خاص بآفاق البيئة والتنمية
تنافست ثلاثون سيدة لشغل حيز في قلب معرض المنتجات النسوية الثالث (هنا باقون)، للغرفة التجارية الصناعية والزراعية والإتحاد العام للمرأة الفلسطينية، الذي أطلق بمناسبة الثامن من آذار. وتولت نساء ومبادرات التعريف بمنتجاتهن وإبداعاتهن على مدار يومين، فيما قدمن قصص انطلاقهن من الصفر.
أهداف وريادة
نجح المعرض في تقديم رسالة الاعتماد على الذات، وقدّم بتكلفة متواضعة جدًا أهدافه، ووصل إلى وجهته دون بهرجة أو تكاليف مبالغ بها، واستطعنا إقناع أنفسنا وغيرنا، أن من يريد أن يعمل بوسعه أن يصل دون انتظار ممول أو داعم أو مانح.
|
يسرد مدير العلاقات العامة والإعلام في الغرفة التجارية صلاح قصراوي فكرة المعرض، فيقول إن الغرفة أرادات تكريم النساء في يومهن، وفتشت عن فكرة جديدة لهذه الغاية، وتبنت مبادرة للتعريف بإبداعات النساء، ومنحهن التشجيع للمضي والمنافسة، ومساعدتهن في الدخول إلى السوق بقوة.
يضيف:" سنحرص على هذه المساحة كل عام، وفيها نؤكد أن الهدف ليس تقديم منتجات نسوية، بل تقديم تعريف بالرياديات وصاحبات الأعمال، ونشر قصص انخراطهن في أنشطة اقتصادية رعتها مؤسسة فاتن للإقراض والتمويل ووزارة الشؤون الاجتماعية عبر برنامج مشترك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبوسع الزائر مشاهدة عشرات الأفكار والسلع والتصاميم الجديدة".
واستنادًا إلى قصراوي، فإن الغرفة التجارية تحاورت مع السيدات الرياديات، واستطاعت إقناعهن في إطلاق اسم تجاري لمنتجاتهن، فيما ستكمل مهمتها في المستقبل، لحثهن على وضع العلامة التجارية، وصولاً لإدخالهن إلى سوق المنافسة، وتسليط الضوء على سلعهن، ومساعدتهن في حل عقبة التسويق، التي تعد العائق الأكبر في وجه الانتشار والتطور.
يتابع: نجح المعرض في تقديم رسالة الاعتماد على الذات، وقدّم بتكلفة متواضعة جدًا أهدافه، ووصل إلى وجهته دون بهرجة أو تكاليف مبالغ بها، واستطعنا إقناع أنفسنا وغيرنا، أن من يريد أن يعمل بوسعه أن يصل دون انتظار ممول أو داعم أو مانح.
ومما يقوله قصراوي، فإن محافظة طوباس التي ترتبط بلقب ( سلة غذاء فلسطين) باتت اليوم منافسة قوية في سوق الأعشاب الطبية، وتكمل النساء اليوم المهمة بنجاح، في إبداعات مختلفة تخرج عن النمط الدارج.
"نضخ إلى السوق 7 أصناف نصنعها من زيت الزيتون النقي ولا نستخدم ا الزيت القديم أو غير الصالح للاستهلاك، ونجحنا في إدخال أنواع جديدة من الصابون المطعم بالأعشاب ومادة (المورنجا) أو الشجرة الأعجوبة ذات الأصل الأفريقي، وأنتجنا أصنافًا لعلاج البشرة ومستحضرات تجميل، وبدأنا في تقديم مواد للتعامل مع تشققات الأرجل، وأنواعًا لعلاج الأكزيما، وانتقلنا لصنف جديد هو( صابون حليب النوق) الذي كان الأكثر رواجًا بين أصنافنا." |
تروج الشابة ميساء نصر الله لركنها، ويتحلق أطفال ونساء لسماع شرح حول مشروع "صابون طوباس" الذي أطلقته عام 2014، واستطاعت صاحبته المنافسة في تدريب ريادي لخلق فرص عمل ومحاربة البطالة، حتى نالت
جائزة تمويل من مؤسسة الشرق الأدنى بخمسة آلاف دولار، وانطلقت في مشروعها.
تفيد: "نضخ إلى السوق 7 أصناف نصنعها من زيت الزيتون النقي ولا نستخدم الزيت القديم أو غير الصالح للاستهلاك، ونجحنا في إدخال أنواع جديدة من الصابون المطعم بالأعشاب ومادة (المورنجا) أو الشجرة الأعجوبة ذات الأصل الأفريقي، وأنتجنا أصنافًا لعلاج البشرة ومستحضرات تجميل، وبدأنا في تقديم مواد للتعامل مع تشققات الأرجل، وأنواعًا لعلاج الأكزيما، وانتقلنا لصنف جديد هو( صابون حليب النوق) الذي كان الأكثر رواجًا بين أصنافنا."
