نفايات الإسرائيليين على موائد الفلسطينيين...ملوثات سامة تُستخدم في الأغوار باعتبارها سماد زراعي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
الأسمدة العضوية وغير العضوية الإسرائيلية السامة تنتشر في الأراضي المفتوحة بالأغوار الفلسطينية الوسطى
يعتمد المزارعون على السماد العضوي في زراعاتهم للمنتجات المختلفة، ويفترض أن يأتي هذا السماد من مصادر حيوية بشكل طبيعي مثل المخلفات العضوية، والطين، والسبائك الدودية، والأعشاب بالإضافة إلى الجفت، دون إدخال أي إضافات صناعية أو كيماوية.
لكن بعض المزارعين في الأغوار يستخدمون سمادا سامًا يصنعه مصنع "طوفلان" الإسرائيلي المخصص لمعالجة النفايات، ويقع شمال أريحا شرق مستوطنة "مسواه".
يجمع المصنع النفايات المختلفة من مئات المنشآت ومنازل المستوطنات ويطحنها ويوزعها من خلال سمسار على المزارعين الفلسطينيين كسماد يباع بأسعار زهيدة (200 شيقل للطن)، لتتحول بعد ذلك إلى مصدر خطير للملوثات السامة التي تهدد المساحة المتبقية للأراضي الزراعية في الأغوار والتي تقدّر بـ 50 ألف دونم فقط.
|
|
البلاستيك الزراعي ومخلفاته في الحقول الزراعية بالأغوار الفلسطينية |
الكمبوست الإسرائيلي السام المستخدم في بعض المزارع الفلسطينية بالأغوار |
يقول المختص بالشأن البيئي ورئيس تحرير مجلة آفاق البيئة والتنمية جورج كرزم إن جزءاً كبيراً من هذه النفايات الملوثة الناتجة عن مئات آلاف المنازل والمنشآت الإسرائيلية في مستوطنات الأغوار والضفة الغربية تجمع في مصنعي "طوفلان" و"كمبوست أور"، وتباعاً تصل أراضي الأغوار بعد أن تباع على أنها سماد يستخدم على امتداد مساحة آلاف الدونمات هناك.
ويُرجع كرزم السبب في توجه المزارعين إلى شراء الكومبست السام هو ثمنه الرخيص وأحياناً الطمع وعدم الإكتراث والجهل.
ويقول، الإسرائيليون يصنعون هذا الكومبست للتخلص من النفايات بدلاً عن معالجتها، وهرباً من التكلفة العالية التي قد يتكلفون بها.
تبلغ مساحة أراضي الأغوار نحو مليون و650 ألف دونم 80% منها منهوبة من قبل الاحتلال لصالح المشاريع الاستيطانية مثل مصنع "طوفلان" الذي يقع على مساحة 150 دونماً منذ 37 عاماً وينتج نحو 200 طن يومياً من النفايات، وتعود ملكيته إلى مستثمرين فرنسيين.
|
|
الكمبوست الإسرائيلي السام المستخدم في حقول النخيل الفلسطينية |
الكمبوست الإسرائيلي السام في الأغوار والذي يحوي مواد زجاجية وبلاستيكية وطبية ومعادن ثقيلة |
للكومبست السام عواقب على التربة، يبين كرزم إن الكثير من الأراضي الزراعية التي تلوثت به والتي تبعد عشرات الأمتار عن مواقع الترب الإسرائيلية الملوثة، فقدت خصوبتها وبنيتها الزراعية التي تدهورت، مثلما حصل مع بعض محاصيل النخيل التي احترقت بسبب هذه الملوثات، وعلى الرغم من ذلك ما زال العديد من المزارعين يستخدمونه.
ودعا كرزم إلى تحرك منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية المختصة لعمل تقييم علمي شامل لما سببته الممارسات الصهيونية المدمرة للبيئة ولصحة الإنسان الفلسطيني من أضرار وكوارث، وتقديم المجرمين إلى محكمة دولية.
|
|
الكمبوست الإسرائيلي السام في الجفتلك |
الكمبوست الإسرائيلي الملوث بالعناصر الثقيلة والمواد الطبية والبلاستيك يسوق للمزارعين الفلسطينيين في الأغوار |
شاحنات من السم
قال مدير مديرية الزراعة في محافظة أريحا والأغوار أحمد الفارس، أن هذه الملوثات عبارة عن نفايات صلبة تحتوي على مخلفات طبية سامة فحصتها سلطة جودة البيئة في مختبرات جامعة أبو ديس وتبين احتوائها على تركيزات عالية من عناصر المعادن الثقيلة مثل النحاس والزنك والخارصين والرصاص والكروم، ويُقدم بعض المزارعين على شراء شاحنات من هذه النفايات مقابل أسعار زهيدة تصل إلى 200 شيقلاً لكل طن، في المقابل إذ اشترى المزارع من السوق المحلي فإن السماد يكلفه من 4 آلاف إلى 5 آلاف شيقل للطن.
