خاص بآفاق البيئة والتنمية / غزة
"سنجفف مزروعاتنا" ناقوس دقه مزارعو قطاع غزة اذا ما استمرت أزمة السولار والكهرباء تراوح مكانها، فالصقيع ومنخفض إليكسا الأخير الذي ضرب المنطقة وكان للقطاع فيه نصيب الأسد، كما استمرار الحصار، أمور انعكست سلبا على واقع المزارعين في قطاع غزة الذين تكبدوا خسائرَ فادحة ولم يتلقوا تعويضات تذكر، فازداد واقعهم فقراً وبؤساً.
"افاق البيئة والتنمية" تجولت وسط المزارعين لتنقل بالكلمة والصورة مشاهد حية عاشتها مع اولئك المزارعين وعائلاتهم، الذين اجمعوا على أن واقعهم بات مغلفاً بالبؤس، لاسيما وأن بعض المزارعين لا يعرفون للكهرباء طريقاً.
|
المزارع الغزي عبد محمد عيد...أريد أن أعيش حياة كريمة كباقي البشر |
المحطة الاولى
كانت محطتنا الاولى برفقة المزارع عبد الفتاح الخطيب "ابو صقر" الذي بدأ حديثه بالصراخ لضياع الموسم الزراعي-التوت الأرضي (الفراولة)- قائلاً "خسائري هذا العام تفوق كل التوقعات ولم يعد بمقدوري أن أواصل الزراعة (...) فالفراولة تحتاج الى المياه بصورة متواصلة، ولأن المنطقة لا تصلها الكهرباء ونتيجة لانقطاع السولار وارتفاع ثمنه إن وجد، فقد بات من الصعوبة ري هذه المزروعات اكثر من مرة أسبوعيا او مرتين، لذا فإن مصيرها الذبول".
ويضيف المزارع الخمسيني بنبرة صوت حادة متوسطاً عدداً من المزارعين الذي حضروا الى المكان في اقصى شمال القطاع، حيث لا يفصلنا عن الخط الفاصل مع الداخل المحتل إلا امتارٌ قليلة: "لم يعد بإمكاننا استيعاب ما يجرى من حولنا، فالكهرباء لا تعرف طريقها الينا والسولار لا يمكننا الحصول عليه نتيجة شحه في غزة من ناحية، ومن ناحية ثانية يمنع تعبئته عبر الجالونات من المحطات، فبتنا نعيش الخوف في كل لحظة ووزارة الزراعة توقفت عن منحنا "كبونات" تمكننا من شراء السولار لتشغيل آبار المياه".
ويشير المزارع الخطيب الذي يعيل أسرة مكونة من 22 فرداً، ان ساعة الري باتت تكلفه بواسطة السولار 70 شيقلاً، متابعاً أنه لا يستطيع الوصول الى ارضه ليلاً لتشغيل آبار المياه على الكهرباء، لأن رصاص الجنود المتمركزين على الحدود ستلاحقه في كل اتجاه.
ويقول: "خسائرنا فاقت الـ 50% كيف لا وتكلفة الزراعة زادت اضعافاً جراء اغلاق الانفاق، داعيا الى فتح اسواق الضفة امام مزروعات القطاع والعكس، متسائلاً لصالح من تملأ الاسواق الغزية بالحمضيات والموز الوارد من اسرائيل وبكميات كبيرة جدا.
وتابع بأنه اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه خلال الصيف القادم، فإن ترك الزراعة هو الحل الأمثل، لأنهم الآن في فصل الشتاء ولم يعد بمقدورهم توفير المياه للزراعة، فكيف في الصيف!".
وناشد هيئة البترول ووزارة الزراعة بتخصيص حصة لهم من السولار من أجل تشغيل "مواتير" المياه وهم على أتم الاستعداد لدفع ثمن المحروقات، مشيرا الى ان الخسائر ستتضاعف والأسعار ستشعل الأسواق، والمزارع هو الضحية رقم واحد.
وعن عملية التصدير يشير انه حينما سمحت اسرائيل بذلك أواخر العام المنصرم، لم يكن هناك كميات للتصدير نتيجة الدمار الذي لحق بالأراضي الزراعية جراء حرب الايام الثمانية، بالإضافة إلى أن أسعار التصدير للأسواق الأوروبية متدنية لا توازي التكاليف التي تصرف في زراعة الفراولة".
