التغير المناخي حقيقة علمية لا يمكن إنكارها ... (ورقة دراسية)
ريم بعيرات، آلاء عبد القادر، روان المصري ودعاء أبو قرع / جامعة بيرزيت
خاص بآفاق البيئة والتنمية

الملخص
تهدف هذه المقالة لدراسة قضية التغير المناخي من الجانب الذي يدعم أنها حقيقة علمية لا يمكن إنكارها، وحتى يتم إثبات ذلك سوف يتم البحث في العديد من البراهين التي تثبت الظاهرة وتبين صحة هذا الادعاء، وسوف يتم التطرق إلى طرق التكيف مع التغير المناخي على كافة الأصعدة والمجالات: المياه، الزراعة، النقل، الصحة، بالإضافة إلا أنها سوف تبحث في طرق التخفيف من وطأة التغير المناخي كونه أصبح يشكل تهديداً لكافة مجالات الحياة، ويسبب العديد من الكوارث البيئية الخطيرة التي تتطلب تدخلاً سريعاً وتكافلاً دولياً للتخفيف من وطأة الخطر المحتّم.
الكلمات الدالة: التغير المناخي، الاحتباس الحراري، طرق التكيف والتخفيف.
المقدمة:
ظاهرة التغير المناخي Climatic Change تعتبر ظاهرة التغير المناخي تغيراً في الظروف المناخية المعتادة وعناصر المناخ، كدرجات الحرارة والرياح والأمطار التي تميز كل منطقة، وذلك نتيجة العديد من الأسباب والتي من أهمها الأنشطة البشرية سواء الناتجة عن الصناعة ووسائل المواصلات، حيث أدى التطور الصناعي في العقود الأخيرة إلى استخراج وحرق مليارات الأطنان من الوقود الأحفوري وذلك لتوليد الطاقة، حيث نجم عن ذلك الحرق انبعاث غازات الاحتباس الحراري أو ما يسمى بغازات الدفيئة (Green House Gases ) كأمثال غاز ثاني أكسيد الكربون(CO2 )، غاز الميثان(CH4)، كلوروفلوروكاربونات (CFCs) وثاني أكسيد النيتروجين (N2O)، فهذه التغيرات المناخية أدت إلى تأثيرات هائلة على الأنظمة البيئية على المدى الطويل، كما أكدّ العديدُ من الباحثين في دراساتهم على ذلك (شحادة.2009).
ويتلخص تفسير هذه الظاهرة أن الغلاف الجوي يسمح لأشعة الشمس المرئية بالوصول إلى سطح الأرض ويتم امتصاص جزء من هذه الأشعة ومن ثم تسخينها وانطلاق أشعة طويلة الموجة على شكل أشعة تحت الحمراء، حيث تعمل غازات الدفيئة المختلفة على امتصاص الأشعة تحت الحمراء الحرارية غير المرئية، بحيث تشبه هذه الظاهرة إلى حد ما، ما يحدث في البيت الزجاجي فتسمح هذه البيوت بالاحتفاظ بالحرارة داخلها وتمنعها من التسرب للخارج، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الحرارة داخلها.
وهذه المقالة ستبين أن التغير المناخي حقيقة علمية وليس مجرد حدث عابر في حياة البشر، بل هو خطر يهدد ملايين السكان، وهناك إجماع كبير بين علماء المناخ بوجود ارتفاع في درجة حرارة الأرض يزيد عن 0.6 مئوية، والذي يعود إلى الزيادة الكبيرة في انبعاث الغازات الطبيعية الناتجة عن النشاطات البشرية.
