منذ بداية العام 1997 تاريخ تأزم وضع إدارة النفايات في لبنان، والضغط لإغلاق مكب برج حمود ووضع الخطة الطارئة لمعالجة النفايات المنزلية، التي لا تزال مفاعيلها مستمرة حتى آخر خيار جنوني ساقط بالترحيل أو التصدير... صرف الكثير من الأموال على الدراسات والخطط المرحلية والطارئة، ولم يُصرَف أي جهد أو مال على الحلول الاستراتيجية والمستدامة! وبعد استفحال الأزمة عدنا لنهدر الوقت والجهد خلال 7 أشهر، تُضاف إلى هدر الوقت الذي مارسته الوزارات المعنية والحكومات المتعاقبة منذ العام 1997، تاريخ وضع الخطة الطارئة، ولم يتمّ استبدال الخطة الطارئة باستراتيجية مستدامة!
فبعيداً عن النزاع السياسي الشديد بسبب المصالح المتضاربة، حان الوقت لإعادة الاعتبار إلى مبادئ الإدارة المتكاملة لمعالجة النفايات الصلبة المجرّدة والتي تعتبر المدخل الصحيح والوحيد لمعالجة النفايات، ليس في مدينة بيروت وجبل لبنان فحسب، بل في أنحاء الدولة كافة. كما على الطبقة السياسية وأي حراك مهتمّ، إذا كــــان مجرداً من أية غايات وأهداف فيها شبهة مصالح معينة، أن تحدّد رأيها في هذه المـــــبادئ التي يفترض حصر النقاش بها وتبنّـــيها كدليل على الجـــدية والالتزام بالخــــروج من الأزمة التي خرجت عن الســـــيطرة وباتت تــــهدّد الأمن الســـياسي والاجتماعي والصــــحي والاقتصادي للشعـــب اللبناني.
فما هي هذه المبادئ التي طالما تمّ تناولها من قلة من المهتمّين والتي يركز عليها الأستاذ المحاضر في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور مازن بشير في دراسته الأخيرة التي يساهم فيها بمقترحات مبدئية للخروج من الأزمة؟
يعرّف الدكتور مازن بشير إدارة النفايات الصلبة من خلال ارتباطها "بضبط توليد النفايات الصلبة، وتخزينها، ونقلها، ومعالجتها، والتخلص منها بما يتفق مع المبادئ المثلى لحماية الصحة العامة والاقتصاد والهندسة والمحافظة على البيئة والإبقاء على جمالها، إضافةً إلى الاعتبارات البيئية الأخرى بما ينسجم والسلوكيات العامة". وفي هذا الإطار، تشمل إدارة النفايات الصلبة كافة المسائل الإدارية والمالية والقانونية والتخطيطية والهندسية التي تُعنى بالحلول المطروحة لكافة المشاكل التي تعترض معالجة النفايات الصلبة. وقد تشمل الحلول العلاقات المعقدة والمتداخلة والتي تغطي الاختصاصات والمجالات كافةً كالعلوم السياسية، والتخطيط المدني والإقليمي وجغرافية المناطق، والاقتصادات والصحة العامة، وعلم الاجتماع والديموغرافيا، ووسائل الاتصالات والحفاظ عليها، فضلاً عن علوم هندسة المواد وكلّ ما هو لبناني.
التجنّب أولاً
يعتبر بشير أنّ الطريقة الأكثر فعالية للحدّ من مخاطر النفايات تتمحور حول ما يلي: تجنّب تراكم النفايات بقدر ما يكون ذلك ممكناً، وإنشاء أنظمة فعالة لإعادة التدوير والاستخدام.
وهنا لا بدّ من تطوير هذه الأنظمة وعلى الناس فهم طبيعة نفاياتهم والاقتناع بأنّ مشاركتهم في الانخراط بنظام معالجتها إنما هو مسؤولية وواجب وطني عليهم.
ويتمحور المفهوم الأساسي الذي تقوم عليه إدارة النفايات بـالتسلسل الهرمي للنفايات، بحيث يأتي في أعلى الهرم النهج الأكثر فعالية لإدارة النفايات وهو مفهوم معترف به ومطبق عالمياً ويمكن إيجازه على الشكل التالي: التجنب (التخفيف)، الحدّ من النفايات، إعادة الاستعمال، إعادة التدوير، الاسترداد، المعالجة، التخلص.
الإدارة المتكاملة
نظراً إلى تنوّع المناطق في لبنان (التي تتوزّع بين القرى النائية والصغيرة إلى المدن الكبيرة، وبالطبع مدينة بيروت)، ومع الأخذ بالاعتبار المعوقات والتحديات اللوجستية، يبدو جلياً، بحسب مازن بشير، أنّه من الضروري اللجوء إلى مزيج من الطرق، حيث يعتمد اختيار طريقة إدارة النفايات على النطاق الذي توجد فيه هذه النفايات. ويعتبر أنّ الخيارين الأخيرين في أسفل الهرم (أي الخيارين الأقل تفضيلاً) هما في الواقع المطامر والمعالجة. فليس من قبيل المصادفة أنّ يعترض الجمهور اللبناني على هذين الخيارين، لمصلحة إعادة التدوير، وبعبارات أخرى الفرز في المصدر. ومع ذلك، فإنّ سوء الفهم للطريقة المثلى قد تطوّر بما أدّى إلى تمويه الفرق بين الرفض والسيطرة.
