خاص بآفاق البيئة والتنمية
ضربت فلسطين ومحيطها في شهر تشرين أول الماضي سلسلة هزات أرضية صغيرة إجمالا. إلا أن البداية كانت في 12 تشرين أول حينما وقعت هزة أرضية كبيرة نسبيا في غرب جزيرة كريت اليونانية، وبلغت قوتها 6.4 على مقياس ريختر؛ شعر بها بعض المواطنين في فلسطين، وتحديدا أولئك المتواجدين في الطوابق العلوية للمباني المختلفة الكائنة في المناطق الفلسطينية الوسطى. بؤرة زلزال كريت تواجدت على خط الصدعالمسمى "قوسبحر إيجة" الذي يربط بين الصفائح التكتونية في أفريقيا وأوروبا ويمر على طول البحر المتوسط. والزلازل التي تقع في خط الصدع هذا كثيرا ما تكون قوية نسبيا؛ بل أقوى تحديدا من الصدع الواقع في الأغوار على امتداد البحر الميت جنوبا (الفالق السوري-الإفريقي). وللمقارنة والتذكير، وقع آخر زلزال مدمر في فلسطين عام 1927 بقوة 6.2، وكان مركزه في عين جدي (محيط البحر الميت)؛ فتسبب في قتل نحو 300 شخص وجرح الآلاف؛ ودمر أجزاءً من صفد وطبريا وبيسان ونابلس.
في أواسط تشرين أول الماضي أيضا، ضربت فلسطين خمس هزات أرضية خلال أسبوع واحد؛ بلغت قوة الأولى 3.5 على سلم ريختر، بينما بلغت قوة الهزة الثانية التي وقعت يوم 19 تشرين أول 3.6. أما الهزتان الثالثة والرابعة فقد ضربتا فلسطين في يوم واحد من ذات الأسبوع، وتحديدا في 20 تشرين أول؛ وبلغت قوتهما نحو 3.5 على سلم ريختر. الهزة الخامسة التي كانت قوتها 3.3 (سلم ريختر) ضربت فلسطين (خلال ذات الأسبوع) في يوم 22 تشرين أول.
وبحسب خبراء الزلازل، كانت مراكز الهزات الخمس في محيط بحيرة طبريا الواقعة على الفالق السوري-الإفريقي؛ وقد شعر بها جميعا العديد من فلسطينيي تلك المناطق، وبخاصة أهالي الجليل والجولان المحتلين، إلا أن أيا منها لم يتسبب في أضرار بشرية أو مادية.
من غير الواضح ما هي الدلالة المستقبلية لسلسلة الهزات المتتالية، وهل تشكل مؤشراً لأحداث زلزالية إضافية أقوى، وباحتمالية مرتفعة؟ يعتقد بعض خبراء الجيولوجيا بأن هذه الهزات تعتبر إشارة تحذيرية محتملة تستوجب زيادة وتكثيف الاستعدادات الوقائية لمواجهة زلزال مستقبلي مدمر قد يضرب منطقتنا.
ورغم أن هزات تراكمية مماثلة حدثت في الماضي بذات البؤر تقريبا، وفي أوقات متقاربة، بما في ذلك في جنوب لبنان؛ إلا أننا لا نعرف على وجه الدقة مغزى الهزات المتتالية التي وقعت في تشرين أول الأخير.
قبل بضع سنوات، وقعت سلسلة هزات أرضية متتالية في جنوب لبنان وعلى مسافة غير بعيدة من بحيرة طبريا. وقد استمرت تلك الهزات نحو ثمانية أشهر. وفي نهاية المطاف، لم يقع، إثر هذه الهزات، زلزال قوي.
ومن المعروف أن فلسطين تقع في منطقة نشطة زلزاليا منذ آلاف السنين، وتحديدا على ملتقى صفيحتين من صفائح القشرة الأرضية، وهو ما يعرف بالفالق (أو الصدع) السوري – الأفريقي، الأمر الذي قد يعرض فلسطين، وباحتمال عالٍ، لهزة أرضية مدمرة.
وقد تعرضت فلسطين لكثير من الزلازل المتوسطة والقوية التي حدثت بفواصل زمنية قصيرة نسبيا. وكان بعض هذهالزلازل مدمرا. وضربت أرض فلسطين، قديما، بضع هزات أرضية، حصدت إحداها نحو 30 ألف نسمة، كما أن هزة أخرى تسببت في دمار مدينة بيسان، وذلك في العصر البيزنطي.
وقد تشير، أحيانا، سلسلة الهزات الصغيرة المتتالية إلى إطلاق الطاقة المتراكمة في باطن الأرض، ما يقلل من فرص وقوع زلزال مدمر. لكن، من غير الواضح، فيما إذا كانت سلسلة الهزات الأخيرة تشكل في الواقع تخفيفا للضغط الباطني في المناطق المعرضة للزلازل في محيط بحيرة طبريا.