ويبدو الإصرار من تعابير وجه حرز الله، التي تؤكد أن كثيرين وضعوا العوائق أمامها، وحاولوا منعها من العمل بطريقة أو بأخرى، ويريدون لها كما تقول " أن تظل خارج دائرة المنافسة، وأن لا يعرفها الناس".
شاركت نصر الله في عدة معارض محلية، وأرسلت عينات من صنعها إلى إمارة دبي، كما تسوق منتجاتها في رام الله وداخل فلسطين المحتلة عام 48، وتسعى إلى تصديرها عالمياً.
تتمنى نصر الله أن يدرك المستهلك حقيقة الكلفة العالية لمنتجها، ويكف عن مقارنة السلع الرديئة بالمنتجات الطبيعية الخالية من الإضافات الضارة.
مقاومة بالأعشاب!
من ناحية أخرى يُلاصق الحاج سامي صادق كرسي الإعاقة، فيما تحتل جوار قلبه رصاصة إسرائيلية ذات عيار ثقيل منذ العام 1971، لكن إرادته استطاعت قهر الاحتلال في معركة مفتوحة داخل أراضي قريته العقبة شرق طوباس.
يحتل الشيب رأس صادق (الذي سبق لـمجلتنا نشر قصته الكاملة)، وتلف كوفية فلسطينية كتفيه، أما أفكاره كما يقول، فلا تكف عن مواصلة جولة جديدة من نضال سلمي وقانوني ضد الاحتلال، الذي أراد لقريته أن تكون معسكرًا لتدريبات جيشه، بحجة أن طبيعتها تشبه جنوب لبنان!
رغم الرصاص الذي أطاح بحركة صادق، وأقصاه عن مقاعد الدراسة مبكراً، قرر صادق أن يخوض نضالاً ضد الاحتلال على طريقته، فأسس مشروعات اقتصادية في قريته الصغيرة. وأصبح الحاج صادق، الذي رأى النور في 21 تموز 1955، أيقونة لصمود العقبة.
يفيد: "أطلقنا ثلاث جمعيات أهلية في قريتي، وأسسنا مصنع أعشاب طبية بمغلفات صغيرة ( ليبل)؛ كونها تغيب عن السوق المحلي، ونستوردها من تايوان والصين وبعضها لا نعرف محتوياته. ثم أخذنا نعمل على تطبيقها، ونسقنا جهودنا، وحصلنا على دعم ياباني لافتتاح المصنع في جمعية المرأة الريفية. و يوفر المصنع فرصة عمل لعشرة موظفين، فيما يبيع 150 مزارعاً من الأغوار والعقبة منتجاتهم، وقد بدأنا بالزعتر والنعناع والميرمية، واليانسون، والزعيتمان، وغيرها، وصدرنا كميات منها إلى فنزويلا والكويت، وبدأنا في إنتاج أجبان وألبان، آخرها اللبنة بنكهة بالأعشاب، والتي لاقت رواجًا كبيرًا."
ووفق صادق، فإن مصانع العقبة تشغل 15 عاملاً، وتعتمد في إنتاجها على ما تزرعه من أعشاب ومنتجات، وتغطي العجز من الاستيراد، وبخاصة للقرفة والزنجبيل، بحكم استحالة انتاجهما محليًا.
نماذج ناجحة
يلخص مدير مؤسسة فاتن في طوباس شكري الجراعي أهداف المعرض، فيقول: " قدمنا مساهمة لتمكين المرأة الاقتصادي ودورها الريادي، وانخراطها في أعمال غير نمطية، وتحولت شريحة من النساء إلى منتجات يساعدن أسرهن ويشاركن الرجل في العطاء". ويؤكد أن نساء طوباس شرعن في تقديم نماذج اقتصادية غير تقليدية، وتعدت المشغولات اليدوية والمطرزات والألبان والأجبان، وأهلتهن "فاتن" لرعاية إبداعاتهن وتمكينها، وتوجه قسم منهن إلى الزراعة وتربية الثروة الحوانية وأنشطة تجارية كانت حكرًا على الرجال.
وتفيد رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في طوباس ليلي سعيد أن النساء والجمعيات والأطر المشاركة قدمن قصة أمل وبقاء، والأهم دعوة للمضي في مقاطعة منتجات الاحتلال، والتوجه نحو الاعتماد على الذات، وعدم انتظار المانحين إلى الأبد.
