الادمصاص
خاص بآفاق البيئة والتنمية
من قال أن الحلول البيئية يجب أن تكون مُكلفة ومعقدة دائماً؟ القليل من الإبداع يُمكن أن يصنع "السحر"، فنفس الخل (الطبيعي) الذي نستخدمه مع السلطات، يُمكن ان يكون مُنظفاً صديقاً للبيئة وبديلاً للكلور إذا ما خُلط مع "مسحوق الخبيز" وهو مُنظّف ممتاز، وكذلك لا بُد منه في صناعة الكعك والمخبوزات اللذيذة، ولكن الاجمل انه نفسه يُستخدم في منشآت حرق النفايات لإنتاج الطاقة لإزالة الغازات الحمضية المُسببة للأمطار الحمضية والمُدمرة للبيئة، ويُمكن استخدامه كمساعد للفحم النشط الذي بفضل قُدراته الخاصة في "الامتزاز"، الذي لا يجعله يُستخدم بشكل واسع في تنقية الهواء فقط، بل يُستخدم في "تبييض الاسنان" ايضاً كما سنرى في التقرير التالي.
مادة تنظيف في المانيا من الخل
الخل .. بديل الكلور!
صحيحٌ أن إضافة الخل للسلطة يعطيها نكهة مميزة، إلا أن فوائد الخل لا يُمكن أن تُحصر في نكهته المميزة أو حتى فوائده الصحيّة الكثيرة ولا مجال لذكرها، بالنسبة لمؤلفة كتاب "عندي فكرة" سميرة الكيلاني، فالخل هو من أفضل مواد التنظيف الصديقة البيئية التي يُمكن استخدامها في المنزل بدلاً من استخدام مادة "الكلور" التي قد تتسبب بأضرار صحية كثيرة، بينما الخل الطبيعي مادة متوفرة في كُل منزل ولها قدرة خاصة في القضاء على الدهون، كما أنها يُمكن ان تُساعد في حل مُشكلات "التكلّس" في الادوات التي تُستخدم فيها المياه الحارة وتبقى فيها كميّة من الخل، حيث يُمكن للخل إزالة الكلس بعد نقع الأداة في الخل لمدّة ليلة واحدة فقط. كما يُمكن للخل ان يكون ممتازاً في ازالة الرطوبة والعفونة إذا ما تم رشّه على مكان ما، ويُمكن ان يزيل حتى 80% من العفونة!
ولكن ماذا عن رائحة الخل؟ لا شك أن بعض الناس لا يُحبّذ رائحة الخل ولكن "سميرة الكيلاني" تنصح مُتابعيها ان لا يقوموا برمي قشر البرتقال او الليمون بعد اكل الثمرة، ففي القشر فوائد كثيرة وأبرزها انه بالإمكان استخدام "الرائحة العطرية" المتوفرة في القشور وذلك من خلال نقع كميّة من الخل مع قشر البرتقال مثلاً في وعاء ما لفترة معيّنة وهكذا يصبح للخل رائحة كرائحة البرتقال ويُمكن استخدامه في التنظيف دُون قلق من الرائحة، وبالنسبة لها فإن تحمل رائحة الخل أفضل بكثير من تحمّل الاضرار الكيماوية التي يُمكن ان يتسبب بها الكلور وغيرها من مستحضرات التنظيف المضرّة بالبيئة.
الحقيقة أننا إذا ما تجوّلنا في الحوانيت في ألمانيا، سنجد شركة "فروش" تقدّم تشكيلة واسعة من مستحضرات التنظيف الصديقة للبيئة، ويتم استخدام الخل بشكل أساسي في المواد المُعدّة لإزالة الكلس في المطبخ والحمّام.
فحم منشط
الفحم .. لهواء أنقى!
تماماً كالخل، فإن الفحم ليس لشيّ اللحوم فقط أو لإشعال الارجيلة أو حتى في إنتاج الطاقة والتسبب بالمزيد من الإضرار بالبيئة، حيث للفحم استخدامات كثيرة تعود بالفائدة على البيئة وصحّة الإنسان، وذلك لأنه يمتلك صفة مميزة تجعله "ملكاً" في عالم التنظيف، وهي صفة "الامتزاز" وتسمى أحيانا " الامتصاص" أو بالانجليزية " Adsorption " التي يتمتع به بسبب "مساميّته" العالية - حيث فيها الكثير من المسامات أو الفراغات- وهي تجعله قادراً على استقطاب المواد الغير مرغوب فيها في المُحيط القريب منه فتتجمع على سطحه -كما في الصورة-.
فهم مسألة "الامتزاز" يجعلنا نفهم لماذا كان يستخدم اجدادنا الفحم للتخلص من الرطوبة في المنازل، من خلال وضع وعاء فيه فحم في زاوية ما، او كما تفعل بعض ربّات البيوت عندما تضع قطعة فحم واحدة في الثلاجة لإزالة الروائح والرطوبة من الثلاجة.