ومع ذلك يوضح فارس أن "القانون يعاقب من يقدم على شراء أو جلب أي منتجات تأتي من المستوطنات منها هذه النفايات، خاصةً إذا كانت مخالفة للشروط العامة".
وأضاف الفارس، أن المديرية دورها يأتي ليس كدور تنفيذي بل إرشاد المزارعين وتحذيرهم من شراء هذه النفايات المسماة "كمبوست"، مع العلم أن المزارعين لا يستطيعون الدخول لهذا المصنع أو التعامل معه مباشرة إلا من خلال متعهد.
وذكر، إن المتعهد تم استدعاؤه من قبل الأجهزة الأمنية، ولكن ورغم ذلك ما زال مستمراً في عمله المخالف، خاصة أنه يعود عليه بالربح المالي من قبل الإسرائيليين، الذين يخفف لهم بدوره من سعة المكب الذي يحوي هذه النفايات.
وقال ان نسبة المزارعين الذين يعتمدون على هذا الكمبوست كبيرة، لكنه في انخفاض مؤخراً بفعل الجلسات الإرشادية التي تقوم بها المديرية في المنطقة.
وأضاف انه عقد مؤخراً اجتماعاً مشتركاً بين محافظات نابلس وطوباس وأريحا لوضع آلية عمل لحل هذه المشكلة.
وتُزرع مساحة كبيرة من الأغوار بالنخيل إذ أن هناك 250 ألف شجرة على مساحة 19 ألف دونم، فيما يخصص 500 دونم لزراعة الموز والحمضيات التي تراجعت زراعتها في الفترة الأخيرة، بسبب الملوحة وضخ المستوطنات للمياه.
تؤثر العناصر التي تحتويها هذه النفايات على صحة الإنسان وعلى البيئة، وبالتحديد على خواص التربة وجودتها وكذلك على المياه الجوفية.
|
|
انتشار الكمبوست الإسرائيلي السام في العديد من أراضي الأغوار الوسطى |
حقول التمر التي تم تسميدها بالكمبوست السام في الأغوار الوسطى |
الخيار والبندورة الأكثر تأثرًا
مدير صحة البيئة في وزارة الصحة إبراهيم عطية أكد أن هذه النفايات الصلبة تؤثر على صحة الإنسان على المدى البعيد عبر انتقالها من التربة التي تتدمر بفعلها وتصبح ضعيفة غير منتجة أو قابلة للزراعة، ما يؤثر سلبياً على النباتات المختلفة. أو تنتقل عبر المياه الجوفية التي تتلوث بالمواد الخطيرة ويكون تأثيرها حسب نوع المادة الملوثة.
وبين عطية، أنه على الرغم من ان النباتات متشابهة في امتصاصها من التربة إلا أن هناك بعض النباتات التي تتأثر أسرع من غيرها بهذه الملوثات مثل النباتات الموسمية كالخيار والبندورة وهي نباتات تحتاج المياه أكثر، وبالتالي تمتص الملوثات والمواد الكيميائية الذائبة أسرع، وليس كالنباتات الشجرية التي تعد أقل تاثراً.
المكونات التي يتكون منها الكمبوست الإسرائيلي السام غير قابلة للتحلل على عكس السماد أو الكمبوست العضوي الطبيعي الذي يتكون من قشور الخضار والفواكه والبيض وأوراق الأشجار وروث حيوانات المزرعة، أو الكرتون والجرائد وأيضاً فضلات الأطعمة النباتية. يؤكد عطية.
|
|
مخلفات البلاستيك الزراعي السام تنتشر في العديد من الأراضي الزراعية الفلسطينية في الأغوار |
مصنع كمبوست أور الإسرائيلي في الأغوار والذي يصنع الأسمدة السامة |
ألف دينار غرامة
ومن الجدير ذكره الإشارة إلى قانون رقم 7 لعام 1999 بشأن البيئة المادة 12 من الفصل الأول الذي ينصُّ على: "لا يجوز لأي شخص أن يقوم بتصنيع أو تخزين أو توزيع أو استعمال أو معالجة أو التخلص من أي مواد أو نفايات خطرة سائلة كانت أم صلبة أو غازية، إلا وفقًا للأنظمة والتعليمات التي تحددها الوزارة بالتنسيق مع الجهات المختصة، ويعاقب القانون من يخالف أحكام هذه المادة بغرامة مالية لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد عن 3 آلاف دينار، أو ما يعادلها، أو الحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين".
وكانت مجلة "آفاق البيئة والتنمية" قد رصدت قبل أكثر من عام نشاط المصنع الإسرائيلي لصناعة " الكمبوست" الملوث، وتحديدا مصنع "طوفلان" الذي يقع شرق مستعمرة "مسواه" في قلب الأغوار.