رئيسة جمعية التنوع الحيوي المايكروبي الأردنية

إرتبطت الطبيعة بالمرأة إرتباطاً وثيقاً على مر العصور، حيث مُجّدت المرأة في بعض الثقافات بإعتبارها رمزاً معنوياً من رموز الطبيعة، كما أعطت البيئة الهوية والصفات الأنثوية كالرعاية والإنتاج والحياة. وبالرغم من ذلك، نجد أنه من النادر أن يتم توثيق مشاركة المرأة في الحفاظ على البيئة وتعاونها مع الرجل في إدارتها، وذلك على مدار تاريخ العديد من الشعوب.
يعتبر الإعتراف بحق المرأة في حماية الطبيعة من الظواهر الأكثر أهمية في العقود الأخيرة والتي إ
نعكست في العديد من الإتفاقيات الدولية، بما في ذلك قمة Reo للبيئة والتنمية عام 1992، والتي تؤكد بدورها على مركزية مشاركة المرأة الكاملة لتحقيق التنمية المستدامة. كما تم الإعتراف بأهمية المساواة وتمكين المرأة في مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة عام 2012. أما إتفاقية التنوع البيولوجي فلقد وضحت جوهرية إدماج حقوق المرأة في الحفاظ على التنوع البيولوجي والإستخدام المستدام، كما أنها إعتبرت مشاركة المرأة أمراً حيوياً لتحسين فعالية إستخدام الموارد وإدارة البرامج البيئية.
ترتبط المساواة بين الجنسين والتنمية المستدامة إرتباطاً وثيقاً، ليس فقط لأسباب أخلاقية ومعنوية، إنما أيضاً لأن تحقيق المساواة -كحق من حقوق الإنسان- يعتبر شرطاً أساسياً نحو عالم عادل ومستقبل مستدام، كما تُعتبر التنمية المستدامة محوراً مركزياً لتحقيق الأهداف التنموية والتي لا يمكن تحقيقها بدون تحقيق المساواة. عالمياً، هنالك تصور عام بأن المرأة أقرب إلى الطبيعة من الرجل، وذلك لطبيعة دورها الإجتماعي الأسري والذي يسمح لها بالتفاعل المباشر وبشكل مكثف مع المحيط الطبيعي أكثر من قرينها الرجل، مما أدى إلى تعميق فهمها وخبرتها ومعرفتها حول البيئة الطبيعية. ولقد أظهرت العديد من الدراسات حول المرأة والبيئة أن المرأة تلعب دوراً رئيسياً في معالجة بعض المشاكل البيئية الرئيسية، وفي إدارة الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة والحد من إستنزافها. فمثلاً تتحمل المرأة كربة منزل مسؤولية جمع وإدارة الماء والحطب والحفاظ على بيئة نظيفة كما أنها تعمل في الزراعة، حتى أنها دخلت مجال الأبحاث البيئية، كل هذا بطابع يميزه الرعاية والحماية والإحترام للطبيعة.
دور المرأة في الزراعة وحفظ التربة والنباتات
تنتج النساء أكثر من نصف الغذاء المزروع عالمياً، ويشمل دورها في العمل الزراعي: زراعة المحاصيل وإنتاجها وحصادها وتعبئتها وتوزيعها وتخزينها بالإضافة إلى إزالة الأعشاب الضارة، كما وتشارك المرأة في تربية المواشي كالأغنام والماعز. فمثلاً، أثبتت المرأة الريفية في الأغوار الوسطى في منطقة وادي الأردن، وجودها في العمل الزراعي حيث باتت تعتبر حجر الزاوية وجزءاً لا يمكن الإستغناء عنه في العمليات الزراعية المختلفة. وعلاوة على ذلك، فلقد ساهمت المرأة في مشاريع الحفاظ على التربة، كما أنها إحتلت مكانا ريادياً في الأبحاث الزراعية، فمثلاً تعتبر الحديقة النباتية الملكية في الأردن، والتي أسستها وتديرها الأميرة بسمة بنت علي، نموذجاً عالمياً يحتذى به للحفاظ على النباتات ونظمها البيئية والتنوع البيولوجي، كما أنها باتت مركزاً لتشجيع البحث العلمي والتعلم البيئي.
المرأة في إدارة الغابات والتشجير
تعد الموارد الطبيعية كالحطب، المصدر الرئيسي للطاقة للإستهلاك المنزلي، وللأسف، فإن الإستخدام المكثف لهذه المصادر يؤدي إلى فقدان الغابات وتلوث الهواء وتدهور التربة. تعتبر المرأة المساهم الرئيسي في إدارة الغابات من خلال غرس الأشجار وحمايتها، وخير مثال على ذلك الحملات التي تنظمها "العربية لحماية الطبيعة" ممثلة برئيستها رزان زعيتر، والتي قامت من خلالها بزارعة أكثر من مليوني شجرة في الأردن وفلسطين.
