نحو طاقة متجددة ... ونظيفة أيضاً

"الإستراتيجية العربية للطاقة المستدامة" تحتاج إلى مراجعة. هذه الخلاصة الاساسية التي يمكن استنتاجها بعد الاجتماع التحضيري العربي حول قضايا الطاقة للمنتدى العربي للتنمية المستدامة والمنتدى السياسي الذي نظّمته الـ"أسكوا" مؤخرا في مقر الأمم المتحدة في بيروت. فهذه الاستراتيجية التي أقرتها جامعة الدول العربية عام 2013، لا تلحظ كثيراً من الإشكاليات المتعلقة بقضايا الطاقة في العالم عموماً، وفي المنطقة العربية خصوصاً. كما أنها لا تنطلق من تعريفات واضحة للمفاهيم، وفي طليعتها، الطاقة "المتجددة"، والفرق بينها وبين تلك "المستدامة"، وما الذي يميّزها عن تلك "النظيفة"... على سبيل المثال. والفرق بين هذه المفاهيم ليس تفصيلاً، لا سيما عندما يفترض أن تترجم في مبادئ وأهداف إستراتيجية وأولويات وبرامج وسياسات وقوانين. صحيح أن هناك اختلافات جوهرية بين الدول العربية، جيولوجية ومناخية وبيئية وسكانية، كالفرق مثلا بين البلدان النفطية وتلك غير النفطية... إلا أن ذلك ما كان ليمنع بلورة مفاهيم مشتركة بداية، واستراتيجيات مشتركة تحافظ على الخصوصيات والتنوع ايضاً.
صحيح انه بات هناك شبه اتفاق وإجماع على اعتبار الطاقات التقليدية من وقود احفوري "غير متجددة" و"غير مستدامة". إلا أن تبني بعض الدول العربية للطاقة النووية مؤخراً والبدء في الاستثمار فيها، بحجة تصنيفها بين الطاقات المستدامة (الصديقة للمناخ على الأقل)، أمر يحتاج إلى كثير من النقاش. مما يستدعي اعادة النظر في العنوان الاستراتيجي، أي إضافة إلى إستراتيجية الطاقة المتجددة والمستدامة، كلمة "النظيفة" أيضاً. فالطاقة النووية خطرة وغير نظيفة على الإطلاق. صحيح أنها لا تتسبّب بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون كغيرها من الطاقات التقليدية كالفحم الحجري والنفط والغاز، إلا أنها تنتج نفايات نووية مشعّة، ولا مطمر نهائياً لها في كل أنحاء العالم حتى الآن، نظرا لشبه استحالته ولكلفته العالية جداً. وكذلك بسبب الكلفة الضخمة لإجراءات الحماية ضد الحوادث التي لا يمكن ضمان عدم حدوثها. كما أن الطاقة النووية غير مستدامة أيضا لكون وقود اليورانيوم، كالفحم والنفط، ناضب وغير متجدد.
وفي السياق نفسه، لا يمكن اعتبار كل الطاقات المتجددة نفسها نظيفة. فبعض التكنولوجيا المستخدمة لإنتاج الطاقة الكهربائية كالألواح الشمسية أو مراوح الهواء الضخمة، استخدمت في إنتاجها أتربة نادرة، والكثير من الطاقة والمياه، وتسببت صناعتها بتلويث التربة والهواء والمياه. مما يعني ان بعض هذه التكنولوجيات ليست نظيفة تماماً، خصوصا إذا تم التوسع في استخدامها لإنتاج الطاقة الكهربائية فقط. مع العلم ان الطاقات المتجددة ليست محصورة في إنتاج الطاقة الكهربائية، بل يمكن أن تستخدم لتوفير استهلاك الطاقة، وتحسين كفاءتها. وهذا التوجه هو الذي يفترض ان يترجم في الاستراتيجيات أكثر من غيره، إي ضبط الاستهلاك وترشيده، والتقليل من استهلاك الطاقة عبر تغيير طرق البناء والنقل وتغيير دوامات العمل وعدد ساعاته... وغيرها من الاجراءات المتعلقة بالاستهلاك اكثر من الانتاج ومتطلبات زيادتها.
والطاقات المتجددة، بطبيعتها، لا مركزية، وليس هناك ما يبرر التوجهات الإستراتيجية في المنطقة العربية، أي العمل على مشاريع كبرى للإنتاج المركزي في مزارع للرياح أو للشمس، إلا مصالح المستثمرين الكبار الذين تعوّدوا انشاء المعامل المركزية الكبرى (معامل طاقة حرارية أو نووية)، عالية الاستثمار وعالية المردود. وهذا التوجه (المركزي) الذي تتبناه معظم الدول العربية لا يعتبر استراتيجياً ونظيفاً، لأن أهمية الطاقات المتجددة هي أنها لامركزية، بمعنى أنها يمكن ان تصل إلى قرى نائية، وتؤمن لها نوعاً من الاكتفاء بأرخص الاسعار وأبسط التقنيات (يمكن ان تكون محلية وغير مستوردة كطباخات الشمس وسخانات المياه)، وإن كانت بأقل قدر ممكن من الطاقة.
في موضوع تمويل الطاقات المتجددة، كان لافتاً، في الاجتماع الإقليمي، شكوى احد الخبراء المصريين (من القطاع الخاص) من تغير أسعار الطاقات المتجددة (نزولاً). إذ روى كيف وقّع القطاع الخاص عقودا منذ سنوات لإنتاج طاقة كهربائية من تقنيات طاقات متجددة لمدة 25 سنة، وكيف انخفضت أسعار هذه التقنيات بسرعة، مما جعل هذا القطاع محرجاً امام الحكومة والسلطات المحلية بالمقارنة مع عقود اخرى جديدة ومنخفضة الاسعار. وهي، بالمناسبة، اقل بكثير من العقود التي وقعها لبنان مع الشركات التي التزمت الانتاج من طاقة الرياح في عكار مؤخرا. كما طرحت تحديات كثيرة، تواجه الطاقات المتجددة، تتعلق أيضا بالمساحات (من الأراضي) التي تتطلبها، ومشكلة نقلها وتوزيعها كلما ابتعدت عن الشبكات الموجودة. إضافة إلى إشكاليات كثيرة، تتعلق بمنافستها للطاقات التقليدية المسيطرة كالوقود الاحفوري، خصوصا أن دولة كانت تصنف غير نفطية مثل لبنان، تستعد لتصبح نفطية، من دون ان تكون لديها إستراتيجية للتنمية المستدامة، من ضمنها إستراتيجية للطاقة المستدامة وغير المستدامة... وغير النظيفة أيضا، بكل المعاني.