وقد قُدّر تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بـ 380 جزءاً لكل مليون منذ بداية القرن الحادي والعشرين أي مع بداية الثورة الصناعية عام 1888، كما بين (شحادة.2009) و (كرزم.2008) في دراستهم، مع العلم أنه ظهر فريق معارض للسبب المؤدي للتغير المناخي بحيث يعتبر هذا الفريق أن السبب المباشر للتغير ليست الأنشطة البشرية، وأن ما يحدث ناتج عن الدورات الطبيعية، وهذه المقالة ستثبت أن السبب الرئيسي لظاهرة التغير المناخي هو الأنشطة البشرية السلبية التي تهدد كوكب الأرض، وذلك من خلال مناقشة مجموعة من الشواهد.

الدلائل
منذ الثورة الصناعية أي في القرن الثامن عشر إلى وقتنا الحاضر، ازداد ارتفاع درجات الحرارة نتيجة انبعاث الغازات الضارة مسببةً احتباساً حرارياً، وحتى يثبت العلماء ذلك قاموا بأخذ فقاعات هواء من الجليد عبر التاريخ البشري، حيث عادوا إلى 600 ألف سنة للوراء، فوجدوا أن نسبة ثاني أكسيد الكربون الذي واكب الثورة الصناعية بلغ أعلى نسبة، وازداد بشكل كبير عما كان عليه في السابق.
ولقد ارتفعت درجة الحرارة العالمية بما يزيد عن0.6 درجة مئوية، هذا ما تم تأكيده من خلال صور الأقمار الصناعية ومشاريع ثقوب الجليد التي قام بها علماء من جامعة ولاية أوريغون وجامعة هارفارد، بالإضافة إلى ارتفاع درجة حرارة المياه في المحيطات والبحار خلال الخمسة عقود الأخيرة، حيث أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تسخين البحار والمحيطات الأمر الذي يؤدي إلى تمدد المياه فيها، وارتفاع منسوبها مما يؤدي إلى القضاء على السواحل وغرقها كما حدث في الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن مستوى سطح البحر قد ارتفع بين 0-15 سم، وبينت نتائج المؤتمر العالمي للتغير المناخي الذي انعقد عام 1988 احتمال ارتفاع درجات الحرارة ما بين 1.4-4.5 درجة مئوية خلال المائة عام القادمة، وبالتالي ارتفاع مستوى سطح البحر بين 20-140 سم (عبد ربه.2009) يشير العلماء إلى الدور الذي يلعبه الاحتباس الحراري في تدفئة مياه المحيطات، وفي جعل هواء الأمطار أكثر رطوبة، وما نتج عنه من تسجيل أقوى الأعاصير في السنوات الأخيرة ومنها إيرما. كما يجري الإشارة إلى ارتفاع منسوب البحار الإضافي الناتج عن ذوبان الصفائح الجليدية في القطبين، والذي يؤدي إلى زيادة شدة العواصف والتي تظهر البيانات التي جمعتها " ناسا "ارتفاعاً بدرجات حرارة سطح المحيط الأطلسي فوق 30 درجة مئوية أي 86 درجة فهرنهايت في المسار الذي يسلكه إعصار إيرما، وهي درجة حرارة قادرة على تعزيز إعصار من الفئة الخامسة.
كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر نتج عن ذوبان القمم القطبية والجليدية. وطول مدة موسم ذوبان الجليد وتناقص مدة تجمده بسبب دفء فصل الشتاء وبداية فصل الربيع مبكرا عن ميعاده، كما أن الفصول الباردة أصبحت أقصر على عكس الفصول الدافئة، كما ولوحظ تناقص سمك الثلوج في القطبين المتجمدين، ولوحظ في الاسكيمو وجود مياه جارية في فصل الشتاء ووجود ذباب في شهر أكتوبر، وهذا ما أكده أربعون باحثا أبحروا في القطب الشمالي على متن كاسحة الجليد أمندسون، حيث أبحروا لرصد التغير المناخي في القطب الشمالي. كما أن ارتفاع منسوب المياه وزيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو بنسب كبيرة زاد من الاحتباس الحراري، الأمر الذي يهدد 21 مدينة بالاختفاء نتيجة لذلك، كما ويرفع من مستوى حموضة المياه وهذا يهدد الحياة البحرية بشكل عام دون استثناء وبالأخص الشُعب المرجانية، فهي أكثر عرضة للانقراض والزوال إذا استمرت حموضة المياه بالارتفاع نتيجة التزايد الكبير في الحرارة. كذلك فإن منسوب المياه الصالحة للشرب مهددة بانخفاض كميتها نتيجة الاحتباس الحراري.
