مبادرة فردية أطلقها محارب عوض صاحب مخابز القدس الآلية في نابلس. أسير محرر حاصل على شهادة التوجيهي، لكنه يملك ثقافة صحية وبيئية، ويتحلى بالمبادرة الفاعلة للتأثير في محيطه. إطلاعه على الكثير من التحذيرات لاستخدام البلاستيك في حفظ الطعام جعله يستاء من استخدامها كأكياس في مخبزه، ومع أنه تردد بدايةً لاعتقاده أن الأمر قد يكون مكلفاً، وقد لا يحظى بالتأييد والقبول من قبل المستهلك، لكنه حسم أمره منذ شباط الماضي، وقرر أن يكون قدوة في ترشيد استهلاك البلاستيك حفاظاً على البيئة والصحة. ولكن! هل وجدت مبادرة عوض الدعم من الجهات الرسمية كوزارة الصحة والبيئة؟
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
مخابز القدس الآلية الأولى فلسطينيا التي بدأت استخدام الأكياس الورقية |
"هناك شيء مريح في وضع الخبز بأكياس ورقية" هذا ما تقوله سيدة أربعينية خرجت راضية وبيدها اليمنى حملت خبزاً يصطف داخل ورق بني هش. هذا المشهد المتجسد باستخدام أكياس ورقية على غرار ما كان يفعله آباؤنا وأجدادنا أصبح أمراً نادراً هذه الأيام، لكنه يحدثُ اليوم في أحد مخابز مدينة نابلس.
مبادرة فردية أطلقها محارب عوض صاحب مخابز القدس الآلية. هو أسير محرر حاصل على شهادة التوجيهي، لكنه يملك ثقافة صحية وبيئية، ويتحلى بالمبادرة الفاعلة للتأثير في محيطه.
إطلاع عوض على الكثير من التحذيرات من استخدام البلاستيك في حفظ الطعام جعله يستاء منها كأكياس في مخبزه، ومع أنه تردد بدايةً لاعتقاده أن الأمر قد يكون مُكلفاً، وقد لا يحظى بالتأييد والقبول من قبل المستهلك، لكنه حسمَ أمره منذ شباط الماضي، بقراره الذي يقضي باستخدام الأكياس الورقية بدل البلاستيك من ناحية صحية أولا، وبيئية ثانياً، واقتداءً بدول تتجه نحو تقنين استخدام البلاستيك، وهذا ما شاهده بأم عينه بعد زيارة بعض المخابز في الخارج، ورؤية الطريقة التي يتعاملون بها في حفظ وبيع الخبز للمستهلك كتركيا وألمانيا على سبيل المثال.
ويضيف أن كثيراً من دول العالم حظرت استخدام أكياس البلاستيك في الأسواق، واستبدلتها بأكياس قماشية أو ورقية، حيث يحضر الزبائن أكياسهم معهم لوضع خبزهم، ومن لا يحمل كيسا قماشيا يشتريه مقابل مبلغ معين.
يرى عوض أن إيمان المستهلك بخطورة البلاستيك، هو سر نجاح خطوة تلك الدول التي قننت استهلاكه، بينما في الحال الفلسطيني فهو يحاول إيجاد الطرق التي يمكن من خلالها إرضاء الزبائن، وبنفس الوقت مراعاة شروط السلامة البيئية والصحية.
يد واحدة لا تصفق
عن تجربته؛ يصفها عوض بالمميزة والفريدة، يقول: "منذ شهر استخدمنا هذه الأكياس ونشعر بأجواء ايجابية في ظل رضا الناس مع هذه الخطوة. القلة القليلة من الناس لم تحب التغيير، لذلك اضطررنا لوضع النوعين من الأكياس (بلاستيكية وورقية) وللمواطنين حرية الاختيار ما بين الأمرين، رغم أن البعض يطلب الكيسين لسهولة الحمل، وهذا مكلف من ناحية اقتصادية، ولم يحقق الهدف من الناحية التوعوية.
