خاص بآفاق البيئة والتنمية
يكثر الجدل بين الفينة والأخرى حول جدوى تخصيص أيام لمناسبات خضراء وغيرها، وينطلق المتحفظون على ذلك من أسئلة: ما الجدوى من هذا؟ وماذا يمكن فعله في هذه المواسم والأيام؟ وهل الأجندة المثقلة بمواعيدها وأيامها تستوعب إضافات جديدة؟
المشهد في فلسطين يبدو مغايرًا في تفاصيله البيئية؛ لسبب أن الهم الأخضر مزدوج من انتهاكات احتلال ينهب كل أشكال الحياة ويشوهها، وتعديات مجتمع تكمل البقية. وهذا بالطبع دون الحاجة للدخول في سجال مقارنة ما نمارسه نحن تجاه بيئتنا، وما يفعل المستعمر بها.
قرار
تبنى مجلس الوزراء في شباط 2015، تنسيب سلطة جودة البيئة لمبادرة المطران د.منيب يونان رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة، ورئيس الاتحاد اللوثري العالمي، لاعتبار الخامس من آذار يومًا وطنيًا للبيئة، والإعلان عن عصفور الشمس الفلسطيني طائرًا وطنيًا.
مما يقوله الواقفون خلف الإعلان: إن هدف تحديد يوم للبيئة في بلادنا المصابة بحريتها، واختيار طائر وطني لفلسطين حافل بالدلالات، فهو يُعرّف العالم بما تعانيه بيئتنا جراء انتهاكات الاحتلال، وينقل رسالة لمجتمعنا بوقف التعديات على عناصرها.
وعادة ما ينشط مركز التعليم البيئي مع مؤسسات خضراء، في تنفيذ فعاليات في محافظات مختلفة، حملت العام الماضي هم الانتصار للبيئة وحمايتها، وانتصرت هذه السنة للموروث الطبيعي.
تدهور حال العديد من الأراضي في الضفة الغربية
تجربة
تمضي وقتًا يوم الخامس من آذار لجمع ردود أفعال حول هذا اليوم، ومن الأسئلة التي تسردها: هل سمعتم بيوم بيئة فلسطيني؟ وماذا تتوقعون أن يعني؟ وكيف تردون لو طلب منكم المساهمة في نشاط من وحي هذا اليوم؟ وهل أنتم مع أو ضد تحديد يوم للبيئة، ولماذا؟ وغيرها من أسئلة ذات علاقة.
تحرص على تدوين الإجابات لعينتك الموسعة ( 56 من محافظات: نابلس، وطوباس، ورام الله، وجنين، وبيت لحم) بجمل قصيرة، وكلمات مفتاحية، تحللها لاحقًا وتتعمق في دلالاتها. العبارة الأكثر تكراراً وباللغة المحكية: " هو في عنا بيئة علشان نعطيها يوم."! ولا تكتفي بالسؤال فقط، بل تطلب من عينتك المصغرة لاحقًا ( 12 رجلا و8 نساء).
صحيح أن العينة مصغرة، وليست علمية لتعميم نتائجها، لكنها تصلح مؤشراً عاماً للاسترشاد بما يمكن التخطيط له. البيئة لسوء الطالع، لا تحظى بفرصة للظهور في إعلامنا، ولا تٌقابل بالجدية الكافية، ويجري التعامل معها كوجهة مقارنة مع قضايا ملموسة وآنية (أغلبها مرتبط بالاحتلال والاقتصاد والاجتماع).
نشاط الأطفال في يوم البيئة الفلسطيني
طيف
يمكن سرد عينة من الإجابات المختلفة التي توصلت إليها: "لليش البيئة، شو يعني بيئة، البيئة تعبانة، عنا يوم للأرض وبيكفي وبوفي، البيئة حياتنا، ما عنا وقت للبيئة، البيئة في مصر تعني زبالة، نقاش البيئة في زمن الاحتلال ليس في وقته، إضراب المعلمين أهم، البيئة حكي فاظي، مرة سمعت عن هذا اليوم في الإذاعة، لما يكون عنا بلد بكون عنا بيئتا، البيئة يعني نفايات ومجاري وزراعة شجر، لما نصير دولة بنحكي عن البيئة."
في مدخل الحوار مع رافضي فكرة الاهتمام بالبيئة من حيث المبدأ، وبخاصة الشبان تسألهم: ماذا تشاهدون في التلفاز؟ يقولون: "اليوم التلفزيون بطل حد يشوفوا، بس إحنا بنشوف الرياضة". ترد: بما أننا تحت احتلال واقتصادنا متعب، كيف نتابع الرياضة؟ وأيهما أهم لنا الهواء الذي نتنفسه، والماء، والطعام الذي ندخله إلى أجسادنا، أم كرة القدم وبرامج المسابقات الغنائية، مع الاحترام لمتابعيها؟ في الغالب، تضعف حجة المقللين من شأن البيئة والترويج لها، ولكن تصعب مهمة إقناعهم في الانخراط والتطوع في أعمال خضراء.
حوار
كمقدمة لإقناع المشككين في جدوى البيئة والحديث عنها، تطلب منهم تفسير عبارة " يمكن أن نعيش 40 يوماً بلا طعام، و4 أيام بلا ماء، لكن لا نعيش أكثر من 4 دقائق بلا هواء". تدخل العبارة لقلوب العينة المصغرة، ثم تتبعها بسؤال: هل يمكن لكم إدخال من لا تعرفونه إلى بيوتكم؟.. الإجابة الأسرع والمتفق عليها: لا. والسؤال التالي: كيف نُدخل كل شيء في جوفنا، دون معرفة مصدره وطريقة إنتاجه وصلاحيته للاستهلاك البشري؟
كخلاصة سريعة، بوسع المنظمات الخضراء قبل أن تنفذ أنشطة بيئية أن تعمل أولاً على التأثير في المفاهيم العامة، وإدماج البيئة في الحياة اليومية، وإزالة "الطبقة الموصلة" بين شؤون البيئة والمجتمع، فمثلاً: يمكن الترويج بين الرياضيين وعاشقي الكرة لفكرة أن الملاعب لا يمكن أن تكون وسط مكب للنفايات، أو بجوار رائحة كريهة. وبالمقدور أن نغرس في عقول أطفالنا أن من يحب بلده وشوارعه وجباله وسهوله لا يحولها لمكب كبير وعشوائي للقمامة. وبالمستطاع أن نطلب من المعارضين للحديث عن البيئة في زمن الاحتلال والدم والقتل أن نسألهم: هل قدرنا أن نضيف للاحتلال (العصي اليوم على الإنهاء) المجاري العشوائية، وطوفان النفايات، وسموم السجائر، والكيماويات، والأغذية الفاسدة، وغيرها؟ وما دخل الاحتلال بمن يحول أرضه ووطنه إلى مكب كبير للنفايات، ويدمرها بكل أشكال الفوضى؟
aabdkh@yahoo.com