في حين أنّ مبادئ إدارة النفايات المتكاملة لا تشجّع على إقامة المطامر، إلاّ أنّها قطعاً لا ترفضها، مع التأكيد على أنّها في الواقع، تفضل الحدّ من الاعتماد عليها، خاصة في الحالات التي يكون فيها توفر المساحات لإقامتها نادراً.
لذلك وبهدف حلّ مشكلة النفايات في لبنان، لا بدّ من دمج كافة هذه العناصر ضمن مخطط يتماشى والرسم الهرمي لإدارة النفايات وخيارات المعالجة الملائمة لكلّ منطقة معنية. مع العلم أن الطريقة الفضلى لإدارة النفايات هي بتجنّبها أو تخفيفها من المصدر؛ وهذه هي المهمة التي تقع على عاتق كلّ منّا للبدء بها في منزله، وهي بالتالي تأتي وتسبق الترويج السائد حالياً والمعروف "بالفرز من المصدر".
وتنطوي عملية الحدّ من النفايات على خفض كمية النفايات التي ينتجها المجتمع، والمساعدة على العمل على التخفيف من توليد نفايات مُضرّة وغير قابلة للتحلل، وذلك دعماً للجهود المبذولة للترويج لمجتمع أكثر استدامة.
كما أنّ الحدّ من النفايات يتضمّن أيضاً إعادة تصميم المنتجات و/أو تغيير الأنماط الاجتماعية المتعلقة بالاستهلاك وإنتاج وتوليد النفايات لمنع تكديسها.
المطامر الصحية
تتمثّل الطريقة الصديقة للبيئة والأكثر فعالية من حيث الكلفة الاقتصادية لإدارة النفايات بضرورة مواجهة المشكلة في المقام الأول، إذ لا بدّ من النظر إلى الحدّ من النفايات على أنّه المحور الأساسي الذي تقوم عليه استراتيجيات إدارة النفايات.
على الرغم من ذلك قد تتطلّب الإدارة السليمة للنفايات تخصيص الوقت الكافي وتوفير المصادر الضرورية، وبالتالي، من الضروري فهم وإدراك منافع الحدّ من النفايات وكيفية تطبيق هذه الخطوة لتشمل القطاعات الإقتصادية كافة بالطريقة الفاعلة والآمنة والمستدامة.
لذلك، يرى بشير أنه من الضروري القبول بأنّ معالجة أو إدارة النفايات الصلبة عالمياً تقوم في الواقع وبشكل أساسي على المطامر على أن يكون تصميمها وتشغيلها بطريقة صحية. كما يُذكر أنه وعلى الصعيد العالمي ايضاً، تتفاقم الصعوبة في إيجاد المطامر (كما في لبنان) لاسيما عند البحث في ملائمة الموقع الجيولوجي وجيولوجيا المساحة، أو من حيث يكون استعمال الأرض فيها محدوداً أو معدوماً؛ وأن لا تقع في نطاق المناطق السكنية. ولقد تم طرح تقنيات المعالجة للحدّ من تأثير المطامر (سواء عبر جعل النفايات أقلّ ضرراً وأذى للبيئة؛ والتعويل على الحاجة لوجود مساحات ملائمة وكافية)... وعليه يتم تحويل المنتجات قيد المعالجة نحو إعادة الإستعمال، وإعادة التدوير، أو حتى التقليل من كميتها لتخفيف العبء الملقى على المطامر.
المعالجة
تشمل طرق المعالجة الأساسية لإدارة النفايات الصلبة: التسبيخ، الهضم اللاهوائي والحرق. ويرى بشير أنّ هذه الطرق الثلاث مطلوبة وقابلة للتطبيق في لبنان، غير أنّه لا بدّ من التقيد بالمعايير الدولية عند تطبيقها. وعند الاقتضاء، يمكن توفير المبادئ التوجيهية التي تخضع لها الممارسات الفضلى المتعلقة بهذه الطرق الثلاث كلّ على حدة. ونكتفي حالياً بالإشارة إلى أنّ المحرك الأساسي للخطة يقتضي الحدّ من النفايات المنقولة إلى المطمر، وأنّه يمكن تحديد حجم القيود المطروحة لكلّ طريقة.
تشكل التقنيات الثلاث المذكورة، إلى جانب الطمر في نهاية المطاف، المكوّنات العالمية لخطة إدارة نفايات ناجحة، في البلدان المتقدمة والنامية على حدّ سواء.
على الرغم ممّا تمت الإشارة إليه أعلاه، ومن بين عوامل أخرى، تعتمد أي خطة ناجحة لإدارة النفايات البلدية الصلبة على التقليل من كميتها في المصدر (الوعي العام والمشاركة)، وعلى خطة فرز مصمّمة خصيصاً، وتتكامل مع خطة إدارة النفايات البلدية الصلبة، لتتناسب مع طريقة المعالجة التي يتمّ اختيارها ضمن المنطقة المعنية.
