أمام الاستخدام المتزايد للأكياس البلاستيكية في الأراضي الفلسطينية، تعتزم شبكة المنظمات البيئية في فلسطين، إطلاق حملة بداية العام المقبل، تهدف للتقليل من استخدام هذه الأكياس، خصوصا في المخابز كمرحلة أولى، على أن تشمل قطاعات أخرى مستقبلا. ولأن أكياس البلاستيك تلحق أضرارا كبيرة بالصحة العامة والبيئة، جاءت هذه الحملة في ظل عدم وجود أي توجه رسمي فلسطيني للحد من استخدامها أسوة بكثير من دول العالم.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
الأكياس البلاستيكية |
اذا ما حصر الواحد منّا عدد الأكياس البلاستيكية التي يجلبها لمنزله بعد التزود باحتياجاته من الخضار والخبز وبقية مستلزمات المنزل، سيجد أن عشرات الأكياس تتكدس في بيوتنا، دون الالتفات أو التفكير بمخاطرها وأضرارها، بل يحرص كثيرون على الحصول على كيس لكل غرض يشتريه حتى لو كان صغير الحجم.
وأمام الاستخدام المتزايد للأكياس البلاستيكية في الأراضي الفلسطينية، تعتزم شبكة المنظمات البيئية في فلسطين، إطلاق حملة بداية العام المقبل، تهدف للتقليل من استخدام هذه الأكياس، خصوصا في المخابز كمرحلة أولى، على أن تشمل قطاعات أخرى مستقبلا.
ولأن أكياس البلاستيك تلحق أضرارا كبيرة بالصحة العامة والبيئة، جاءت هذه الحملة في ظل عدم وجود أي توجه رسمي فلسطيني للحد من استخدامها أسوة بكثير من دول العالم، ليبقى الأمر مقتصرا على حملات التوعية التي في غالبها تحتاج إلى وقت لا بأس به حتى نرى نتائجها.
المخابز أولا
التفكير بهذه الحملة جاء بسبب الاستهلاك المضطرد لأكياس البلاستيك والنايلون في فلسطين، حيث يقدر معدل استهلاك الفرد الفلسطيني لهذه الأكياس بين 400-500 كيس سنويا، وهو عدد يشكل ضعف الكمية التي يستهلكها الفرد الأوروبي.
وعن استهداف المخابز والأفران في هذه الحملة، تقول منسقة شبكة المنظمات البيئية عبير البطمة: "نظرا لأن الخبز من الحاجيات الأساسية الذي يعبأ بأكياس بلاستيكية، إرتأينا في الحملة أن نستهدف هذا القطاع المهم، بسبب خطورة استخدامها للخبز، لأن الأكياس مصنوعة من مواد كيماوية وبترولية، وبالتالي تحدث عدة تفاعلات تنتج مواد ضارة بالصحة خصوصًا عندما يكون الخبز ساخنا داخل الأكياس".
وستطلق هذه الحملة التي ستمتد لسنوات عدة بالتعاون بين شبكة المنظمات البيئية والوزارات ذات العلاقة، خصوصا سلطة جودة البئية، ووزارة الصحة، ووزارة الاقتصاد، وجمعيات حماية المستهلك، على أن يتم التفكير بالانتقال إلى قطاعات أخرى كالمحال التجارية وتعزيز فكرة استخدام الأكياس الورقية بدل البلاستيكية.
وتضيف البطمة: "لم يعمل أحدٌ على موضوع تقليل الاستخدام، باستثناء حملات لتدوير هذه الاكياس، وحتى يتقبل المجتمع الفلسطيني الفكرة ونرى تفاعله معها ننتقل إلى المحلات التجارية، وهذه الفكرة أسوة ببعض الدول في العالم، خصوصا في أوروبا التي تجبر المستهلكين على دفع ثمن الأكياس التي يطلبونها اذا لم يحضروه سلال التسوق الخاصة بهم.
وتنقسم الحملة التي ستبدأ في مطلع 2018 الى مرحلتين، كمقدمة لتهيئة المجتمع الفلسطيني لتقبل فكرة الأكياس الورقية التي كانت تستخدم قديما حسب البطمة:
المرحلة الأولى: رفع وعي المواطن بخطورة هذه الأكياس وضررها على الصحة والبيئة، نظرا لمكوناتها التي تحتاج مئات السنين للتحلل، وحتى اذا تحللت فإنها تكون مضرة للتربة والمياه، وبالتالي على صحة الإنسان والثروة الحيوانية، وسنضخ سيلا من المعلومات نوضح فيها المخاطر.
المرحلة الثانية: الضغط باتجاه إصدار سياسيات وقوانين ومحاولة فرض مخالفات على الأشخاص الذين يصرون على استخدام الأكياس البلاستيكية، أسوة بالنماذج الناجحة في العالم، حيث يضطر الفرد الذي يطلب هذا النوع من الأكياس إلى دفع ثمنها.
وعبرت منسقة شبكة المنظمات البيئية عن أملها في أن تجد الحملة استجابة من المجتمع المحلي، مضيفة: "في السابق كانت هناك حملات لتقليل استخدام الأكياس السوداء في المخابز، وبالفعل حققنا بعض النجاح، لكن اليوم سنسعى لتجاوز فكرة البلاستيك برمته في المخابز، مهمتنا لن تكون سهلة وبحاجة لسنوات حتى نقنع الناس، ونرى فلسطين خالية من الأكياس البلاستيكية أو على الأقل تقليل الكميات إلى النصف".