يقول بعض خبراء الزلازل بأن الهزات الصغيرة التي ضربت فلسطين في تشرين أول الماضي، لم تكن بالقوة التي تطلق الكثير من الطاقة. كما أن مراقبة الزلازل في منطقتنا، خلال العقود الأخيرة، بينت بشكل أكيد أن الزلازل الثلاثة القوية الأخيرة التي ضربت فلسطين، قد سبقتها سلسلة من الزلازل الصغيرة. ومع ذلك، فقد حدثت في بعض الحالات سلسلة من الهزات الصغيرة لم تتوج بزلزال كبير.
وفي كل الأحوال، سلسلة الهزات الأخيرة ينبغي أن تُذَكِّر صانعي القرارات والأجهزة والجهات الرسمية والأهلية المعنية، بضرورة زيادة جاهزية المباني وأنظمة الإنقاذ.
الفالق السوري الأفريقي الكبير وهو عبارة عن الحد الفيزيائي الفاصل بين قارتي أسيا وأفريقيا- تصوير ناسا
هل قدرنا الحتمي انتظار الزلزال المدمر؟
وتبذل حاليا الجهود العلمية لتطوير طرق متطورة تمكن الخبراء من التنبؤ بالزلازل المحتملة بدقة أكبر. ويقول فريق من الباحثين الروس بأنهم نجحوا في التوصل إلى مستوى عال من القدرة على التنبؤ بالزلازل المحتملة.
كما أن جهات حكومية إسرائيلية مختصة تعكف على إنشاء نظام إنذار مبكر، في غضون السنوات القريبة القادمة؛ يمكن أن يقدم إنذاراً للمراكز المختلفة، وتحديدا بعد وقوع الزلزال، وقبل أن تصل الموجات التدميرية الناتجة عنه في باطن الأرض إلى المباني في المناطق المختلفة.
وفي حال ضرب فلسطين زلزال قوي (فوق 6.5-7 على سلم ريختر)، فإن بعض الخبراء يتوقع أن تصل الخسائر البشرية الفلسطينية إلى آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى، إضافة إلى عشرات آلاف المنازل والمباني التي ستدمر بشكل كامل أو جزئي.
الأسئلة المطروحة: ماذا تنتظر الجهات الفلسطينية الرسمية والأهلية المعنية كي تتحرك بشكل فوري وجدي ومنظم وواسع لاتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمة لمواجهة الكارثة الطبيعية المحتملة باحتمالية مرتفعة؟
متى سيتم تنظيم تدريبات واسعة النطاق تشمل التدرب على استيعاب المساعدات الفنية والإنسانية الدولية المتوقعة في حال وقوع الكارثة؟ هل تم تحضير قائمة بالمنتجات الأساسية الحيوية التي من المتوقع حدوث نقص خطير فيها، إلى جانب آلية توزيع القائمة عالميا للحصول على المساعدات؟ هل يوجد توجه لتزويد بعض الهيئات المحلية بالهواتف التي تعمل بالأقمار الصناعية، لضمان استمرارية الاتصالات في حال انهيار البنى التحتية للهواتف الأرضية؟ متى سيتم المباشرة بحملة توعية واسعة النطاق، عبر وسائل الإعلام المختلفة، حول كيفية تصرف وسلوك الأفراد والجماعات في حال حدوث زلزال قوي؟ وغير ذلك العديد من الأسئلة والإجراءات الملحة والعاجلة...
المشكلة أنه لغاية هذه اللحظة، لم تتم عملية توزيع الصلاحيات بين الهيئات والمؤسسات والمنظمات والأطر الحكومية والأهلية والشعبية، في حال وقوع كارثة طبيعية. كما لا توجد محفزات واضحة للمقاولين والمهندسين كي يعملوا على تمتين المباني ورفع درجة مقاومتها للزلازل؛ إضافة إلى تحرك الجهات الحكومية المعنية لتقوية مباني الإسكانات الشعبية، إذ أن آلاف المنازل الفلسطينية بحاجة إلى تقوية؛ ما يتطلب الكشف عن الأماكن والمباني التي تعتبر حمايتها وتقويتها الأكثر إلحاحا.
وبالرغم من الهزات الأرضية الخمس التي ضربت فلسطين خلال تشرين أول الماضي، إلا أن أيا من الجهات المعنية لم تكلف نفسها عناء إصدار التوجيهات والإرشادات الرسمية والمنظمة للمواطنين بشكل عام، ولسكان الأغوار بشكل خاص، حول كيفية السلوك أثناء الزلزال القوي، وخصوصا في الليل.
الجدير بالذكر أن مجلة آفاق البيئة والتنمية واظبت منذ نحو ستة أعوام على نشر التقارير الخاصة بموضوع الزلازل في فلسطين؛ فحذرت من احتمالية وقوعها بنسبة عالية، وعالجت كيفية مواجهتها والوقاية من آثارها المدمرة، إضافة إلى تنظيم الندوات (تحت رعاية مجلة آفاق البيئة) التي تناقلت وقائعها وسائل الإعلام المحلية المختلفة...ورغم ذلك، يبقى السؤال المفتوح برسم الإجابة: هل قدرنا الحتمي انتظار الزلزال المدمر الزاحف علينا، والذي سيسحق الأخضر واليابس ويقتل ويجرح عشرات الآلاف، لنتحرك عندئذ، وبعد فوات الأوان، لمواجهة آثار الكارثة المرعبة التي طالما حذرنا من وقوعها؟