كما أن الأنشطة البشرية السلبية أدت إلى إحداث تغيرات مناخية كبيرة ويظهر ذلك من خلال ارتفاع درجات الحرارة التي بدأت تمتد عبر ثلث الأراضي الطبيعية الشمالية، وهذا يعني أن خطوط العرض العليا الشمالية تزداد دفئا بالإضافة إلى أن الغطاء الجليدي لبحر القطب الشمالي قد بدأ بالتقلص، مما أدى إلى خلق موسم نمو أطول وبالتالي غدت النباتات أكثر نمواً، بينما زادت كميات الأمطار في المناطق الاستوائية، أما المناطق المدارية الجنوبية ازدادت جفافا ما انعكس على الأنظمة الزراعية وغير طبيعة الناتج الزراعي، حيث انخفضت إنتاجية العديد من المحاصيل الغذائية نتيجة الجفاف والتصحر بينما استفادت مناطق أخرى من هذا التغير المناخي، كما في منحدرات سالبيرغ في أبرد نقطة في الألب، حيث تمكن المزارعون من زراعة تلك المنحدرات بالبطاطا والكرز والأعشاب الطبية والفواكه الاستوائية، مع العلم ان هذه المنطقة كانت لا تزرع إلا بالصنوبريات الفردية، كما أن ارتفاع درجات الحرارة أجبرت النباتات للصعود للأعلى حيث لوحظ أن النباتات في جبال الألب تستمر في الصعود للأعلى.
آثار مدمرة
إن ظاهرة الاحتباس الحراري لا تقتصر آثارها على المياه والحياة البحرية والنباتية بل ينتج عنها كوارث عديدة تهدد التوازن البيئي من خلال الحركات التكتونية الباطنية التي تسبب حدوث العديد من الزلازل والبراكين، عدا عن حرائق الغابات التي تسبب موت وانقراض العديد من الأنواع النباتية والحيوانية، بل وتمتد لتشمل الإنسان المسبب الرئيسي لهذه الظاهرة، حيث تهدد الجانب الصحي للإنسان نتيجة ارتفاع معدلات الإصابة بالعديد من الأمراض كسرطان الجلد، والربو، والحساسية مما ينعكس سلباً على نفسية الإنسان وإنتاجيته، وعدا عن الأعاصير التي ازدادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وخصوصًا في البلدان الصناعية أمثال الولايات المتحدة الأمريكية.
تلك الآثار بالطبع ذات علاقة بارتفاع درجة حرارة سطح الماء في بحار ومحيطات العالم، وما يربط الأعاصير بذلك هو ببساطة أن أي إعصار يستقي طاقته من تلك الحرارة حيث يستخدمها لتغذية ماكينته الضخمة التي تسرّع من رياحه، لذلك أصبح من المؤكد لنا أنه كلما ارتفعت درجة الاحتباس الحراري، وهي بازدياد، كلما أصبحنا عرضة لأعاصير أكثر قسوة وسرعة عن ذي قبل، لأن مياه المحيطات سوف تصبح أكثر سخونة كذلك، وربما يشرح ذلك التأثير التدميري المتعاظم للإعصار إيرما، والذي نشأ في منطقة من المحيط ترتفع درجة حرارة سطحها بمقدار درجة مئوية واحدة عن المتوسط.
