الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية:161 نوعا من الحيوانات البرية في فلسطين مهدد بالانقراض منها 18 نوعا من الثدييات
الفهد الاسيوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
قد يصعب التصديق أن فرس النهر وتماسيح النيل عاشت في فلسطين بشكل طبيعي في عصور مضت. فرغم صغر مساحة فلسطين، إلا أن التنوع الحيوي فيها كبير جداً. وتقدر حاليا عدد انواع الثدييات البرية بأكثر من مئة نوع والطيور بخمسة مئة نوع والنباتات البرية بثلاثة آلاف نوع. ويعود هذا للتنوع الطبوغرافي والمناخي وللموقع الجغرافي الذي يشكل ملتقى لثلاث قارات، ويضم عدة مناطق حيوية في تضاريسها وفي معدلات هطول الأمطار فيها. وقدتم تقسيمها الى أربع مناطق من حيث الأقاليم الحيوية الجغرافية وهي: منطقة إقليم البحر المتوسط والتي تمتد على طول الساحل الفلسطيني وتشمل جبال الجليل والجبال الغربية من مدن نابلس والقدس، والتي توجد فيها الغابات وتنبت فيها نباتات الأشجار الحرجية بكثرة كالسدر والبلوط. وثانيا: منطقة الإقليم الإيراني الطوراني ( السهوب) والتي تمتد من شرق البحر المتوسط وتشمل أجزاء من القدس ووسط وشمال النقب، وتتميز بقلة معدلات الأمطار، وغطاؤها النباتي بمعظمه أشجار قزمية. وثالثا: منطقة الإقليم الصحراوي العربي وهي اكبر منطقة حيوية من حيث المساحة وتمتد من صحراء القدس الى جنوب النقب، وتتميز بمعدلات أمطار شحيحة وبغطاء نباتي قليل. ورابعاً: إقليم المنطقة الاستوائية أو منطقة التغلغل السوداني، وهي منطقة الانخفاض العظيم وتشمل وادي عربة ومنطقة البحر الميت والأغوار الجنوبية، وغطاؤها النباتي على شكل واحات (اشتية وحمد، 1995).
ثدييات برية فلسطينية:
تستمر الحياة الطبيعة البرية بفعل نظام بيئي دقيق ومتفاعل ما بين الحيوانات والمحيط البيئي من غطاء نباتي ويؤدي انقراض نوع معين إلى إحداث خلل بهذا النظام وبالتوازن البيئي، فمثلا انقراض نوع معين من النباتات يشكل غذاءً رئيسياً للأرانب البرية يؤدي إلى انقراض أنواع أخرى من الحيوانات، التي تشكل الأرانب غذاءً رئيسياً لها وتصبح هي الأخرى مهددة وهكذا.
عاشت في فلسطين أنواع عديدة من الحيوانات الثديية منها ما انقرض كليا ومنها ما يواجه خطر الانقراض. وتشكل فصائل الخفافيش النسبة الأكبر من الثدييات حيث تضم حوالي 28 نوعاً، وقائمة ثدييات فلسطين طويلة أهمها عائلة القنافذ والخفافيش والأرانب والقوارض والخُلد وعائلة الفئران والجراذين والجرابيع والنيص والعائلة الكلبية والسنوريات والوبريات والحيوانات زوجية الحافر كالغزلان والخنازير.
وتواجه اليوم العديد من الحيوانات الثديية البرية في فلسطين خطر الانقراض، ومنها ما انقرض بالفعل محليا مثل فأر الماء الأوروبي والفهد الآسيوي والأسد الآسيوي أو (الهندي) الذي شوهد لآخر مرة في النقب منذ 400 عام، والسنجاب الفارسي، والمهى العربية التي أعيد توطينها بعد انقراضها، والدب السوري البني، والأيل الأحمر، والخفاش المصري الصغير، والأخدر وهو من فصيلة الحمير. والكثير من الثدييات الأخرى باتت مهددة بالانقراض محليا وأبرزها قط الرمال الفلسطيني والضبع المخطط وغرير العسل والنيص.
