خاص بآفاق البيئة والتنمية
بات انجراف مياه البحر يهدد المنطقة الساحلية لقطاع غزة من رفح جنوباً إلى بيت لاهيا شمالا، (9 كيلو مترات) بشكل ملحوظ وكبير، والتي قد تُسبِّبُ تدمير أرصفة الشوارع الرئيسة، وفي حال التغاضي عن هذه المشكلة أو حتى وضع حلّ جزئي سينتج عنها كارثة بيئية كبيرة في تلك المناطق والتي تعتبر سياحية من جهة، والمتنفس الوحيد للسكان من جهة أخرى.
مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة من أكثر المناطق تأثراً بهذا الحدث البيئي، فانجراف الشاطئ في هذا المخيم جاء بعد ترميمه من قبل الجهات المتخصصة بتمويل خارجي قبل خمس سنوات، ومع مرور الوقت تآكل الشاطئ، وأصبح مداه نتيجة ارتفاع مد وجزر البحر، يقترب من أرصفة الشارع الرئيس.
المواطن "أبو جميل أبو سيف" صاحب أحد المنازل القريبة من البحر، يعرب عن قلقه الشديد من ازدياد نسبة الانجراف، فوضع منزله الحالي مهدد بالخطر، ولولا شاحنات الحجارة التي كانت وزارة الأشغال والبلدية تلقيها أمام المنازل، لكان هذا الشتاء قد أفقده منزله الذي يقطنه منذ سنوات.
وأضاف: "بعد وضع الحجارة عادت أجزاء من الشاطئ التي كانت مدفونة تحت المياه في هذه المنطقة، ما يعني أن تنفيذ مشروع ألسنة متعددة في المناطق سيحل الإشكالية بشكل جيد"، مشيرا إلى أن المنطقة كانت عبارة عن متنزه لسكان المخيم، واليوم أصبح المكان خطيرًا جدا لكافة السكان.
بداية المشكلة
أنشأت وكالة الغوث في العام 2002م جدار حماية مكوناً من أقفاص حديدية مليئة بالصخور لتوقف تقدم المياه باتجاه الشارع ومنازل المواطنين، لكن ومع مضي عشر سنوات على المشروع، لم يعد ذا فائدة بسبب تحطم أجزائه بفعل تلاطم الأمواج.
كما تسبَّبت المنخفضات التي شهدتها البلاد خلال الأعوام القليلة الماضية ارتفاع أمواج البحر بصورة غير مسبوقة، ووصل المد البحري إلى حافة الطرق على طول الخط الساحلي لقطاع غزة، ما أثار خوف المواطنين من حدوث كارثة بيئية خطيرة في المنطقة من امتداد موج البحر إلى الطريق العام شارع "الرشيد" (وهو الشارع الرئيس المطل على البحر المتوسط من أقصى شمال القطاع وحتى جنوبه) دون تراجع.
وخلال جولة على أطراف المخيم أجمع سكان المنطقة على أن المرحلة القادمة خطيرة جدا في حال استمر هذا الانجراف، علما أن منازل المواطنين بالوقت الحالي لا تبعد عن ساحل البحر سوى أمتار قليلة ومن هنا تبدأ الخطورة، كما أن أبراج الإنقاذ التي تستخدمها البلديات قد ابتلعتها مياه البحر.
وذكر المواطنون أنه رغم تأسيس مدرجات إسمنتية مثبتة لاصطياف السكان عليها خلال فترة الصيف، لكن انجراف البحر دمّر كل ما أسسته الجهات المانحة التي عملت بالمشروع، كذلك تُحرم عشرات الأسر من دخلها السنوي الذي يعتمِد على نصب استراحات على شاطئ البحر.
المسافة بين المباني وشاطىء غزة تتقلص باستمرار
التعامل مع الأزمة
وخلال الجولة تم طَرْقُ أبواب الكثير من المؤسسات المختصة بهذا الشأن للاطلاع أكثر، حيث قال مدير المشاريع في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( UNDP) سعيد أبو غزة، أنه "ليس من اختصاصنا هذا الأمر، لكنا ساهمنا بإرسال شاحنات محملة بالحجارة بعد مناشدة بلدية غزة لنا، تم وضعها في المناطق الساحلية لمخيم الشاطئ ودير البلح وخانيونس للمساهمة في الحد من المشكلة القائمة بشكل مؤقت، فحلّ المشكلة يحتاج إلى تمويل كبير ومشروع ممول دوليا ".
بلدية غزة لم تقف صامتة تجاه هذه الأزمة، حيث قامت بمراسلة كافة الجهات المعنية مثل ( وزارة الحكم المحلي، والأشغال العامة، ومنظمات الأمم المتحدة، وسلطة البيئة ) بانتظار ردٍّ ايجابيّ لهذه الأزمة.
