خاص بآفاق البيئة والتنمية
بينما يعاني سكان حيفا العرب واليهود، منذ سنوات طويلة، من التلوث الهوائي الرهيب الناتج عن مجموعة كبيرة من المصانع البتروكيميائية، أعلن السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في خطابه المتلفز بتاريخ 16 شباط الماضي أن سكان حيفا (يقصد اليهود) يخشون من "هجوم قاتل على حاويات ضخمة جداً من مادة الأمونيا - هذه موجودة في حيفا ولا تزال حتى الآن، نحن في حرب تموز تجنبنا أن نمد يدنا عليها- التي تحتوي على أكثر من 15 ألف طن من الغاز والتي ستؤدي إلى موت عشرات آلاف السكان". وذكر نصر الله بأن خبيرا إسرائيليا انتقد الحكومة الإسرائيلية "لأنها تهمل 800 ألف شخص يعيشون ضمن مجال التعرض للإصابة، وبدل نقل الحاويات يضيفون بنية تحتية إضافية خطيرة. هذا الأمر، وفق الخبير، كالقنبلة النووية تماماً. يعني لبنان اليوم يمتلك قنبلة نووية... ليس لدينا قنبلة نووية...المقصود من المعنى بضعة صواريخ من عندنا زائد حاويات الأمونيا في حيفا، والنتيجة قنبلة نووية...".
نتائج دراسة أجرتها جامعة حيفا مؤخرا، وسربت بعض أهم نتائجها إلى مجلة آفاق البيئة والتنمية، أكدت بأن التلوث الناتج عن حاويات الأمونيا، ومصانع أخرى في حيفا تسبب في تشوهات خلقية أبرزها ولادات أطفال حجم رؤوسهم أصغر بـ20-30% من المعدل الطبيعي.
|
الحقيقة أن التلوث الناتج عن حاويات الأمونيا ومصانع كيميائية أخرى في حيفا يعد من أهم أسباب تفشي الأمراض السرطانية والأخرى الناتجة عن التلوث في منطقة حيفا. بل إن نتائج دراسة أجرتها جامعة حيفا مؤخرا، وسربت بعض أهم نتائجها إلى مجلة آفاق البيئة والتنمية، أكدت بأن التلوث الناتج عن حاويات الأمونيا ومصانع أخرى في حيفا تسبب في تشوهات خلقية أبرزها ولادات أطفال حجم رؤوسهم أصغر بـ20-30% من المعدل الطبيعي.
ناشطون إسرائيليون وأعضاء "كنيست" اعتبروا أن سكان حيفا يواجهون حاليا تهديدا مزدوجا. وتساءل بعضهم: "هل يجب علينا انتظار الكارثة ليستيقظ عندئذ رئيس الحكومة ويدرك بأن خليج حيفا ستلتهمه النيران"؟. وقال آخرون: "تعرض خليج حيفا بضع مرات في الماضي لهجمات، ولسوء الحظ لا تكترث الدولة لمثل هذه الهجمات".
خلال السنوات الأخيرة، حذر ناشطون بيئيون إسرائيليون كثيرون مرارا وتكرارا، من المخاطر القاتلة التي تشكلها خزانات الأمونيا في منطقة حيفا، وطالبوا بإغلاق تلك المنشآت، نظرا لما تشكله من مخاطر بيئية-صحية وأمنية أيضا.
الحكومة الإسرائيلية قررت عام 2012 نقل منشأة غاز الأمونيا التي تحوي نحو 17 ألف طن أمونيا والتابعة لمصنع "حيفا كيميكاليم"- من منطقة خليج حيفا إلى جنوب فلسطين، وتم تكليف وزارة البيئة الإسرائيلية ببناء منشأة أمونيا جديدة في منطقة غير مأهولة بصحراء النقب، حتى العام 2017.
السيد حسن نصر الله، أكد أكثر من مرة، بأن المقاومة تملك الإحداثيات الدقيقة للعديد من الأهداف الكيميائية والكهربائية الإسرائيلية الاستراتيجية التي بإمكان صواريخ المقاومة استهدافها. ومن بين أهداف أخرى، يتضمن بنك أهداف المقاومة صهريج الأمونيا وحاويات غاز الإثيلين والهيدروجين في حيفا، فضلا عن محطة توليد الكهرباء في الخضيرة. يضاف إلى ذلك أن جزءاً كبيراً من البنى التحتية الاستراتيجية في إسرائيل يتواجد في حزام ضيق على طول الشاطئ الفلسطيني.