جدل عالمي
ينشأ الجدل العالمي الواسع حول علاقة النشاط البشري الصناعي بالاحترار العالمي، وتستغل دول عدة تلك المشكلة من أجل مكاسب سياسية واقتصادية، لكن المشكلة الإضافية هنا هي أن التغير المناخي يحدث بالفعل، ويحدث دائما بشكل مفاجئ، يظهر أثر هذا التغير واضحًا في دول يزداد نشاطها الصناعي كالولايات المتحدة أو أوروبا مثلًا. أن حدة الأعاصير والموجات الحارة والآثار السلبية الناجمة عنها تستمر في التصاعد لكننا تشككنا على مدى عشرات السنين في قضايا سياسية بدون الانتباه لخطر هذه الظواهر والنتائج، هناك إجماع علمي أن التطرف المناخي سوف يطال مدننا وبيوتنا، ومن بين كل عشرة علماء متخصصين في مجال الطقس يوافق تسعة على وجود علاقة بين التغير المناخي والكوارث التي تحدث.
وردا على من يقولون إن التغير المناخي ليس سببه النشاطات البشرية والصناعية، فلماذا إذا لم توقّع الدول الكبرى على اتفاقية كيوتو عام 1992؟ والتي تنص على الحد من انبعاث الغازات الضارة بالبيئة والتي تهدد الحياة بأكملها، ولماذا انسحب ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية باريس 2015 في العام الأزول من رئاسته؟ والتي نصت على إعطاء 100 مليار دولار أمريكي للدول النامية كمساعدات مناخية سنويا على أن يتم إعادة النظر بالسعر في عام 2025، مع العلم أن الدول التي رفضت التوقيع عليها هي دول صناعية وتعتمد في اقتصادها على الصناعة بالدرجة الأولى وأكثر انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون تصدر منها.
لقد رفضت تلك الدول التوقيع على الاتفاقيات الدولية، لأن ذلك يتعارض مع مصالحها الاقتصادية، وهذا يفسر طبيعة النظام الاقتصادي الرأسمالي المتوحش، الذي يهدف إلى تحقيق أكبر ربح ممكن بغض النظر عن الطرق المستخدمة في ذلك وعن النتائج المترتبة عليها.
السؤال هنا: هل الأعاصير التي ظهرت مؤخرا في تلك البلدان الرأسمالية كانت نتيجة للاحتباس الحراري وردعًا قاسيا لها، حيث تلعب هذه البلدان دوراً كبيراً في ازدياد هذه الظواهر؟ وهل العواقب ستقتصر على هذه الأعاصير والكوارث الحالية، أم أنها ستزداد لأمور وأحداث مستقبلية غير متوقعة؟
النتائج والمناقشة
يعتبر التغير المناخي قضية عالمية هامة تحتاج إلى تكافل كافة الجهات المسؤولة للحد منها ووقف المخاطر الناتجة عنها، حيث تم إثبات العديد من الآثار الناتجة عن التغير المناخي كالكوارث التي تحدث إخلالاً بالتوازن البيئي وتهدد كوكب الأرض، لذلك يجب الحد من آثار هذه الظاهرة والتكيف معها على كافة الأصعدة والمجالات " المياه، الزراعة، الصحة، البيئة، السكان ... "ويتم ذلك من خلال الالتزام بتطبيق القوانين التي تهدف لتخفيف وطأة التغير المناخي من خلال التنسيق المتعدد الأطراف، والمساءلة والمحاسبة لكل من يتخلف عن الالتزام بالاتفاقيات الموقعة والقوانين المرسومة، وضرورة الاهتمام بتوعية السكان المحليين.
يتم التكيف على الصعيد البيئي من خلال محاولة محاكاة التأثيرات الطبيعية للبراكين ودور الأبخرة والأتربة التي تنطلق بكثافة منها في خفض درجة الحرارة والتي تعرف باسم "البراكين الصناعية" حيث تقوم تلك الطريقة على نثر كميات كبيرة من جزيئات وأملاح الكبريتات الدقيقة بواسطة الطائرات أو الصواريخ داخل طبقات الجو العليا، وتحديداً طبقة الستراتوسفير من أجل خلق غيوم معتمة تعمل على حجب الضوء وتشتيت أشعة الشمس قليلاً وخفض درجة الحرارة.