وقبل مغادرة الموقع، قال المزارع عامر ابو حليمة "ابو محمد" 47 عاما: "الجفاف سيحل لا محالة، لأن كل المؤشرات تدلل على ذلك والزراعة ستجف ولن يعود لها مكان في حياتنا، لأن الصعوبات التي نواجهها لا تتوقف عند حد معين، اولا انقطاع التيار الكهربائي ثم انقطاع السولار بفعل الأنفاق، وما يتم ادخاله عبر معبر كرم ابو سالم لا يصل الى المزارعين".
ويضيف: "حياتنا قاسية جدا فقد بتنا ضمن طابور الفقراء في غزة، فلا قيمة للأرض اذا لم يعد بمقدورنا الحصول على قطرة الماء".
وتساءل: "من المسؤول عن إدخال هذا الكم من الفواكه للقطاع؟" لافتا الى أن هذه الفواكه دون المستوى، لأن الاحتلال يتعامل مع القطاع كمكب للنفايات".
المحطة الثانية
وتأبى المعاناة ان تتوقف، فمع المزارع عيد رجب محمد عيد "48" عاماً كانت المحطة الثانية، والذي أشار إلى وقوع ارضه الزراعية في مكان لم تصل اليه الكهرباء بعد، وان منطقة "خور زنون" تعتمد على استخراج المياه بواسطة "المواتير" التى تعمل بواسطة السولار.
ويتابع عيد بأن ثمن السولار المصري كان رخيصاً ومقبولاً اذا ما قورن مع السولار الوارد اليهم من اسرائيل، ويضيف: "المزارع الفلسطيني يموت حقا وعلى الجميع ان يتحمل مسؤولياته، في السابق كانت وزارة الزراعة تمنحنا كوبون من السولار المصري – مدفوعة الثمن من قبلنا -اما اليوم فلم يعد لنا مكان في اجندتها رغم الوعودات المتكررة بمنحنا هذه الكوبونه".
ويلفت ابو رجب "48" عاماً الى ان الخسارة من المحصول بلغت نحو 70% واذا لم تحل المشكلة بصورة عاجلة فإن الخسائر سوف تصل الى 100%(...) مع العلم أن الخسائر لم تتوقف عند حد الزراعة بل شملت الثروة الحيوانية ابضاً.
ويختتم حديثه قائلا :" أريد ان اعيش حياة كريمة كباقي البشر".
المزارع عبد الفتاح الخطيب في حقل التوت الأرضي أفصى شمال قطاع غزة على مسافة أمتار قليلة من جنود الاحتلال
المحطة الثالثة
محطتنا الثالثة استقرت في منطقة الزيتون شرق غزة مع المزارع حسين اسلاخي "27" عاما الذي استقبلنا في بيته بعد عودته من ارضه الزراعية شرق غزة، يقول وقد بدا عليه الارهاق والتعب مع الاصرار على مواصلة الزراعة: "لن ازرع الخضروات صيفا اذا ما بقي الحال على ما هو عليه فيما يتعلق بأزمة السولار".
ويقول اسلاخي الذي يعيش في بيت يبلغ عدد افراده نحو 50 شخصاً، ان القادم اسوأ اذا ما استمر الوضع على حاله، فخسائرنا كثيرة ولا احد يتعاطي جدياً مع حجم الكارثة التي يعاني منها المزارعون.
ويشير سلاخي الى أن ارضه بلا تمديدات كهرباء وتعتمد على السولار، ولكن في ظل تضاعف سعره فإن العملية باتت مكلفة"، وهو كمزارع وفي ظل الوضع الاقتصادي والخسائر المتواصلة فمهنة الزراعة لن تدوم معه طويلاً.
هذا وتعكف عددٌ من المؤسسات المحلية على إعداد حملة من أجل دعم المزارعين والمطالبة بتوفير كميات من السولار لهم انقاذاً لقطاع الزراعة في غزة.
حقول التوت الأرضي في شمال قطاع غزة تواجه خطر الجفاف بسبب انعدام المياه والوقود