تضيف: "من شاهد إبداعات نساء طوباس والأغوار وأفكارهن الجديدة، وما عرضنه من سلع ومنتجات جديدة ومبتكرة، سيتأكد من دعوة التمكين والصمود الذي تقف المرأة على رأسه، وتشارك الرجل في تقاسم أعباء الحياة."
عمق وتمكين
"العديد من النساء والأسر أطلقن ورش حدادة، وبقالات، ومشاريع زراعية، وحظائر أغنام، ومطاعم منزلية، ومحلات للملابس، وتعاونيات، وغيرها، وساهمن في تعليم أبنائهن وبناء منازل جديدة، وتزويج أولادهن." |
وتلخص منسقة برنامج التمكين الاقتصادي في الشؤون الاجتماعية ( (deep المشترك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي خرج إلى الحياة عام 2014، رنا عوادة: " منحت الوزارة 45 أسرة كانت تصنف حالات خاصة في المحافظة مساعدات لتأسيس مشاريع تنموية ومدرة للدخل، واستطاعت الأسر التي تترأس غالبيتها نساء في تحقيق قفزات نوعية داخل أسرهن، والأهم نقلنا النساء من حالة الإغاثة والإعاشة على المساعدات إلى حالات منتجة وناجحة."
تنطلق عوادة وفريق وزارتها من حكمة صينية قديمة تدعو إلى أن لا نعطي الناس السمك، بل نعلمهم الصيد، وتقول: "العديد من النساء والأسر أطلقن ورش حدادة، وبقالات، ومشاريع زراعية، وحظائر أغنام، ومطاعم منزلية، ومحلات للملابس، وتعاونيات، وغيرها، وساهمن في تعليم أبنائهن وبناء منازل جديدة، وتزويج أولادهن."
وتؤكد رئيسة جمعية طوباس الخيرية مها دراغمة: "سعينا إلى تطوير أفكار جديدة، كإضافة التطريز للملابس الجاهزة للأطفال، وصناعة مستلزمات حديثي الولادة من الغزل اليدوي، وصنع أثاث خشبي عالي الجودة، وسط مطرزات مطعمة به، وإنتاج عسل بإشراف وجهد نسوي خالص، والتوجه نحو الملابس والأحذية بقالب تراثي."
تقدم دراغمة أحدث نموذج على إبداعات "طوباس الخيرية"، فقد تدربت 20 ناشطة فيها على مهارات تصنيع الشموع قبل أيام، واستطعن اليوم تقديم أفكار جديدة فيها بقوالب وألوان وأشكال جديدة، توقف الزائرون عندها، ولم يصدقوا أنها غير مستوردة.
ليلي سعيد رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية
حكاية خيرية
تقدم خيرية صلاحات، 61 عامًا حكايتها، فقد تعرض ابنها لحادث سير، واضطرت على إثره لبيع معظم قطيع الماشية للعائلة لمعالجته داخل المستشفيات الإسرائيلية باهظة التكاليف.
تقول: "استفدت من برنامج التمكين للشؤون الاجتماعية، وبدأنا بـ 10 رؤوس، واليوم صار عندنا 20، وآمل أن يزيد العدد، والأهم أن البرنامج أعاد لنا الأمل، وتحسنت نفسياتنا، وصار لدينا مصدر دخل ثابت، وأعرض اليوم منتجات ألبان وأجبان ولبن مخيض، وأخطط لتعلم السياقة لشراء سيارة لأوزع بضاعتي."
ومما سردته صلاحات، الأم لخمسة أبناء وأربع بنات، أن الراحة النفسية التي تشعر بها النساء من وراء العمل وتحصيل دخل مسألة مهمة، وهي تغير الصورة التي يرسمها الناس عن الذين لا يملكون المال.
وتقدم جمعيات نسوية وأطر أخرى مشغولاتها في المعرض، وتُجمع القائمات عليها أنهن بحاجة للمساعدة في تسويق سلعهن، و تغيير الصورة النمطية عن ارتفاع أسعار منتجاتهن، التي تحتاج لسهر وتعب وأعصاب حتى تخرج إلى الحياة.
وتشرح رئيفة صوافطة من جمعية الشجرة المباركة في طوباس طريقة صناعة "الكتش آب" المحلي، دون حاجة لإضافات كيماوية. تقول:"علينا أن نثق بمنتجنا المحلي، وأن نتوقف عن استيراد كل شيء، ونعود لسيرة جداتنا وأجدادنا الذين صنعوا كل طعامهم ولباسهم ومسكنهم."
aabdkh@yahoo.com