ويتم التكيف على الصعيد المائي من خلال تسميد مياه المحيطات وزيادة خصوبة المياه السطحية فيها عن طريق نشر كميات كبيرة من برادة الحديد أو الفسفور أو الأملاح المغذية على مساحات كبيرة من البحار أو المحيطات، من أجل نمو الطحالب والعوالق النباتية التي تقوم بامتصاص غازات الدفيئة، وترشيد استخدام الموارد المائية سواء كانت متجددة أو غير متجددة في المناطق المروية بالاعتماد على تقنيات الري الحديثة كبديل عن التقنيات التقليدية، بالإضافة إلى إمكانية تحلية مياه البحر، وتجميع مياه الأمطار وإعادة تدوير المياه العادمة.
كما يمكن التكيف على الصعيد الزراعي من خلال تغيير أنماط الزراعة مثل زراعة أصناف تتحمل موجات الجفاف، زيادة مساحة وإعداد المحميات الطبيعية والقيام بزراعة الغابات واستصلاح الأراضي البور بالإضافة إلى مكافحة التصحر وتدهور الأراضي.
ويتم التكيف على الصعيد السكاني والصحي من خلال العمل على زيادة وعي سكان المناطق العشوائية بعواقب التغير المناخي، وتأهيلهم للتكيف مع تلك التغيرات ووضع سياسات لتنظيم النمو السكاني العالمي، حيث أن تزايد أعداد السكان يؤدي إلى زيادة الضغط على الموارد الطبيعية واستنزافها بالإضافة إلى زيادة الضغط على البيئة مما ينعكس بشكل سلبي على المناخ، كما يمكن من خلال التقنيات الحديثة رسم خرائط توضح المناطق المعرضة للأخطار الناتجة عن التغير المناخي، خاصةً المناطق المعرضة للخطر والفئات السكانية المحتمل تأثرها تحديداً الفئات السكانية الفقيرة، لأن وضعهم الصحي مرجح أن يكون سيئاً ومعدل وفيات الأطفال لديهم مرتفع، لأنهم يميلون للعيش في المناطق الأكثر عرضة للتغير المناخي. كما ويمكن من خلال التقنيات الحديثة تحديد أفضل أماكن لإنشاء شبكات الصرف الصحي حتى تكون بعيدة عن التجمعات السكانية والمناطق الزراعية للتخفيف من المخاطر الصحية، التي قد تنتج عنها كما ويجب توفير خدمات طوارئ طبية والقيام بمكافحة الأمراض الناتجة عن التغير المناخي ومراقبتها.
لقد ارتبطت هذه الظاهرة إلى حد كبير بالآليات التي أنتجتها الثورة الصناعية والاختراعات والتقنيات التي قدمتها والتي ساهمت بشكل كبير في ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة وبالتالي الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة على الأرض، ونظرا لخطورة هذه الظاهرة وما ينتج عنها من العديد من الآثار والكوارث يجب تطبيق سياسات من أجل الحد من المواد التي تشكل وسيلة لانبعاث غازات الدفيئة البشرية.
ومن طرق التخفيف على مستوى الطاقة والصناعة التحول من استخدام الفحم الحجري إلى الغاز الطبيعي الذي يعتبر ثاني أكبر مصدر أولي للطاقة، بالإضافة إلى تقليل استخدام الطاقة النووية واللجوء إلى مصادر طاقة متجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الهيدرولوجية وطاقة المد والجزر والأمواج، فعلى سبيل المثال لجأت المغرب إلى إنشاء مشروع لزيادة عدد وحدات الطاقة المائية وتشجيع السكان على استخدام سخانات المياه الشمسية وإنتاج الطاقة من الرياح والتحكم بالغازات المنبعثة نتيجة صهر الألمنيوم في الصناعات الكيماوية والغذائية.
