جنون آذار: حر وبرد وشتاء وغبار وثمار مبكرة جدًا!

أزهار أشجار الأكاسيا تفتحت هذا العام خلال شهر شباط بدلا من أواخر آذار وأوائل نيسان
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تراقب آذار الفائت، الفصل الانتقالي بين الشتاء والربيع، فتجد العجب العجاب. كمثال تلخيصي على "تطرف" الشهر الثالث من العام، يمكن مقارنته بسرعة مع نظرائه في الأعوام السابقة، لنصل إلى الاستنتاج أو المؤشر.
فقد شهد النصف الأول من الشهر حالات استثنائية، إذ ارتفعت درجات الحرارة بين 7-9 درجات أعلى من معدلها المعهود، وتخلى الكثيرون عن ملابسهم الربيعية، وعجلوا في ارتداء زي الصيف، ثم عادت وفي الرابع عشر منه الأمطار والحرارة الأقل بنحو 5 درجات من معدلها، سبقتها موجة غبار قوية ورياح عاتية، كسرت حاجز 90 كم في الساعة، ورجعت الملابس الثقيلة وأغاني السيدة فيروز المبشرة بإياب الشتاء.
تتجول خلال الأسبوعين الأولين من الشهر في جبال نابلس ومرج ابن عامر والأغوار وبيت لحم، وتوثق حالات عديدة لما يحمله هذا الشهر. الأغرب ما رصدته عينك الإلكترونية من مشاهد نضوج شجرة توت مهجنة وإكتمال ثمارها وورقها ( فيما كانت أشجار التوت الأخرى بلا أوراق بعد)، وتفتحت أزهار أشجار الأكاسيا غير الأصلية قبل نحو شهر من موعدها ( في عام 2005 أورقت الأشجار في النصف الأول من نيسان)، فيما تأهلت ثمار اللوز للدخول في مرحلة الصلابة ( التي كنا نطلق عليها في الطفولة التخشيب) بوقت أسرع من المعتاد، أما الأزهار البرية والنباتات فقد بدت، قبل آخر شتاء عابر، صفراء مرهقة وكأنها تودع ربيعها الذي لم يبدأ بعد.
اللوز دخل مرحلة الصلابة خلال شهر آذار
تخصص حيزًا من الوقت لحوار رجال ونساء معمرين، تسألهم عن مقارناتهم وتجاربهم الشخصية لآذارنا الحالي بأقرانه في سنوات شبابهم.
مما يؤكده الرواة أن الشتاء قديمًا كان أكثر بركة وبرد ومطر، أما اليوم فبالكاد تمطر الغيمة لوقت قصير، ثم يغيب الشتاء فترة طويلة. الحاج محمد يوسف إبراهيم، واحد من الشهود على "سنوات عسل" كما اسماها، وفيها كانوا يجلسون في بيوتهم لأربعين يومًا، قبل أن يعودوا إلى أعمالهم لشدة المطر، الذي لم يكن يشهد فترات انقطاعات طويلة. ويطلق آخرون تسمية ( لزبات) للدلالة على حالة الجو الشتوية الممتدة لأيام عددية، دون أن يتمكن الجار من الوصول إلى جاره للسمر والتزاور.
ووفق التاريخ المطري لفلسطين كان عام 1921، الأعلى هطولًا خلال قرن. هطل على جنين بـكمية بلغت 1234 ملم. وخلال عام 1992 شهدت فلسطين أمطارًا بمعدلات عالية، بلغت 1388 ملم في نابلس.
شجرة توت تعطي ثمارها في مطلع آذار!
وعلى النقيض، مرت على فلسطين سنوات جافة خلال أعوام: 1951و1960و1979، و1999 و2001 و2008. وتراوحت الهطولات المطرية بين 200 و300 ملم خلال سنوات الجفاف.
إذا ما عدنا إلى متوسط عدد المنخفضات التي تتعرض لها فلسطين، وهي 24 منخفضًا في العام الواحد، فإن الشتاء الحالي لم يشهد عمقًا في الفعاليات الماطرة، وتوسعت فترات الانقطاع بين المنخفض والآخر لأكثر من أسبوع في أكثر من مناسبة، وكانت السمة العامة لأشهر: كانون الأول والثاني وشباط مماثلة من حيث الجفاف، في وقت تكرر توزيع المنخفضات غير الشامل، فكانت إما للمناطق الشمالية من فلسطين التاريخية، أو للوسط والجنوب دون الشمال، فيما كان نصيب المناطق الجنوبية أكبر في كميات الهطول عمومًا، فيما شهدت دول الخليج العربي الصحراوية فيضانات في النصف الأول من آذار، كما حالَ بالإمارات.
ختامًا، يستدعي حال الشتاء الحالي عموماً وآذار على وجه التخصيص، الدراسة والتحليل العلمي والعميق لمعدل الأمطار وتوزيعه وأماكن سقوطه وتذبذب الحرارة، وتتبع تداعيات التقلبات الجوية والجفاف على التنوع الحيوي، وتوقيت الثمار والإزهار، وملاحظة تراجع هجرة الطيور الربيعية ودلالاته، وغيرها مما قد يؤشر لبدايات عهد التغير المناخي، الذي سندفع ثمنه إن حل بنا.
aabdkh@yahoo.com