وأوضح المهندس عبد الرحيم أبو القمبز مدير عام الصحة والبيئة في بلدية غزة أن البلدية تعمل جاهدة للحفاظ على شاطئ غزة بشكل عام، ووضع حلول لمناطق الانجراف التي تحصل على امتداد الشاطئ. منوها أن متوسط حجم التآكل سنويا متران يزدادان ويقلاّن حسب القرب من الميناء، وقد أظهرت الدراسات أن حجم الشاطئ الذي فُقد على امتداد السنوات العشر الماضية زاد عن 37 مترا.
وبيّن " أبو القمبز " أن من أكثر المناطق التي تأثرت هي المنطقة الواقعة شمال ميناء الصيادين حيث حدث انجراف باتجاه الطريق العام، الأمر الذي سيؤدي إلى انهيار الطريق كلياً في حال استمر الوضع دون معالجة.
متابعة البلدية لهذه المشكلة تتمثل بإرسال شاحنات بين فترة وأخرى، محملة بالباطون وبقايا البيوت المهدمة ووضعها في منطقة الشاطئ الساحلية للحد من تجاوز الأزمة القائمة وحماية شارع الرشيد، والذي سيتأثر بشكل كبير حال عدم إيجاد مشروع لترميم المنطقة.
وطالب " أبو القمبز" بضرورة الإسراع في التنسيق مع المانحين وخاصة اللجنة القطرية بتمويل مشروع إنشاء ألسنة في منطقة مخيم الشاطئ الساحلي، والذي يعتبر امتداداً لشارع الرشيد الذي تموله قطر حاليا.
أسباب الانجراف..
تشير إحصائيات صادرة عن سلطة البيئة أن البحر تقدم خلال الثلاثين سنة الماضية في مخيم الشاطئ لمسافة 120 مترا، وقدرت مسافة التقدم ما بين متر إلى مترين سنويا وهي مسافة ليست بالهينة وفق المختصين.
واعتبر الخبير البيئي د.عبد المجيد نصار أن ظاهرة الانجراف هي حالة طبيعية فرمال البحر تتجه من الجنوب للشمال، لكن عندما تقام الألسنة والحواجز بالبحر يحدث تآكل وحجز للرمال مما يسبب انجرافاً بمياه البحر باتجاه الشاطئ بشكل سريع.
وكشف " نصار " في حديثه مع المجلة، أن إنشاء الألسنة والحواجز حتى لو كانت بسيطة، فهي تسبب مزيداً من الانجراف، وتحجب الرمال التي من المفترض أن تتجه نحو المنطقة المنجرفة.
ويستطرد:"هذه الظاهرة تستمر، ولربما ينجرف الشارع وتدخل المياه للمنازل المجاورة للشاطئ خلال المرحلة القادمة، في حال لم يتم إنشاء حواجز صخرية أو إسمنتية أو كسارات للأمواج، تكسر قوة موج البحر إلى الأمام وتحافظ على الشاطئ بشكل عام".
شواطىء غزة تتآكل عاما بعد عام
الميناء والمناخ
وبيّن أن سبب حدوث الانجراف هو إقامة ميناء غزة البحري بشكل هندسي خاطئ دون إكمال بنائه على قواعد سليمة، وامتداد لسان الميناء ما سبب حصر الرمال بالمنطقة الجنوبية وحال دون وصولها للجهة الشمالية، كذلك هناك سببٌ طبيعي يتلخص فيما أثبتته الهيئة المعنية بتغير المناخ في الأمم المتحدة بأن البحر المتوسط تمدد في القرن الماضي مسافة 17 سم.
ووفق نصار فإن عرض الشاطئ في المنطقة الواقعة بالقرب من حي "السودانية" في العام 2004 بلغ 143م، لكن ذلك العرض تقلص مع حلول العام الجاري ليصل لــــ106، أي أن المنطقة فقدت 37 مترا من الشاطئ خلال عشر سنوات.
وشدد نصار على أن الحماية الحقيقية للشواطئ بشكل عام تحتاج إلى دعم ومشاريع كبيرة تنهي الأزمة، وتكمن بإنشاء كواسر في عرض البحر بطول 150 متراً تقريبا، وتفصل بينهم مسافة تقدر بقرابة 400م، منوها في نفس الوقت أن الكواسر تحتاج لإمكانيات ضخمة لا تملكها أي جهة في قطاع غزة.
فيما نفت وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين أن يكون لديها معلومات أو وصلتها مناشدات حول موضوع انجراف مياه البحر باتجاه الطريق العام بشكل ملحوظ.
وقال "عدنان أبو حسنة " خلال اتصال هاتفي :" أن الأونروا لم يكن معها علم بموضوع انجراف الشاطئ، فيما أرسلت بلدية غزة عدة خطابات للمفوض العام للأونروا لإنهاء أزمة الشاطئ، ولكن حتى اليوم لا يوجد رد على هذه المخاطبات من قبل الوكالة".
