لبنان / خاص: في دفيئة بلاستيكية رطبة في سهل البقاع اللبناني يرعى عالم سوري أوراق نباتات الحمص والعدس والقمح التي قد تسهم في يوم من الأيام في سد احتياجات الشعب السوري بعد الحرب.
ويشارك فوزي سعيد في فريق يحاول تأمين مستقبل الزراعة في سوريا وفي العالم، بإعادة تكوين تشكيلة من البذور المخزنة في مدينة حلب السورية، المعرضة لخطر التدمير في الحرب التي تدخل هذه الأيام عامها السادس.
فقد تسببت الاشتباكات في قطع الطريق المؤدي إلى مركز البحوث الواقع على بعد 30 كيلومترا من حلب. وبسبب تكرر انقطاع الكهرباء لم يعد بوسع العلماء ضمان سلامة 150 ألف بذرة محفوظة بالتجميد تضم التاريخ الجيني ومستقبل المحاصيل الغذائية في العالم.
وقال سعيد، الباحث المساعد في الفرع اللبناني للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) "يوجد كنز في حلب. لا يوجد في العالم شيء مثله من حيث التنوع والبذور وما يتم هناك من عمل".
فالاحتفاظ بنسخ من الأنواع البرية والمستنبطة من المحاصيل الأساسية، مثل القمح والشعير والفول، أمر له أهميته بالنسبة للأمن الغذائي العالمي.
ويستخدم العلماء خواصها المختلفة في استنباط أنواع جديدة مقاومة للأمراض والحشرات أو ظروف الجفاف.
وكانت البيئة الجافة في حلب مثالية للبحوث في كيفية تغذية أعداد السكان المتنامية في المناطق القاحلة.
وقال حسن مشلب، مدير المركز في لبنان، أن أنواع القمح التي تم استنباطها في المركز الدولي في سوريا ذات الموارد المائية الفقيرة ساعدت في تحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح في منتصف التسعينات.
وقد تمكن فريق المركز في لبنان من إنقاذ بعض البذور الفريدة من حلب، واستعارة حوالي 14 ألف بذرة حتى الآن من مؤسسات بحثية في مختلف أنحاء العالم، والاستفادة من مخزون الطوارئ في قبو تحت الأرض في جزر سفالبارد النرويجية قرب القطب الشمالي يضم نحو 8000 نوع من البذور.
وكانت تلك أول عملية سحب لكمية من البذور من قبو سفالبارد، الذي يهدف لحماية بذور المحاصيل من أي أزمات نووية ومن الكوارث الطبيعية والحروب.
وقال مشلب "قررنا قبل فترة أننا الآن في وضع طارئ. في الأشهر القليلة الماضية وبسبب تصاعد القتال حول حلب لم نتمكن من الوصول إلى المركز لمعرفة حالة البذور".
وأرغمت الحرب السورية المركز على نقل مقره الرئيسي في عام 2012 من حلب إلى سهل البقاع الخصب في لبنان، على بعد سبعة كيلومترات من الحدود السورية.
وظل بوسع العاملين دخول المركز للحفاظ على إمدادات الكهرباء لأجهزة التبريد، غير أن قوات حكومة الرئيس السوري بشار الأسد صعدت في أواخر العام الماضي هجماتها بدعم من الضربات الجوية الروسية حول حلب وأصبح الوصول إلى بنك البذور مستحيلا.
الآن أصبح سهل البقاع يستضيف الكثير من اللاجئين السوريين الذين يعيشون بين حقول الأعشاب والخضر، بعد أن كان في يوم من الأيام قاعدة للجنود السوريين خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما وانتهت عام 1990.
وانتقل فوزي سعيد من حلب حيث كان يعمل بالمركز منذ أيامه الأولى. ويأمل سعيد، بخلاف إعادة تكوين تشكيلة البذور الموجودة في حلب أن يواصل أبحاث المركز لتحسين الإنتاجية الزراعية في المناطق الجافة. وما إن تنبت البراعم الخضراء بذورها يتم تخزين النسخ المطابقة من الناحية البيولوجية في بنك جديد للجينات يقوم المركز ببنائه في لبنان لتكوين تشكيلة من البذور مماثلة لتشكيلة حلب.
ثم تعاد البذور الأصلية بعد إكثارها إلى القبو الخاص بها في النرويج وغيره من المؤسسات المانحة. وقال مشلب أن إعادة زراعة 150 ألفا من البذور وتخزينها وتصنيفها سيستغرق وقتا، لكن الفريق يأمل استئناف عمله داخل سوريا في يوم من الأيام.وقال سعيد "إن شاء الله تتحسن الأحوال (في حلب) ونتمكن من أخذ بذورنا والعودة لإجراء أبحاثنا العلمية التي ستفيد العالم كله".