أما بالنسبة لقطاع النقل فقد تضمنت سياسات تخفيف انبعاث غازات الدفيئة استغلال النقل العام بدلا من السيارات الخاصة، بالإضافة إلى العمل على توسعة نظام القطارات تحت الأرض واستخدام أنواع جديدة من الوقود مثل الغاز الطبيعي المضغوط واستخدام السيارات الهجينة. بالإضافة إلى التخلص من المركبات غير الكفؤة الموجودة على الطرقات الأمر الذي يخفف من الاختناقات المرورية، وبالتالي انخفاض الوقت المهدور وتقليل كثافة استهلاك الطاقة في قطاع النقل عن طريق تطبيق رقابة صارمة على انبعاث العادم وتلوث الهواء.
أما بالنسبة لقطاع البناء، فممكن إتباع استراتيجية تحسين أداء العوازل في المباني وهي معروفة باسم الأبنية الخضراء والتي تعتمد بشكل أساسي على مصادر الطاقة المتجددة صديقة البيئة. واستخدام المواد العازلة في البناء يقود إلى عدم اللجوء إلى تشغيل أجهزة التكيف، وأما بالنسبة للإنارة فأنها تساهم في إنتاج 1.9 بليون طن من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وبالأخص من النوع الوهاج، الأمر الذي يستدعي إيجاد حلول مناسبة للتخفيف من الانبعاث كمصابيح الفلورسنت المضغوط وهو أكثر كفاءة حيث تشكل استهلاكا أقل للطاقة بالنسبة للقطاع الزراعي، من الاستراتيجيات المتبعة للحد من الانبعاثات والتي تسبب تغير المناخ أهمها: تحسين الممارسات الزراعية واستخدام المغذيات والابتعاد عن استخدام الأسمدة والمبيدات الكيماوية وتجنب استخدام الآلات الزراعية التي تنفث الغازات والأدخنة، وإدارة المخلفات العضوية واستصلاح الترب الزراعية والأراضي المتدهورة حيث تعاني بعض الدول التي تزرع الأرز من انبعاث غاز الميثان. وقد تم وضع عدة حلول لمواجهة هذه المشكلة كزراعة أنواع من الأرز ذات فترات إنتاج قصيرة، وضبط درجة حرارة التربة وإدارة المخصبات، كما ويمكن تنفيذ بعض السياسات التي تقلل من انبعاث الميثان من الماشية من خلال تغيير مكونات الأعلاف.
أما بالنسبة لطرق التخفيف على مستوى الغابات، فالعمل على التشجير والحد من استنزاف الغابات وإزالتها وحرقها، وزراعة غابات جديدة، استخدام المنتجات الناتجة من الغابات في الطاقة الإحيائية لتحل محل الوقود الأحفوري.
أما بالنسبة للمخلفات، فالعمل على التسميد بالمخلفات العضوية واسترجاع الغازات التي تنبعث من مدافن المخلفات، وتجنب الحرق المكشوف للنفايات الذي يساهم في إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون، والعمل على إعادة تدوير المخلفات من أجل التقليل للحد الأدنى من المخلفات، بالإضافة إلى التحكم في تحسين إدارة المياه العادمة والتحكم في معالجتها، والتوسع في مدى التغطية بالصرف الصحي.
الخاتمة
تعتبر ظاهرة التغير المناخي من أهم التحديات التي تواجه كافة القطاعات المختلفة بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد أصبحت واقعاً ملموساً نشاهد آثارها ونتعامل معها في المجالات، حيث أخذت هذه الظاهرة اهتماماً كبيراً من قبل الجهات العلمية والمنظمات والحكومات، وذلك للحد منها والتخفيف من آثارها الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. حيث أدت ظاهرة التغير المناخي إلى ارتفاع كبير في نسبة ثاني أكسيد الكربون والذي تبعه ارتفاع كبير في درجة حرارة الأرض، وقد تمثلت هذه الزيادة منذ قيام الثورة الصناعية في أوروبا.