مدير عام سلطة جودة البيئة، " م. بهاء الأغا " أكد على خطورة الوضع، فإن لم يتم إيجاد حلول له ستتفاقم المشكلة. لافتاً إلى عقد كافة البلديات والجهات المسؤولة اجتماعاً طارئاً لوضع حلول للكارثة التي قد تحدث بأي لحظة، مشيراً إلى أن هناك مناطق في مخيم الشاطئ، وصلتها مياه البحر خلال المنخفض الأخير، ما يعد مؤشراً خطيراً.
إنهاء المعاناة!
وقال: "قدمنا طلباً لرئيس الوزراء في حكومة التوافق " رامي الحمدلله " لإنهاء هذه المعاناة من خلال إيجاد تمويل خارجي يسعى من خلاله لوضع حلول جذرية للشاطئ، لكن حتى اليوم لا توجد أي استجابة".
وذكر "الأغا" أن بلدية غزة تعالج الأزمة مؤقتا تجنبا من ازديادها، فإمكانيات بلديته لا تسمح بعمل أي حلول حالية، لكن التآكل يزيد، والخطورة تتسع بين فترة وأخرى، ولا تجد البلدية أمامها سوى المناشدة وتعريف المسؤولين بالخطر المحدق.
وفي جنوب قطاع غزة، طالب مختصون بمجال البيئة والصحة بضرورة إجراء دراسة علمية يشارك فيها الخبراء من كافة الجهات ذات العلاقة من أجل تحديد ظاهرة انجراف وتآكل جزء من شارع الرشيد الساحلي في مدينة خان يونس ورفح، واصفين "الانجراف" الأخير بالخطير جداً عازين أسبابه لإجراءات يقوم بها بعض المواطنين والمؤسسات من خلال إنشاء منشآت تهدد سلامة الشاطئ.
وأوضح رئيس بلدية خان يونس المهندس يحيى الأسطل أن شاطئ البحر يعدُّ المتنفس الوحيد لكافة المواطنين، وقد تم ملاحظة انهيار وتآكل جزء من الشارع، وهذه الظاهرة تهدد كافة شواطئ القطاع.
ودعا الأسطل كافة المسؤولين بأخذ دورهم في دراسة المشكلة ووضع الحلول العلمية، وأشار إلى أنه ومن خلال المناشدات وجد أن سلطة البيئة انتهت من تجهيز مشروع قائم على استغلال ركام الحرب الأخيرة في عمل ألسنة، ولكن المشروع يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، وسلطة البيئة تعلق آمالا على أن تشملها مشاريع إعادة إعمار غزة، خاصة وأنها تترأس لجنة التخلص الآمن من الركام.
وعودة إلى مدير عام حماية البيئة م. بهاء الأغا فقد قال أن ظاهرة :"انجراف الشاطئ" بدأت تتزايد خلال الفترة الأخيرة في أكثر من منطقة، واصفاً حادثة مدينة خان يونس بأخطرها بعد مدينة رفح- حيث تسبب الانجراف البحري في انهيار جزء من الشارع العام المطل على البحر في منطقة خان يونس خلال الشهر الماضي.
وأوضح أن إنشاء ميناء مصري على بعد 2 كم من الحدود المصرية الفلسطينية وبعمق (260) متراً تقريباً، سيؤثر بشكل ملحوظ في بحر شاطئ رفح، حيث يصل معدل تآكل الشاطئ إلى (3) متر سنوياً، داعياً الأشقاء في جمهورية مصر العربية إلى تعويض الرمال التي يحجزها هذا الميناء للشواطئ الفلسطينية.
وفي دراسة أعدها الدكتور مازن أبو الطيف الخبير في إدارة السواحل والمحاضر في قسم الهندسة البيئية في الجامعة الإسلامية، فقد نصح بإزالة ميناء غزة البحري وإعادة بنائه على أسس وقواعد علمية، كحل أساسي لمواجهة ظاهرة التآكل خاصة في ظل الانهيارات المتكررة التي تحدث بداخله ولكونه أنشئ بشكل عشوائي وغير مدروس بتكلفة تقدر ب30 ألف دولار.
كما أكد أبو الطيف أن ظاهرة النحر موجودة منذ العام 72م لكنها بدت تتضح بعد الانتهاء من إنشاء الميناء في العام 98م، فأكثر من 160 مترا أصبحت داخل البحر في بعض المناطق.
ويجد أبو القمبز أن إعادة إنشاء الميناء مقترح خيالي في ظل عدم إمكانية تطبيق مشاريع أقل تكلفة، مؤكدا أن الخيارات عند إنشاء الميناء كانت محدودة، خاصة مع رفض الاحتلال إنشاءه شمال القطاع لكونه سيؤدي للنحر في شواطئ الاحتلال.