ولمزيد من الإيضاح، يؤكد مازن بشير "أننا غير ملزمين بالاختيار بين الطرق الثلاث، ولكنّ بدلاً من ذلك يمكننا أن نختار ما يمكن تطبيقه لكلّ منطقة/ مدينة؛ والتأكد من أنّ هذا الخيار يشكل جزءاً من الخطة المتكاملة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة".
ماذا عن وحول الصرف؟
ويسأل مازن بشير إذا ما تمّ الأخذ بالاعتبار معالجة حمأة مياه الصرف الصحي. فالحمأة (الوحول)، هي النتاج الأساسي المتولد من معامل معالجة مياه الصرف الصحي، تشكل أيضاً مشكلة (عالمياً أيضاً) للتخلص منها، كما هي الحال تماماً بالنسبة للمنتجات المتولدة من معالجة النفايات الصلبة. "نحن ملزمون أيضاً بالحدّ من كمية هذه المنتجات الفرعية ومن ضررها، ممّا يفسح المجال للتقليل من عدد معامل الحرق أيضاً... ومع تراكم كلّ هذه المنتجات المتولدة من النفايات الصلبة و/أو في حال ندرة الأراضي، نحتاج بالتأكيد إلى تكنولوجيا تتوافق مع المعايير الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والتكنولوجية (ودائماً تبعاً للقيود السياسية اللبنانية)، وإذا كان الحرق هو إحدى هذه التقنيات، لا بدّ إذاً من بناء هذه المعامل لاحتواء نفايات الحمأة أيضاً؛... وفوق كلّ شيء، ما من ثمن كافٍ للحفاظ على صحتنا، كما أننا على يقين أنّه كلما كانت المنشأة أكبر، زادت فعاليته من حيث كلفة معالجة طن من النفايات".
حسن التشغيل
في نهاية المطاف، بصرف النظر عن خيار المعالجة المطبّق ومكان تطبيقها، يبقى المطمر، بحسب بشير، الوجهة النهائية لأي منتج نهائي. ومن الأفضل إقامة المطامر الصحية في المنطقة المعنية حيث يولد المنتج. بالتالي، يتم بناء المطامر الصحية وتشغيلها بشكل ملائم لتلقي النفايات المتبقية، وتكون هذه المطامر الصحية منتشرة في أنحاء الأراضي اللبنانية كافة (لتفادي الحاجة إلى ازدياد النقليات لنقل النفايات عبر الدولة).
كما أنّه من الأهمية بمكان أيضاً أنّ الإدارة والتشغيل السليم لهذه المطامر، بهدف ضمان وصفها بالصحية. ويشمل ذلك الفرز الصحيح قبل الطمر، والاستفادة من الغازات المتولدة وتحويلها إلى طاقة، والتأكد من أنّ العصارة المتولدة نتيجة للتحلل المستمر وتجفيف النفايات، قد تمّت السيطرة عليها ومعالجتها قبل تسربها إلى البيئة.
وحول الوقوف في وجه إعادة فتح المطامر، كمطمر الناعمة، يقول الدكتور مازن بشير "إننا في الواقع نسمح بزيادة الضرر المتفشي بطرائق متعددة، وبخاصةٍ بتدهور الموقع بذاته وتكدس المزيد من النفايات على الطرقات اللبنانية. فإذا كان لا بدّ لنا من التوجه بنداءات ومطالب، وعلينا القيام بذلك، فإنّ جزءاً من الحلّ للأزمة لا يكون بإيقاف المطمر بل العمل على ضمان حسن تشغيله، ممّا يشكل الطريقة الفضلى للقضاء على الروائح والتأثيرات المضرّة لسوء التشغيل".
ويختم "يشكل تكدّس النفايات الذي نشهده اليوم بشكل عشوائي ومن دون رقابة مشكلة اقتصادية وبيئية خطيرة وغير مسؤولة ستلقي بظلالها على الأجيال المقبلة أي أولادنا. وقبل البدء بعملية إدارة النفايات، من الأهمية بمكان تصنيفها بشكل ملائم والتمكّن من إدارة التوقعات من حيث أهمية القيمة الحقيقية لمعالجة النفايات".
الأولوية الأولى
التلوث الأولي ومنع تكدّس النفايات:
· تغيير العملية الصناعية لمنع استعمال المواد الكيميائية المضرّة.
· شراء منتجات مختلفة.
· استعمال عدد أقل من المنتجات المضرّة.
· التقليل من مواد التعبئة والتغليف والمواد.
· إنتاج منتجات تخدم وقتاً أطول وقابلة لإعادة التدوير والاستخدام أو يمكن تصليحها.
الأولوية الثانية
التلوّث الثانوي ومنع تكدّس النفايات:
· إعادة استعمال المنتجات.
· تصليح المنتجات.
· إعادة التدوير.
· التسبيخ.
. شراء منتجات تمّت إعادة تدويرها واستخدامها.