الأكياس البلاستيكية من أخطر الملوثات الكيميائية للحيوانات والتربة والمياه السطحية والجوفية
سلطة البيئة: ندعم مثل هذه الحملات
عبرت سلطة جودة البيئة عن دعمها لأي جهد أو حملة من شأنها الحفاظ على الصحة العامة والبيئة، معربة عن استعدادها للمشاركة في الحملة المرتقبة في المخابز بداية 2018، وشدد أيمن أبو ظاهر مدير التوعية والتعليم البيئي في سلطة جودة البيئة على ضرورة توفير البدائل للأكياس البلاستيكية حتى تحصد الحملة النتائج المرجوة.
وقال أبو ظاهر إن سلطته تنظم حملات في الوقت الراهن حول الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، وأضاف: "هذه الحملة بدأنا بها في ثلاث مناطق، قرى غرب رام الله، ومحافظة نابلس، ومحافظة القدس، وذلك للتوعية بالسبل السليمة للتخلص من النفايات الصلبة ومن ضمنها أكياس البلاستيك التي تستخدم بكثرة في الأراضي الفلسطينية". وأوضح أن ما مجموعه 7-15% من النفايات الصلبة هي عبارة عن نفايات بلاستيكية، لذلك الأمر بحاجة لدراسات جدية من شأنها الوصول إلى حلول لربط المواطن البيئي بمصالح اقتصادية، من خلال رزمة حوافز للأشخاص الذين يبادرون الى التدوير مثلا، أو يقللون استخدام منتجات البلاستيك، وهناك أفكار كثيرة في العالم تشجع المستهلكين على تخفيف استهلاك الأكياس خصوصا، وتدفيع ثمن هذه الأكياس لمن يرغب بها، وهذا الأمر أثبت على مدار سنوات نجاعته في تخفيف الاستخدام.
حقائق وأرقام حول أكياس البلاستيك في فلسطين والعالم
ذكرت مجلة آفاق البيئة والتنمية في تقرير سابق لها أن نسبة النفايات البلاستيكية تشكل 14.1% من النفايات الصلبة في الضفة والقطاع وهي ثاني أعلى نسبة بعد النفايات العضوية. وتنتج الضفة الغربية وقطاع غزة يوميا أكثر من 2500 طن من النفايات المنزلية، بمعدل 3.2 كيلو للعائلة في الضفة و 2.4 كيلو في قطاع غزة حسب آخر دراسة لجهاز الإحصاء المركزي عام 2015.
في أوروبا، عكفت العديد من الدول على فرض الضرائب على الأكياس البلاستيكية أو منع توزيعها بلا مقابل مادي، وسيناقش برلمان الاتحاد الأوروبي إجراءات قد تتطلب من الدول الأعضاء التوقف عن استخدام هذه الأكياس بنسبة 80% بحلول عام 2019 حسب معهد سياسات الأرض، الذي بيّن أن هناك مليوني كيس بلاستيكي تنتج عالميًا في الدقيقة الواحدة.
ووفقا لمؤسسة وورد واتش، تم إنتاج حوالي أربعة إلى خمسة مليارات كيس بلاستيكي في العالم عام 2002 سواء للقمامة أو للتسوق أو الخضار. 80% منها استخدمت في أمريكا الشمالية وغرب أوروبا. وفي أمريكا يُستهلك مئةٌ مليار كيس بلاستيكي كل عام، بمعدل كيس واحد للشخص في اليوم تقريبا. وإذا اصطفت هذا الأكياس طوليا من نهايتها، فإنها تلف حول خط الاستواء ألف وثلاثمئة وثلاثين مرة. وعلى مستوى الطاقة، فإن كمَّ البترول المستخدم لإنتاج كيس بلاستيكي قد يمكّن سيارة من السير لمسافة 115 مترا. وقد نحتاج أربعة عشر كيسا بلاستيكيا فقط، لتمكين سيارة من قطع مسافة ميل واحد، أي كيلومتر وستمائة متر تقريبا، حسب البرنامج البيئي الإقليمي لمنطقة المحيط الهادئ.
الأكياس البلاستيكية قد تستغرق أكثر من ألف عام لتتحلل، فبحسب مؤسسة وورد واتش العالمية، فإنه حتى عندما يموت حيوان أكل مواد بلاستيكية وهضمها، فإن البلاستيك يعيد دخول البيئة مستمرا في تهديدها، أي أن الحيوان يتحلل أولا في حين أن البلاستيك لم يتحلل بعد.
وفي عدد نشر قبل عشرة أعوام في صحيفة الحياة اللندنية، قُدّر استهلاك العرب سنوياً بـ 25 مليار كيس، تنتهي كلها تقريباً في النفايات. وبحسب موقع green area اللبناني فإن استهلاك الدول الخليجية سيصل إلى 8% من إجمالي الإستهلاك العالمي للبلاستيك بحلول العام 2020.
وتشير دراسات أجريت في عدد من دول العالم على مادة "بولي إيثالين" التي تدخل في صناعة البلاستيك، لا سيما من النوع العالي الكثافة، إلى عدم تأثر هذه المادة أو تحللها بفعل العوامل الطبيعية، سواء البيولوجية كالبكتيريا والفطريات والخمائر، أو البيئية كالحرارة والرطوبة والضوء، أو أشعة الشمس والأوكسجين والمواد الكيميائية وغيرها. ويُعزى عدم تأثر هذه المادة أو مقاومتها إلى عدة مؤثرات ككبر حجم جزيئات هذه المادة مقارنة بحجم البكتيريا ومفرزاتها من الأنزيمات، وعدم قابلية هذه المادة أو جزء منها للذوبان في الماء.
المستهلكون في بعض البلدان يدفعون مالا مقابل الأكياس البلاستيكية أو الورقية عندما يشترون من البقالة، وغيرهم يحملون أكياسًا قماشية في حقائبهم ليضعوا مشترياتهم، فهل سنصل إلى مرحلة كهذه في الضفة والقطاع لنحمي بيئتنا وصحتنا؟