المرأة وإدارة الموارد المائية
تستهدف برامج إدارة وتوفير الموارد المائية المرأة، حيث أنها المستخدم الأساسي والمباشر للمياه لأغراض الإستهلاك المنزلي في المنطقة العربية بإعتبارها ربة المنزل ومديرة شؤون الأسرة. وبالرغم من زيادة إشراك المرأة في الفترة الأخيرة في إدارة المياه إلا أنها لم تحظ على ما تستحق من إهتمام حتى الآن. ولسد هذه الفجوة، تم إطلاق العديد من برامج تمكين المرأة لتحقيق إدارة مائية متكاملة ورشيدة وعلى جميع المستويات بما في ذلك مجال الأبحاث. تعتبر قصة نجاح د.ملك النوري الفائزة بزمالة ابن خلدون مثالاً حياً على ذلك، حيث عملت د.النوري على بحث حول سلسلة توريد المياه في المملكة العربية السعودية ولقد كانت أول عالمة سعودية تقدم بحثها في مؤتمر IDA عام 2013.
المرأة وإدارة النفايات الصلبة
بالإضافة إلى إدارة النفايات منزلياً فإن دور المرأة يأخذ بعداً آخر يشمل القيام بالبحوث المختصة في مجال إدارة النفايات وإستغلالها. د.سمية عباس المهندسة البحرينية والفائزة بزمالة "لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في العلم"، تبحث حالياً في مجال إدارة النفايات وتحويلها إلى طاقة، حيث أنها تعتبر النفايات مصدراً من المصادر البديلة للطاقة، والذي يجب إستغلاله خاصة في ظل إستنزاف موارد النفط والغاز.
المرأة والطاقة
يشكل نقص الوقود عبئاً عالمياً حيث يعاني الكثيرون من عدم القدرة على الحصول على مصادر نظيفة وحديثة من الطاقة مما يؤثر محورياً على كافة مجالات الحياة. عالمياً، تكرس المرأة الريفية الكثير من وقتها لجمع الحطب، كما أنها باتت تعمل في مشاريع إنتاج الطاقة.
"رفيعة" المرأة المكافحة من البادية الشرقية في الأردن ضربت مثالاً يحتذى به في هذا المجال، والتي تبعت حلمها من خلال التسجيل في برنامج لإنتاج الطاقة الشمسية في الهند. لم تكتفِ رفيعة أن تكون أول إمرأة أردنية تتخصص في الطاقة الشمسية، بل إنما قامت بتجهيز 80 نظاماً شمسياً صغيراً لتوليد الطاقة وذلك لمساعدة قريتها في توفير إحتياجاتها من الطاقة الشمسية، "رفيعة" القدوة تعمل حالياً على تدريب العديد من أفراد مجتمعها على كيفية إستخدام الطاقة المستدامة.
المرأة وصنع السياسات
هناك أدلة متزايدة على إرتباط المساواة بالإستدامة البيئية إرتباطاً وثيقاً، وبالرغم من أن مشاركة المرأة في صنع السياسات الهادفة إلى تحقيق الإستدامة البيئية تعتبر أمراً حيوياً، إلا أنها لا تؤدي بالضرورة إلى تحسين وضع المرأة العام، خاصة أن الأسس التي تقوم عليها عدم المساواة لا تزال قائمة دون تغيير.
تلعب المرأة دوراً محورياً في تحقيق الإستدامة البيئية من خلال ممارساتها اليومية داخل الإطار الأسري وخارجه، ومن هذا المنطلق، تستهدف الحكومات والجهات المانحة المرأة كعامل مؤثر نحو التغيير الأخضر، ومع ذلك، فإن مثل هذه الإفتراضات النمطية التي تنظر إلى المرأة بأنها "المنقذ" تنطوي على مخاطر عديدة، لأنها تفترض أن المرأة مصدراً غير محدود للإستدامة، دون الأخذ بعين الإعتبار حاجاتها وصحتها ووقتها ومعرفتها وفرصها ومصالحها. وبالتالي، فإن مشاركة المرأة في صنع السياسات المتمركزة في مجملها فقط على الإستدامة لا تعني مساواة أفضل؛ بل على العكس، يمكن أن تزيد هذه المشاركة التي تستثني مصالح المرأة، من زيادة حجم أعباءها غير مدفوعة الأجر والثقيلة أصلاً، مما يؤدي إلى تفاقم الفجوة في موازين القوى وعدم تحقيق المساواة المنشودة.
الخلاصة
على الرغم من التحديات العديدة إلا أن الفرص موجودة أيضاً، ففي جميع أنحاء العالم، هناك العديد من الأمثلة على مسارات بديلة، والتي تتحرك نحو تعزيز إجراءات إشراك المرأة الكاملة والفعالة في تحقيق الإستدامة البيئية وبالتزامن مع المساواة، وتلائم دورها في حماية البيئة وإدارة مواردها ورسم السياسات لدعم ذلك، مما يعني احترام المرأة ومعرفتها وقدراتها وحقوقها.