ويشير عوض الى أن الصعوبة تمثلت لديه في الحصول على الأكياس الورقية، فهي موجودة لكنها تباع بسعر مرتفع، يقول: "تعرضنا للاستغلال من قبل بعض المصانع، فعند علمها بخطوتنا الحالية وهم يحاولون استغلالنا، فالأسعار مرتفعة مقارنة بالخارج، وبالتالي التكاليف كانت باهظة علينا."
يبدي عوض استياءه مما أسماه "غياب الرقابة" الحقيقية على جودة الأكياس بكافة أنواعها، وقد لاحظ ذلك نتيجة الخبرة الطويلة له بالعمل في هذا المجال، فبعض الأكياس البلاستيكية لها رائحة سيئة تعكس رداءة تصنيعها، وحتى الورقية بعضها غير صالح للاستخدام لتدني جودتها.
وللتغلب على عنصري التعرض للاستغلال وغياب الرقابة على صناعة الأكياس، قرر الحاج عوض استيراد أكياس ورقية من الخارج بجودة جيدة وأسعار مناسبة، فعندما حسم أمره بالقيام بهذه الخطوة احتمل عبء تقليص جزء من الربح مقابل ذلك. لكن وفق صاحب المخبز، فلا يعني ذلك السماح لبعض المصانع باستغلال الوضع لغير المستوردين، فهذه الخطوة يمكن أن تخطوها مخابز أخرى، وبالتالي يجب البحث عن ضوابط تقف حائلاً أمام فوضى رفع أسعار الأكياس الورقية، وهنا أكد على ضرورة تعاون جميع الجهات الرسمية والمواطنين. وختم: "من أشاد بالخطوة؛ عليه العمل على إنجاحها".

مخابز القدس الآلية
جهود للمجتمع المدني ولكن!
تقود عبير البطمة - منسقة شبكة المنظمات البيئية الفلسطينية حملة هذا العام لتقليص استخدام البلاستيك في حياتنا اليومية، والتي كان من المفترض أن تتم على مرحلتين: مرحلة لخفض استهلاك الأكياس البلاستيكية في المخابز، ومرحلة للمحال التجارية.
وعن المخابز؛ تؤكد البطمة أنها حاولت مخاطبة الخبازين من منظور صحي للتغلب على مشكلة البلاستيك، كون هذا الجانب يلامس اهتمامات الناس أكثر من المنظور البيئي، وقد لمست تشجيعاً للفكرة، لكن بعد الاجتماع مع الجهات الرسمية وتحديداً وزارة الصحة، تم ابلاغ القائمين على الحملة أن الأخيرة أجرت فحوصات مخبرية للتحقق من إمكانية انتقال المواد الكيماوية من البلاستيك للخبز بفعل الحرارة، وتم التوصل لنتائج تؤكد عدم وجود أية أضرار. وبالتالي، وفق البطمة، شكّل موقف "الصحة" عائقاً أمام استمرار نشاط الحملة.
"هناك حاجة لإقناع المسؤولين أولا". فالحملة وفق البطمة، كانت أولى خطواتها التوجه لسلطة جودة البيئة لإصدار نص قرار يفرض رسوم ضريبية على استخدام أكياس البلاستيك، ومن خلال النقاشات غير الرسمية، فإن المقترح قوبل بالرفض التام في ظل الوضع الحالي.
تشير البطمة إلى أن نجاح الحملة يتطلب توفير دعم حكومي لتشجيع استخدام هذا النوع من الأكياس الصديقة للبيئة: "حاولنا إقناع المخابز باستخدام الأكياس الورقية، ولكنا أيضاً جوبهنا بالرفض من باب التكلفة العالية لهذه الأكياس مقابل الأكياس البلاستيكية."
جهات علمية عديدة تؤكد أن بعض أنواع البلاستيك تحتوي على إضافات كيميائية خطرة مثل مضادات التحلل بفعل الأشعة فوق البنفسجية، وخافضات اللزوجة، والملدنات، ومواد التلوين، ومضادات الأكسدة الخاصة بمركب البولي إثيلين منخفض الكثافة.