جبل أبو غنيم بعد أن اأعلنته دولة الأحتلال محمية طبيعية وأقامت مستعمرة عليه
أبرز عوامل تدمير الحياة البرية الفلسطينية:
حدث تغيير في تركيبة الحياة الحيوانية البرية في فلسطين، نتيجة التغيرات المناخية التي حدثت في فترة العصر الحجري الحديث. إلا أن التغيرات اللاحقة حدثت منذ فترة الحكم العثماني، من خلال الصيد الجائر، وعدم وجود أي قوانين أو ضوابط للحد منه، واقتلاع الغابات والأحراش من أجل الامتداد العمراني. ثم اكتمل التدمير بوجود الاحتلال الإسرائيلي الذي عمل على تغيير الطبيعة النباتية لمناطق معينة، كزراعة الكينا والصنوبر بكثافة في مناطق مثل جبال الخليل وشمال صحراء النقب، والذي أدى الى تغيير مدمّر للبيئة الطبيعية والموطن الأصلي للعديد من الحيوانات، وعدم قدرتها على التكيف مع الظروف البيئية الغريبة عنها.
ومازال التدمير بفعل الاحتلال مستمر إلى يومنا هذا، والقائمة ممتدة من بناء المستوطنات فوق المساحات الخضراء والمحميات الطبيعية، إلى شق الطرق الالتفافية، وبناء جدار الفصل العنصري. كما كان لتجفيف بعض المسطحات المائية كبحيرة الحولة الأثر الأكبر في انقراض بعض الأنواع من الثدييات، أهمها فأر الماء الأوروبي وسنور الأدغال، بالإضافة إلى العديد من أنواع القشريات والأسماك النادرة.
وعمد الاحتلال إلى نقل بعض الحيوانات البرية من مواطنها الأصلية، كالخنازير البرية التي انتشرت بكثرة خلال السنوات القليلة الماضية في مناطق الضفة الغربية. وقد اشتكى المواطنون من أنها عاثت فسادا في مزارعهم وحقولهم، وهو أمر بديهي الحصول. ففي نهاية المطاف تلجأ هذه الحيوانات البرية لأي مورد غذائي متوفر وتحاول البقاء في بيئتها الجديدة، بعد أن أبعدت عن بيئتها الطبيعية وبعد أن تم تطويقها بجدار الفصل العنصري، الذي عمل على منع تنقل الحيوانات البرية وبشكل خاص الثدييات الكبيرة، وأدى الى فصل الترابط الجيولوجي بين المناطق المحمية.
يضاف إلى كل هذا، استخدام المبيدات الحشرية السامة في الزراعة، والتي تقوم بالقضاء على الكائنات الحية الضارة والنافعة معا، وتعمل على تلويث موارد المياه التي تعتمد عليها الحيوانات البرية للشرب وتسميمها، كما أن إضاءة الكهوف لمنع الخفافيش الآكلة للفواكه من تخريب المحاصيل، أدى إلى القضاء على أنواع منها، و تعريض البعض الآخر لخطر الانقراض، علما أن الغالبية العظمى من الخفافيش في بلادنا آكلة للحشرات. يضاف إلى هذا، مشاكل تصريف المياه العادمة ومخلفات المنشآت الصناعية والكيماوية الإسرائيلية والتلوث الجوي بشكل عام.
وكعادتها تدعي اسرائيل حرصها على البيئة فيما تدمر الحياة البرية الفلسطينية، فكم من مساحات خضراء جرفت من أجل إقامة المستوطنات في الضفة الغربية، مما تسبب في القضاء على البيئة الحيوية لهذه الحيوانات. والأمثلة كثيرة، كتجريف غابة وادي الملاقي غرب بلعين، لإقامة مستوطنات "حشموناعيم " و" كريات سيفر" مكانها، وقطع الأشجار لشق الطرق الالتفافية للمستوطنين تحت ذرائع أمنية وعسكرية.
ولا بد من الإشارة إلى عوامل لها علاقة بقلة الوعي البيئي لدى المواطن الفلسطيني، وقلة الوعي بأهمية المحافظة على الكائنات البرية ومواطنها الطبيعية. ويمكن إرجاع بعض الأسباب للأفكار المغلوطة السائدة بشكل كبير في مجتمعنا حول بعض الحيوانات البرية، وخاصة الآكلة للحوم منها، كالضباع الفلسطينية التي يؤكد خبراء البيئة أنها لا تهاجم البشر، وأنها غير مفترسة في طبيعتها وتقتات على الجيف، أي أنها بعكس الصورة السلبية الشائعة عنها، فهي منظفة للبيئة.
