خاص بآفاق البيئة والتنمية
"إن أردت صورة كلها حيوية فعليك أن لا تذهب إلى الطيور والحيوانات والزواحف، بل تجعلها تقترب منك لتجيد التقاط صورها، وحينها فقط ستشعر بالمتعة، وكلما اقتربت أكثر من صيدك الثمين ستقدم صورة نابضة بالحياة، وتجعل من يشاهد يحبس أنفاسه".
|
يلتصق المهندس عماد بشير دواس، بشغف ملاحقة طيور فلسطين وزواحفها البرية ووجهها الجميل في جبال طوباس والأغوار وبراريها، ليوثق مشاهد مغايرة للكائنات الصغيرة، ويتحسر على ما تعانيه البيئة جراء الزحف الإسمنتي الأسود.
يمسك دواس عدسته السوداء، ويسابق خيوط الفجر الأولى، فيما يتفاخر بابتكاره لـ "كمائن خضراء" للمخلوقات السريعة والحذرة، ويحمل خيمة جوالة في مركبته للاحتماء من يقظة أهدافه الجديدة.
يقول وهو يتستر خلف كمين كرتوني بجوار جذع شجرة: " إن أردت صورة كلها حيوية فعليك أن لا تذهب إلى الطيور والحيوانات والزواحف، بل تجعلها تقترب منك لتجيد التقاط صورها، وحينها فقط ستشعر بالمتعة، وكلما اقتربت أكثر من صيدك الثمين ستقدم صورة نابضة بالحياة، وتجعل من يشاهد يحبس أنفاسه".
رصد
ويقضي المهندس الأربعيني الذي يحمل لقب الدكتوراه في الهندسة المدنية وقتًا طويلًا في رصد مشهد واحد، ولا يضغط على عدسته إلا حين يتأكد بأن الهدف قد تحقق كما رسمه له، ويحزن كثيرًا إن عاد صفر اليدين.
يروي دواس الذي أبصر النور في طوباس ربيع عام 1976: "حين رجعت من الدراسة في الولايات المتحدة عام 2012 لم أكن أملك آلة تصوير، وشاهدت سرب حمام يهم بالنزول على قبة مسجد في جينصافوط بمحافظة قلقيلية، فأسرعت لهاتفي النقال ووثقت المشهد بعفوية، ومررته على حسابي في "فيس بوك" ليحصد الكثير من علامات الإعجاب، ويحظى بإشادة مصورين مهمين".
وبحكم طفولة عماد الذي درس الماجستير في إيطاليا وسبقه بشهادة الهندسة المدنية من جامعة النجاح، فقد ظل شديد التأثر ببيئة طوباس الخلابة، إذ كان يضع خططاً بريئة مع أبناء عمه أشرف (السريع) ووسام، للإمساك بقطعان الغزلان المنتشرة في الأغوار براحة اليد، وبعدها صار يحاكم التمدد العمراني، وينتقد الصيد الجائر الذي أتلف الحياة البرية والتهم التنوع الحيوي.
يبتسم: "كنا نظن أننا نستطيع "اعتقال" الغزال بسهولة وذبحه وشويه، عبر خطط تنسجها أحلامنا، ونتمنى اليوم لو يعود الزمن الجميل لنوثق هذا الحيوان الجميل بالصورة، ونتمتع برشاقته رفقة بأسراب الحجل التي صارت مطمعًا للصيادين والمتاجرين".
زوايا
تواجه المهندس المبتسم عقبات عديدة لعدم فهم غالبية الناس لهوايته، فيظنون أنه يلتقط صوراً للبيوت والأفراد ويعتدي على خصوصيتهم، كما يحاط عمله بمخاطر في مناطق الأغوار التي صادرها الاحتلال وحولها لحقول رماية وتدريب، ويطلب منه بعض الأشخاص التقاط صورة له بكاميرته ذات العدسة بعيدة المدى
|
ويتفاخر دواس كثيرًا بالصورة المهنية الأولى التي التقطها لثعلب أحمر ( حصيني) من مسافة الصفر، فيومها طار من الفرح، ونجح كمينه المحكم من قنص مشهد قريب للحيوان الذي يحاط بشائعات خاطئة عن عدوانيته وشراسته.
يتابع: "بدأت بطريقتي الخفية في التصوير، وتكلفني وقتًا طويلًا كل يوم، فعليّ انتظار اللحظة الحاسمة، وربما أمضي ثلاث ساعات وأكثر من دون الحصول على الهدف، ولا أنسى كيف أشعل متنزهون النار في حشائش كنت أخفي بينها "كمينًا" للتصوير، أمضيت وقتاً في صنعه".
ويتوقف دواس مرارًا عند الصورة التي لا تتكرر، يوم كان في جولة في أحراش مدينته، ووقتها وقف طائر الباز على خشبة مرتفعة، والتقط صورة لصيده الثمين وهو يتلاعب بجناحيه.
تواجه المهندس المبتسم عقبات عديدة لعدم فهم غالبية الناس لهوايته، فيظنون أنه يلتقط صوراً للبيوت والأفراد ويعتدي على خصوصيتهم، كما يحاط عمله بمخاطر في مناطق الأغوار التي صادرها الاحتلال وحولها لحقول رماية وتدريب، ويطلب منه بعض الأشخاص التقاط صورة له بكاميرته ذات العدسة بعيدة المدى.