هذه المسألة قد تبدو بالنسبة للبعض غريبة، حيث يعتقد البعض ان الفحم يلوّث ولا ينقي، ولكن هذا خطأ فاستخدام الفحم في تنقية الهواء يُعتبر من التقنيات الاساسية جداً في مُعالجة الانبعاثات الضارة في الكثير من الدول الصناعية مثل المانيا واليابان التي تعتمد على حرق النفايات لإنتاج الطاقة، حيث نجد في منشآت ترميد النفايات Incineration غازات ضارة جداً تنطلق اثناء عمليّة حرق النفايات مثل المُركبات العضوية و"المواد الثقيلة" كالزئبق والكادميوم وغيرها من المواد التي تنتقل مع الادخنة وتؤدي إلى التسمم إذا ما زادت عن نسبة معينة، إلا ان استخدام الفحم النشط يساعد في التخلص منها بفضل قدرته الخاصة على "امتزاز" هذه المواد الضارة بالبيئة.
معجون اسنان من الفحم
المُدهش أكثر، أن الفحم لا يستخدم في تنقية الهواء فقط، فهو ناجع جداً في معالجة مشاكل الانتفاخ والغازات في البطن كما انه يُستخدم في علاج حالات التسمم المختلفة، ولكن الاعجب من كل هذا انه يستخدم لتبيض الاسنان ويُمكنك شراء معجون اسنان من الفحم لتجعل أسنانك اجمل.
مسحوق الخبز .. في مُقاومة الأمطار الحامضية
مسحوق الخبز
لا يُمكن لمن يعشق صناعة الكعك والمعجنات اللذيذة ألا يعرف مسحوق الخبز، فهو ألف باء هذه الحرفة، ولكن هل لمسحوق الخبز منافع أخرى؟ لا شك! مسحوق الخُبز يُشتق من مادة كيميائية تُعرف بـ كربونات الصوديوم وهي مادة فعالة جداً في القضاء على أي رائحة كريهة جداً وكذلك في القضاء على البكتيريا، ولذلك فإنه يُستخدم في التنظيف بشكل واسع.
بالنسبة للسيدة سوزان جراد من غزّة، فقد تعلّمت من والدتها تحقيق الاستفادة من كُل شيء، سواء من الخل او كربونات الصوديوم ولذلك فهي تستخدمه في تنظيف الحمامات او حتى في فتح المجاري عند انسدادها عن طريق وضع مسحوق الخبز في المجاري المُنسدّة ثم إضافة كميّة من الخل مُباشرة بعدها وهكذا بكل بساطة يعود المجرى كما كان، سواء كنا نتحدث عن مجرى المغسلة او حوض الاستحمام فإن فعالية مسحوق الخبز جيّدة جداً كما تؤكد سوزان وبالتالي فهي لا تحتاج لشراء مواد تنظيف اخرى.
في موقع (اسال ماما) الألماني، وهو موقع يقوم على تقديم حلول لمشاكل الادارة المنزلية من وحي خبرة الأمهات الألمانيات نجد المزيد من التفاصيل حول استخدام مسحوق الخبز لفتح المجاري وذلك من خلال وضع 3 ملاعق من المسحوق ثم إضافة نصف كأس من الخل بعدها مُباشرة واغلاق فتحة المجرى، هناك يتكوّن حمض يُسمى حمض الكربونيك ويبدأ بالتدفق والغرغرة داخل المجرى، ثم يتم الانتظار حتى تنتهي " الغرغرة " ويسكب الماء السخن داخل المجرى وهكذا ببساطة يعود الجريان للمجرى.
ليست الأمهات وحدهن من تستخدمن "مسحوق الخُبز"، فمنشآت حرق النفايات في ألمانيا تستخدمه كذلك للتوفير من كميّات الفحم المنشط المستخدمة في تنقية الانبعاثات الضارة الناجمة عن عملية الحرق حيث يُمكن لاستخدام "مسحوق الخُبز" أو كما يُسمى علميا "بيكربونات الصوديوم" في التخلص من الغازات الحامضية مثل غاز ثاني أكسيد الكبريت وغاز كلوريد الهيدروجين HCl وكلاهما مُسبب للأمطار الحامضية.
الأجمل من ذلك أن استخدام بيكربونات الصوديوم لا يُشكل خطراً في عملية التنقية، بل واكثر حيث يُمكن اعادة تدويره بشكل جزئي والحصول على مادة ( الاجاج )، وهو محلول شديد الملوحة يُمكن ان يُستخدم في إطار عملية سولفاي (Solvay process) في صناعة كربونات الصوديوم من جديد.