ومن ناحيتها، أصدرت الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية بيانا حذرت فيه من وضع الخبز الساخن في أكياس بلاستيكة نظرا لأن مواد كيميائية سامة يمكن أن تتحرر من المادة البلاستيكية وتنتقل إلى الغذاء الملامس، وبخاصة في حال توفرت عوامل تساعد على حركة هذه المواد، مثل ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف والتعرض للأشعة فوق البنفسجية الناتجة عن أشعة الشمس وطبيعة الغذاء الملامس (دهني - حمضي)، وبالتالي، يمكن للمواد الكيميائية المهاجرة أن تنتقل إلى جسم الإنسان مع الغذاء وتشكل خطرا على الصحة.
مهتم بالبيئة: الرقابة غائبة .. ووضع تربة الأغوار كارثي
حول إمكانية تأثر جودة الخبز بالبلاستيك عند وضعه ساخناً في الكيس، يرى المهتم بالبيئة "داود الهالي" أن البلاستيك يتميز بأنه غير ناقل للحرارة، لذلك، وضع الخبز الساخن بداخله يزيد من الحرارة على الخبز ويؤثر بالتالي على جودته.
وعن جودة البلاستيك المستخدم، يقول: "أعرف العديد من المصانع التي تفتقر للرقابة، هي تستخدم موادَ وصبغات رديئة للحفاظ على منظر الكيس بغض النظر عن معايير الجودة. بعض الأكياس تكون رائحة البلاستيك فيه ظاهرة بشكل كبير، كما أن الأكياس السوداء ما زالت تستخدم لحفظ الخبز، مع أنها تصنف عالمياً بأنها خطرة لرداءة تصنيعها.
وأضاف بأن خطورة الأكياس البلاستيكية يكمن بوزنها الخفيف والمتطاير في الطبيعة، حيث تصل للكثير من المناطق السكنية والزراعية والمائية من أودية ومجاري مياه. وهذه الأكياس ستكون غذاء للكثير من الأغنام مهددةً الماشية بالنفوق. وأوضح أن بعض المواد البلاستيكية لا تتحلل لآلاف السنين، ووجودها في التربة يشكلُ طبقاتٍ تمنع وصول المواد العضوية لداخل التربة وبالتالي تمنع امتصاص النبات للمعادن والعناصر الغذائية.
واستشهد الهالي بوضع تربة الأغوار الذي وصفه بالكارثي حيث طغى عليها لون النايلون الأزرق لكثرة استخدامه في الزراعة، وبالتالي أثّر على نقاء التربة وسلامتها، ووجود الكائنات الحية الضرورية في التربة.
وأشاد بخطوة مخابز القدس الآلية، قائلا "في هذه الخطوة عودة للعادات القديمة السليمة، والتي بددها التوجه لاتسخدام البلاستيك المفرط في حياتنا العصرية، حيث كنا نستخدم الزجاج والكرتون.

إعلان حظر استعمال الأكياس البلاستيكية في مجال الغذاء والأدوية في محافظة البحر الأحمر بمصر
الحلول المقترحة
واقترح الهالي أن يتم وضع أسعار مخفضة على استخدام الأكياس الورقية، مثلا أن يُسمح للمواطن بأخذ كيس واحد مجاناً، وإذا أراد كيساً إضافياً فعليه دفع ثمنه، فإن عملية التسعير، وفق الهالي، تدفع الناس المحبّة للتوفير إلى الامتناع عن شراء البلاستيك، ما يصب في التوعية من مخاطره.
وشدد أيضا على دور المدارس والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني في ترشيد استهلاك البلاستيك في حياتنا اليومية.
فيما طالبت البطمة الحكومة الفلسطينية بلعب دور بيئي مؤثر عبر سن قوانين بيئية أو تفعيل القائم منها، فعندما تقوم الحكومة بدورها، يمكن مطالبة المواطن بدوره تباعاً.