بعض الإسرائيليين القاطنين بجوار المصانع الخطرة بحيفا شرعوا في السنوات الأخيرة بهجر منازلهم والانتقال للسكن في مناطق أخرى بعيدة عنها. ويقول بعضهم بأن القيادة الإسرائيلية أشبعتهم حديثا عن المفاعلات النووية الإيرانية، ولكنها غير مبالية بتوفير الحماية لهم من التهديد الكيميائي الرابض على صدورهم هنا بمحاذاة منازلهم! |
منشأة الأمونيا ليست الوحيدة في خليج حيفا، بل توجد منشآت أخرى تحوي كميات كبيرة من المواد السامة. ويسود تخوف كبير من حدوث سلسلة تفاعلات؛ بحيث تختلط المواد الخطرة بعضها مع بعض. إلا أن مستودع الأمونيا يشكل الخطر الأكبر؛ ذلك أن المدى الذي تستطيع الغيمة الغازية السامة تغطيتها يعد الأكبر، كما أن عدد الإصابات قد يصل إلى عشرات الآلاف.
بعض الإسرائيليين القاطنين بجوار المصانع الخطرة بحيفا شرعوا في السنوات الأخيرة بهجر منازلهم والانتقال للسكن في مناطق أخرى بعيدة عنها. ويقول بعضهم بأن القيادة الإسرائيلية أشبعتهم حديثا عن المفاعلات النووية الإيرانية، ولكنها غير مبالية بتوفير الحماية لهم من التهديد الكيميائي الرابض على صدورهم هنا بمحاذاة منازلهم!
عجز رسمي عن حماية الاسرائيليين من التهديد الكيميائي الكارثي
في عددها الصادر بتشرين أول 2012 (العدد 48) انفردت مجلة آفاق البيئة والتنمية بنشر تقرير مكثف بعنوان: "12 ألف طن من غاز الأمونيا المميت في حيفا قد ينفجر في أي لحظة بسبب قصف صاروخي والنتيجة 17 ألف قتيل و77 ألف إصابة".
|
في عددها الصادر بتشرين أول 2012 (العدد 48) انفردت مجلة آفاق البيئة والتنمية بنشر تقرير مكثف بعنوان: "12 ألف طن من غاز الأمونيا المميت في حيفا قد ينفجر في أي لحظة بسبب قصف صاروخي والنتيجة 17 ألف قتيل و77 ألف إصابة". وورد في عنوان فرعي لنفس التقرير: "القيادة الإسرائيلية أشبعت الإسرائيليين ثرثرة عن المفاعلات النووية الإيرانية ولكنها تعجز عن حمايتهم من التهديد الكيميائي الجاثم على صدورهم بمحاذاة منازلهم".
وقدر ذات التقرير آنذاك بأن "أرواح مئات آلاف الإسرائيليين في حيفا والمستعمرات المحيطة بها، تقع تحت تهديد ملموس وفوري، بسبب نحو 12 ألف طن من غاز الأمونيا السام والمميت، والمعرض للانتشار والانفجار في أي لحظة، بسبب قصف صاروخي، أو هجوم عسكري، أو كارثة صناعية أو هزة أرضية". وانسجم ذلك التقدير مع تحقيق سابق (نشر في آب 2012) أجرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية كشف بأن "أعدادا كبيرة من الإسرائيليين في شمال فلسطين معرضون لأحد أكبر التهديدات على حياتهم.
وتختلف تقديرات الخبراء الإسرائيليين حول عدد الإصابات المتوقعة في حال إصابة خزان الأمونيا الكائن في منطقة حيفا الصناعية إصابة مباشرة بصاروخ للمقاومة اللبنانية. إذ يتعلق الأمر بحالة الطقس، وشدة الرياح، وقدرات المقاومة، ومدى كفاءة العمليات الإسرائيلية التي يفترض أن تقلل الأضرار الناجمة عن تسرب الغاز السام".
ووفقا لبعض التقديرات الإسرائيلية المتواضعة، فقد يصل عدد القتلى والجرحى إلى بضعة آلاف. إلا أن أبحاثا إسرائيلية أخرى جرت في السنوات الأخيرة طرحت تقديرات أكثر خطورة، ومفادها أن تسرب 2400 طن أمونيا في المنطقة الصناعية بخليج حيفا (أي خُمس كمية الغاز الموجودة في الخزان)، قد يؤدي إلى نحو 17 ألف قتيل، بالإضافة إلى 77 ألف إصابة أخرى. وقد تصل تكلفة الخسائر الصحية لمثل هذه الكارثة الكيميائية إلى 30 مليار شيقل. يضاف إلى ذلك الأضرار الواقعة على الممتلكات الخاصة والبنية التحتية والتي تقدر بعشرات المليارات.
