزانا للقيم التربوية والدينية والبيئية والسياحية.
ولدى إنشائها ما يسمى "ناقل المياه القطري"، في عام 1964، أقامت إسرائيل سدا لمنع تدفق مياه بحيرة طبرية في النهر. كما أقامت العديد من السدود على طول النهر، مما منع تدفق المياه المغذية له، فضلا عن وقف جريان مياه الفيضانات إليه. وحاليا، لا تتجاوز المياه الطبيعية التي تتدفق في جنوبي النهر 6% من المياه التي كانت تصب فيه في الماضي. فمن أصل 1.3 مليار متر مكعب مياه طبيعية كانت تصب في الماضي على طول الجزء الجنوبي من النهر، لا يصب فيه حاليا سوى 70 مليون متر مكعب فقط، علما بأن جزءا قليلا جدا من هذه المياه يعد طبيعيا، وهي جلها مياه الأمطار الشتوية.
وتحاول إسرائيل الإيحاء بأن هناك "مساواة" في المشاطأة بينها وبين الفلسطينيين. وهذا، بالطبع، غير صحيح إطلاقا، لأنه لا يوجد للفلسطينيين أية سيطرة أو سيادة على أي جزء من نهر الأردن، بل إن الفلسطينيين محرومون من حقهم في استخدام ثروتهم المائية في النهر والتي كانوا يستخدمونها جزئيا قبل حزيران عام 1967. كما أن إسرائيل تمنع الأردن الذي يعاني من العطش بسبب جفاف معظم أحواضه المائية وارتفاع نسبة الملوحة في مياه الشرب، من تحويل بعض مياه نهر الأردن إلى الأراضي الأردنية، ناهيك عن سرقة "إسرائيل" لمياه وادي عربة والمياه الجوفية في الحمة، علما أن اتفاق وادي عربة "يمنح" نظريا الطرف الأردني "حصصا" من مياه نهري الأردن واليرموك، ومياه وادي عربة الجوفية.
تثبيت عربي للاستيطان تحت غطاء "أبحاث بيئية"
ومن ناحية أخرى، انخرط بعض ضحايا النهب والتدمير الإسرائيليين لمياه نهر الأردن، أي الفلسطينيين والأردنيين، مع الإسرائيليين، في مشروع بحثي مشترك، بإشراف ومبادرة المنظمة الإسرائيلية "أصدقاء الأرض-الشرق الأوسط"، يهدف، حسب ادعاء الإسرائيليين، إلى "دراسة الضرر الذي حصل للأحياء والنباتات في نهر الأردن الجنوبي" (مع تغييب تام للمسئولية الإسرائيلية الأساسية في تدمير جزء كبير من حياة النباتات والأحياء في النهر). كما تهدف الدراسة إلى "دراسة كمية المياه اللازمة لإصلاح الجزء الجنوبي من النهر". أي أن المطلوب من الطرف الفلسطيني أن يشارك الإسرائيليين في مشروعهم الهادف إلى إصلاح ما أفسده الأخيرون بشكل منظم، من خلال ما قاموا به من تجفيف الروافد المغذية للنهر، وتحويلها إلى قنوات مياه عادمة بأبخس الأثمان.
والمفارقة هنا، أن أولئك الفلسطينيين الذين يفتقرون إلى الحد الأدنى من أشكال السيادة السياسية على الأرض والموارد المائية الفلسطينية التي تقع بالكامل تحت هيمنة الاحتلال، خولوا أنفسهم المشاركة في مشاريع "سيادية" تهدف أصلا إلى تثبيت الوجود الصهيوني الاستيطاني في فلسطين بعامة، وفي الأغوار وصحراء النقب بخاصة.
وبَيَّن البحث الإسرائيلي – الأردني – الفلسطيني المشترك أن 50% من أحياء ونباتات نهر الأردن قد انقرضت، خلال الخمسين سنة الأخيرة، كما أن جميع الأنواع الحساسة للتلوث والملوحة اختفت، وبقيت بعض الأنواع التي تتحمل الملوحة. إلا أن البحث تجاهل تماما الدور الإسرائيلي الرئيسي في عملية الانقراض، علما بأن السبب الأساسي للتدمير الحاصل يكمن في حقيقة النهب الإسرائيلي الهائل، خلال العقود الأخيرة، لمياه بحيرة طبرية التي تعد أهم مغذّ للنهر. الأمر الذي أدى إلى هبوط نحو 95% من كميات المياه العذبة المتدفقة في النهر. وبدلا من ذلك، فإن معظم المياه التي تصب في النهر حاليا عبارة عن كميات ضخمة من المياه العادمة الإسرائيلية.
ومن المفيد التذكير أن إسرائيل تعتبر مساحات شاسعة من النهر والأراضي المحيطة به منطقة عسكرية مغلقة، بل إن مناطق معينة منها لم تطأها قدم الإنسان منذ ستين عاما. وبالرغم من هدوء الحدود الإسرائيلية الأردنية، منذ عشرات السنين، إلا أن حظر الدخول إلى مساحات كبيرة من محيط النهر لا يزال ساريا، بسبب انتشار الألغام الأرضية.
|