يسرد: "كنت أراقب قطعان الغزلان في جبال طوباس، برفقة ابن عمي، وعندما شاهدت قطيعاً منها، وأنا داخل السيارة هممت لالتقاط صورها، فشاهدت دورية للاحتلال استجوبتنا، فأخفيت الكاميرا، وأخبرتهم بأننا نستمتع بمشاهدة الغزلان التي انقرضت بفعل الصيد الجائر".
تجوال
ويمعن كثيرًا في مراقبة الحجل وأبو زريق، وعصفور الشمس الفلسطيني، والعويسق، وعروسة التركمان وغيرها، ويتحسر كلما شاهد الزحف الإسمنتي والصيد الجائر الذي يلتف حول عنق البيئة والطبيعة. في خزينة المهندس دواس مئات الصور لطيور وزواحف وثقها بزوايا غير معهودة، فهنا سحلية تضع يدها على أخرى في مشهد "عاطفي"، وفي زاوية أخرى طائر المنية ( البلبل الهندي) يتفاخر بمشيته وغروره، ويحلق العويسق في كبد السماء كمن يستعرض عضلاته، أما الحجل فيلهو فوق كومة قش، وتنسج عشرات الصور الأخرى حكايات مغايرة، تضاف كلها استعدادًا لتشق طريقها إلى معرض شخصي قريب
|
يتنقل عماد في محافظات الوطن كوادي قانا ومرج ابن عامر وأريحا وبرية القدس، لكنه يلتصق كثيراً بمسرح طفولته في أراضي المكواك، والخلايل، ووادي حمد، وقشدة، والمخبة، ولحف جادر، ويمعن كثيرًا في مراقبة الحجل وأبو زريق، وعصفور الشمس الفلسطيني، والعويسق، وعروسة التركمان وغيرها، ويتحسر كلما شاهد الزحف الإسمنتي والصيد الجائر الذي يلتف حول عنق البيئة والطبيعة.
في خزينة المهندس دواس مئات الصور لطيور وزواحف وثقها بزوايا غير معهودة، فهنا سحلية تضع يدها على أخرى في مشهد "عاطفي"، وفي زاوية أخرى طائر المنية ( البلبل الهندي) يتفاخر بمشيته وغروره، ويحلق العويسق في كبد السماء كمن يستعرض عضلاته، أما الحجل فيلهو فوق كومة قش، وتنسج عشرات الصور الأخرى حكايات مغايرة، تضاف كلها استعدادًا لتشق طريقها إلى معرض شخصي قريب.
يضيف: "أصطحب أطفالي بشير (10 سنوات) وياسمين (8) وبيسان (5) ، الذين أصبحوا يقلدون موهبتي، ويراقبون أطراف الشارع خلال المسير بانتظار صيد، ويعرفون أسماء الطيور والزواحف، ويخططون لجمع "تحويشتهم" وشراء آلة تصوير مهنية تشبه عدستي. وخلال الربيع أمضى النهار بطولة في البرية، آخذ زوادتي وكاميراتي وأضع خيمتي المتنقلة التي تشبه الطبيعة بانتظار زائر جديد أضيفه لمجموعاتي".
نقد
ويحاكم عماد التوسع العمراني كثيراً، فقد دمر البيئة الفلسطينية ومس بتوازنها كما يقول، فيما تطوّع لتدريس أول مساق في التخطيط البيئي لطلبة الهندسة في جامعة النجاح الوطنية، وصار يدخل عبر الصورة حب البيئة إلى قلوب طلبته، وتضاعف عدد المسجلين في المساق من 12 إلى 20 أصبحوا يتفاعلون مع الطبيعة، ويتألمون لتخريبها، ويقدمون بدائل للحفاظ عليها بعين هندسية خضراء.
يوالي: "إذا أردنا إقناع الآخرين بدمار بيئتنا فعلينا أن نقدم لهم مشاهد متناقضة تبرز جمال بيئتنا وتنوعنا الحيوي الغني من جهة، وتعرّف بالتخريب والعبث الذي يطال المشهد الطبيعي ويحوله بجرة قلم إلى ركام من الخرسانة والحديد".
|
|
|
المصور عماد دواس يتأهب لالتقاط مشهد للكائنات الصغيرة |
أمريكا وشريكة الحياة
بدأ دواس بهواياته بعد عودته من الولايات المتحدة، التي أمضى فيها 6 سنوات، وكان يلاحق بمنظار عناصر البيئة في سياتل الساحلية بولاية واشنطن، لكنه طوّر شغفه والتحق بدورات تصوير احترافية، وانفق الكثير من المال والوقت والجهد على هواياته المحببة.
يسرد: "كنت أطعم الغزلان المنتشرة على الحدود الأمريكية – الكندية بيدي، دون أن تهرب أو يلاحقها صيادون، وتمتعت بمراقبة المالك الحزين خلال معركته مع سمكة، واستمتعت بجمال طيور الطنان، والروبن الأمريكي، ونوارس البحر، وغيرها، وتدعمني زوجتي أماني مهندسة البناء، ولها نظرة ثاقبة في تقييم ما أصطاده من مشاهد، وتساعدني في اختيار صوري التي أنشرها على صفحتي الإلكترونية الرسمية، أو التي أخوض فيها منافسات محلية توّجت بثلاث جوائز خلال سنتين.
ورفيقة الدرب أماني "جندي مجهول"، كما ينهي دواس، "فهي تتحمل وتتفهم غياب شريكها الطويل في ملاحقة لقطاته، وتشجعه على تطوير هوايته وتنظيم معارض شخصية، وتوسيع آفاق مشاركاته نحو العالمية".