منطقة الصناعات الاستراتيجية في حيفا
تكنولوجيا القتل
إذا كان انفجار وانتشار غاز الأمونيا المستخدم في صناعة الأسمدة الكيميائية يتسبب بكارثة بشرية مرعبة، وقتل وإصابة عشرات الآلاف، فما هو عدد ا لناس، بمن فيهم الفلسطينيين، الذين توفوا أو أصيبوا بأمراض خطيرة ومزمنة، جراء تناولهم الخضار والفاكهة المحتوية على متبقيات الأسمدة النيتروجينية المشتقة من الأمونيا؟!! ومن يتحمل مسؤولية هذا العمل الإجرامي المقترف ضد الناس ومستهلكي الأوساخ الغذائية الكيماوية؟ |
غاز الأمونيا ذو الرائحة القوية يتميز بكونه عديم اللون وسام؛ إذ أن استنشاقه يشكل خطراً ويتلف الجهاز التنفسي ويتسبب في الوفاة. وهو يستخدم في الصناعة لأغراض أنظمة التبريد، وإنتاج الأسمدة وصناعات الأغذية والأدوية!!
وإذا ما أصيبت المنشأة التي تخزن فيها مادة الأمونيا في الحالة السائلة، ستنطلق المادة وتتحول إلى الحالة الغازية بسبب الارتفاع في درجة الحرارة. ويعد غاز الأمونيا أكثر وزنا من الهواء ويتفاعل مع رطوبة الجو. لذا، سينزلق الغاز إلى الأرض، فيتمدد إلى الأعلى على شكل غيوم بارتفاع بضع مئات من الأمتار. وتتمدد غيوم الأمونيا لتغطي مساحة نصف قطرها 20 كيلومتراً. ويتعلق الأمر في اتجاه الرياح وفيما إذا سيشتعل الغاز أم لا، علما بأن غاز الأمونيا قابل للاشتعال وقد يتسبب في حريق ضخم شبيه بقنبلة الوقود الهوائي. ويعد هذا الاحتمال كبير جدا، وبخاصة أن ألسنة لهب مكشوفة كثيرة تنتشر في محيط منشأة الأمونيا، مثل ألسنة اللهب المتصاعدة من مصانع تكرير النفط في ذات المنطقة الصناعية بحيفا.
التعرض لغاز الأمونيا بتركيز يفوق النصف بالمائة في الهواء، يؤدي إلى الوفاة خنقاً خلال أقل من خمس دقائق. أما المتواجدون في مسافات أكبر (16 كم فأكثر)، فقد يبقون على قيد الحياة، ولكنهم سيعانون طيلة حياتهم من الحروق ومن إصابات خطيرة جدا في الجهاز التنفسي؛ وتشير التقديرات إلى أن 50% ممن يتعرضون للغاز سيموتون. ومن المفيد التذكير بأن غاز الأمونيا استخدم في الحرب العالمية الأولى كسلاح كيميائي قاتل؛ وأثبت "نجاعة" كبيرة في عمليات القتل الجماعية للجنود.
ختاما، نذكر بالأسئلة الخطيرة التي طرحتها في حينه مجلة آفاق البيئة والتنمية (نيسان 2012): إذا كان انفجار وانتشار غاز الأمونيا المستخدم في صناعة الأسمدة الكيميائية يتسبب بكارثة بشرية مرعبة، وقتل وإصابة عشرات الآلاف، فما هو عدد الناس، بمن فيهم الفلسطينيين، الذين توفوا أو أصيبوا بأمراض خطيرة ومزمنة، جراء تناولهم الخضار والفاكهة المحتوية على متبقيات الأسمدة النيتروجينية المشتقة من الأمونيا؟!! ومن يتحمل مسؤولية هذا العمل الإجرامي المقترف ضد الناس ومستهلكي الأوساخ الغذائية الكيماوية؟ هل هي الشركات المنتجة لهذه المركبات الكيميائية القاتلة ووكلاؤها ومسوقو منتجاتها؟ أم الحكومات والوزارات المعنية التي ترخص تسميم وقتل الناس بإسم العلم والتكنولوجيا الزراعية الكيميائية التي لا ترحم، مقابل ضمان استمرار تدفق المداخيل والضرائب الدسمة إلى خزائنها؟ هل يشك أحدنا في أن الهم الأول والأخير لشركات الكيماويات الزراعية هو مراكمة المزيد من الأرباح الضخمة في جيوب أصحابها وسماسرتهم، ولو على جثث بسطاء الناس والغلابة؛ بينما تقع صحة المستهلكين والبيئة في آخر سلم أولوياتهم؟