وفي تقرير نشره الاتحاد الدولي لحفظ
الطبيعة والموارد الطبيعية (IUCN) لعام 2009، ذكر فيه أن النسبة الأكبر من الثدييات البرية التي عاشت في حوض البحر التوسط قد انقرضت بالفعل، منذ نحو 1500 عام قبل الميلاد نتيجة النشاط الإنساني كسبب رئيسي. وأصدر الاتحاد إحصائيات تبين أن فلسطين التاريخية تأتي في المرتبة 74 عالميا، من ناحية عدد الأنواع المهددة بالانقراض، وتوضح لائحة نشرها الاتحاد في تموز من العام الحالي أن فلسطين التاريخية تضم 18 نوعا من الثدييات المهددة بالانقراض من بين 163 نوعا من الحيوانات الأخرى المهددة بالانقراض وتشمل طيور وزواحف وأسماك. وقدر رئيس جمعية الحياة
البرية
في فلسطين
عماد الأطرش، في مقابلة إذاعية بثت في شباط من العام الحالي، أن كلّ الحيوانات الثديية التي يزيد حجمها عن الأرنب ستختفي خلال العشرين سنة القادمة، إذا استمر الحال البيئي على ما هو عليه.
وتذكر دراسة أعدها معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، تحت عنوان المحميات الطبيعية والغابات في فلسطين، أن إسرائيل قد أعلنت عن 48 محمية طبيعية في الضفة الغربية، تقع معظمها في المناطق المصنفة "ج"، وقد تم بالفعل تحويل الكثير منها إلى مستوطنات وقواعد عسكرية، فيما تمنع المواطنين الفلسطينيين من زراعتها او استخدامها لأي غرض، مثل جبل أبو غنيم الذي تحول إلى مستوطنة، علما أن دولة الاحتلال كانت قد أعلنت المنطقة سابقا محمية طبيعية. أما في قطاع غزة، فقد أعلنت سلطة جودة البيئة في نيسان من العام الحالي، عن التخطيط لمشروع إعادة تأهيل وادي غزة، وهو المحمية الوحيدة في القطاع بعد أن أصبح مكبا للنفايات الصلبة والمياه العادمة، علما أنه من أهم الأراضي الرطبة في فلسطين، ويضم تنوعا حيويا لنباتات نادرة وطيور مهاجرة مهددة بالانقراض عالميا. ومن المحميات التابعة للسلطة في المناطق المصنفة " أ " و" ب" أم الريحان وام التوت ووادي قانا وأم صفا وأكبرها مساحة وادي شوباش في جنين، وجبل عزموط في نابلس.

صورة لكشماء (أنثى الفهد الأسيوي) وصغيرها وقد تم صيدهما في بداية القرن العشرين. يذكر أن الفهد الأسيوي قد إنقرض اليوم من منطقة العراق وبلاد الشام
قوانين بيئية غير منفذة:
سنت السلطة الفلسطينية تشريعات في القانون الفلسطيني لحماية البيئة، وهي قانون الزراعة الفلسطيني العام المقر عام 2003 وقانون البيئة الفلسطيني لعام 1999 إلا أن هذه التشريعات تفتقر إلى الجانب التنفيذي وهي غير مطبقة، كما أنها لم تتطرق إلى المحميات الطبيعية بشكل واضح، ولا إلى طرق حمايتها وإدارتها، كما أن غالبية المحميات (29 من اصل 48 محمية) في الضفة الغربية تقع ضمن المناطق “ج “ ، بالتالي لا سيطرة للسلطة الفلسطينية أو لقوانينها عليها، هذا بالإضافة إلى نقص الإمكانيات اللازمة لإدارتها.
توصيات:
لا بد للجهات الرسمية متمثلةً بوزارة البيئة والزراعة وللمؤسسات الأهلية والثقافية والتعليمية من اتخاذ إجراءات سريعة وعملية، لتفادي هذا التدهور في مواردنا الطبيعية فهنالك العديد من الأمور التي يمكن السيطرة عليها إذا وضعنا كل ما يتعلق بالممارسات الإسرائيلية على جنب. كالحد من عوامل تلويث البيئة، ومنها مصادر المياه كمعالجة المياه العادمة بصورة سليمة، وضبط المكبات العشوائية، والحد من استعمال المبيدات الحشرية والكيماويات السامة، والحد من الرعي الجائر، ومنع الصيد وخاصة في أوقات التكاثر، والعمل على إنشاء حدائق وطنية ومحميات، وتشجيع زراعة الأشجار والنباتات بحسب البيئة الملائمة لها، وتكثيف حملات التوعية بأهمية الحياة البرية والأخطار المحدقة بها، وتوعية الأجيال الناشئة حول ضرورة الرفق بالحيوان، وتشجيع برامج التوعية البيئية والمبادرات الفردية والجماعية لحماية البيئة.