يعود تطور هذه الظاهرة بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الأنشطة البشرية الاقتصادية، التي ساهمت في إحداث تغييرات في تكوين الغلاف الجوي. كما أن ظاهرة التغير المناخي ساهمت في تراجع الإنتاج الزراعي، في حين أن آثار التغيرات المناخية ساهمت ايضا في التأثير سلبا على الصحة والتي تمثلت بتلوث الهواء نتيجة الدخان وانبعاث المصانع والغازات وبالتالي انتشار الأمراض كالربو والحساسية وسرطان الجلد، إضافة إلى انتشار الأمراض المعدية، كما أن موجات الحر الشديدة أثرت سلبا على صحة الإنسان.
إن الاحتباس الحراري (التغير المناخي) يهدد التوازن البيئي وينذر بكوارث عديدة كالزلازل والبراكين وحرائق الغابات الأمر الذي يحتم علينا أن نقلل من الانبعاثات الضارة التي تحرك ظاهرة الاحتباس الحراري. فإمكانية اتخاذ إجراءات التكيف مع التغير المناخي تعمل على التخفيف من وطأة التغير المناخي ومن العواقب الصحية والبيئية المرتبطة بتغير المناخ على كافة الأصعدة، سواء البيئية أو الزراعية أو المائية أو الصحية.
فإتباع سياسات التخفيف للحد من المواد التي تشكل وسيلة لانبعاث غازات الدفيئة البشرية في عدة مجالات وقطاعات أهمها الصناعة والطاقة والنقل والبيئة والزراعة والغابات، يعدُّ من أهم الخطوات التي يجب القيام بها من أجل تفادي تفاقم مشكلة التغيير المناخي، الذي أرجعناه إلى نشاطات الإنسان في مجالات مختلفة.
قائمة المراجع :
- التغيرات المناخية في الألبhttps://www.youtube.com/watch?v=nglfmQ8MFbo&t=9s
- باري ، مارتن وآخرون . 2007 .تغير المناخ " التأثيرات والتكيف وسرعة التأثر " . الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ .
- كرزم ، جورج . 2008 . سياسات التغير المناخي في الوطن العربي . مؤسسة هينرش بل .
- جبران ، محمد وحسن التايقي . 2014 .التأقلم مع التغير المناخي من المقاربة إلى الممارسة . الإتحاد العالمي لصون الطبيعة. كوكب الأرض وأخطار تغير المناخ في القطب الشمالي https://www.youtube.com/watch?v=PRucTfMbCgs
- ريزنجر ،آنديور يجندراباشوري .2008 . تغير المناخ "التخفيف من تغير المناخ . الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. ست درجات تغير الأرض (وثائقي) https://www.youtube.com/watch?v=SHyVjABm5b0
- شحادة، نعمان .2009. علم المناخ .عمان: دار صفاء للنشر والتوزيع .
- صعب ، نجيب ومصطفى طلبة . 2009 .أثر تغير المناخ على البلدان العربية .بيروت: المنتدى العربي للبيئة والتنمية.
- نوفل ، محمد . 2007 .إقتصاديات التغير المناخي " الآثار والسياسات " . المعهد العربي للتخطيط .
- TawilkNtalie.August 3 2009.The use of offset to Reduse Green house .Economic and Budget Issue Brief.
- IPCC Fourth AssesmentRepoot:climatechange,climate change.2007 Glossary.
شكر وتقدير
هذا الجهد من نتاج دراستنا لمساق دراسات متعمقة في الجغرافيا الطبيعية مع دكتور عثمان شركس في دائرة الجغرافيا – جامعة بيرزيت وله كل الاحترام والتقدير على جهوده وتشجيعه المتواصل لنا.