
العقبات والقيود لاستراتيجيات التنمية الاشتراكية لتحقيق مساواة النوع الاجتماعي
تأتي هذه الورقة كتحليل لبعض الطروحات التنموية التي بدأت تجتاح العالم الثالث منذ سبعينيات القرن الماضي, وهي جاءت كتطبيقات لنماذج-تم افتراض انها مثالية- من قبل الممولين الخارجيين الذين تبنوا سياسات تنموية طبقت في بلدانهم اضافة الى البنك الدولي الذي بدأ بضخ الاموال لصالح مشاريع تنموية على شكل هبات للمجتمعات في دول العالم الثالث (مصحوبة بفوائد مضاعفة تكرس التبعية، قد لا تظهر بجانب واضح في هذا الشق من المقال الا انه توجب ذكرها), ان التحليل مبنٍ على بعض المقالات العلمية-انظر المراجع- علماً بأن الكاتبة تطرقت لبعض الجوانب على ان تستكمل في ورقة لاحقة.
قامت الاشتراكية بالعمل على وضع قوانين وتشريعات لإعطاء مساواة للمرأة وذلك لسببين هما مبدأ الاشتراكية الذي تلتزم فيه بتخليص المرأة من الاضطهاد الواقع عليها واعطائها المساواة والثاني لضرورة القيام بعملية التنمية حيث لا تتحقق التنمية من دون تحرير المرأة وإدخالها نطاق العمل, ولأن الاشتراكية تؤمن بدور المرأة في عملية التنمية، فقد قامت بعمل تحولات اقتصادية واجتماعية واسعة لإدماج المرأة في تلك العملية.
وترى الاشتراكية ان أهم عناصر اضطهاد المرأة هو وجود الطبقية في المجتمع, وبالتالي قامت بسن العديد من التشريعات لالغاء الطبقية والملكية الشخصية، حيث ترى أنها نتاج تكريس الملكية الخاصة, والموجودة في النظام الرأسمالي الذي عملت على هدمه, ولعل اهم العقبات والقيود لإستراتيجيات التنمية التي اعتمدتها الأنظمة الاشتراكية هي انها لم تبحث في طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، وافترضت ان اضطهاد المرأة نتيجة للطبقية وبالتالي وضعت الرجل في نفس مستوى الاضطهاد، واعتبرت انه هو الاخر مضطهد من قبل النظام الطبقي, بينما لم تبحث في طبيعة العلاقات بين النوعين واضطهاد الرجل للمرأة في ظل النظام الأبوي السلطوي.
كما انها بدمجها المرأة في عملية التنمية كرست دور المرأة التقليدي باعتبارها تتحمل مسؤولية الاعمال المنزلية وتربية الأبناء، ومن هنا جاءت تلك القوانين التي سنتها لتوفير الخدمات المنزلية من دور حضانات ورعاية منزلية للمشاركة في ادماج المرأة في التنمية، مكرسةً الدور التقليدي للمرأة المنحصر بالأعمال المنزلية بدون البحث في تقسيم تلك الأعباء بين الرجل والمرأة واعتبرتها من مسؤولية المرأة وحدها, كما زادت من أعباء المرأة بخروجها للعمل بأجر اضافة الى أنها هي المسؤولة عن الاعمال المنزلية وتربية الابناء.
ولم تراعِ تلك السياسات الفروقات الثقافية بين البلدان المختلفة وبالتالي لا يمكن تطبيق السياسات في كل بلدان العالم كونها تفتقد الى الخلفية التاريخية والمصادر الثقافية الموحدة, وكل بلد له خصوصيته ومصادره المختلفة, كما يجب الأخذ بعين الاعتبار عوامل العادات والتقاليد والدين والبدء بالتغيير بشكل تدريجي يتماشى مع خصوصية كل بلد, ويتم ادخال التغييرات تدريجياً ليتقبلها المجتمع, يرافقها تعديلات جذرية في البناء المؤسسي, اضافة الى ان هذه السياسات والاستراتيجيات وضعت قوانين لحماية المرأة من العمل في بعض الاعمال مثل العمل في المناجم، وهنا كرست تقسيم العمل على أساس الجنس, كما كرست دونية المرأة واعتبرتها اضعف من الرجل.
ايضا قامت بإدماج المرأة بالأعمال المتدنية وتخصيص العمل بناء على النوع الاجتماعي وبالتالي حصرت المرأة في نطاقات عمل محددة وفي تخصصات علمية محددة وهنا كرست عملية عدم المساواة وظلم المرأة ودونيتها, حيث لم تصل للمراكز القيادية والتخصصات العلمية التي انحصرت في الرجل الذي حقق اجورا أعلى فيما بعد. اخيرا شملت الاستراتيجيات مجالات متعددة ومتنوعة ولكن العقبات بقيت قائمة، حيث لم تعمل على تغيير الفكر ليتماشى مع تطبيق هذه السياسات، وبقيت المرأة مضطهدة ودونية وتعاني من سلطة النظام الابوي.
المقارنة بين النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي فيما يتعلق بالمرأة
من الناحية الايدولوجية ترى مولينور ان المجتمعات الاشتراكية تنظر الى ضرورة تحرير المرأة من الظلم الذي عاشته قبل الثورة بحيث تنظر الى اضطهادها كمشكلة سياسية واجتماعية من شأن الحكومة حلّها, ولكن الأنظمة الرأسمالية، تعتبر تحرر المرأة مجال خاص ومسؤولية شخصية للمرأة ولكل "امرأة" الحرية في تحقيقها وبكل السبل التي تريد, اما بالنسبة للعمل فإن الاشتراكية ترى ضرورة عمل المرأة وإشراكها في التنمية (اخرجت المرأة من المجال الخاص الى العام للمشاركة في الانتاج) لهذا اقرّت العديد من التشريعات لمساعدتها في الخروج من البيت للعمل مثل رعاية الامور المنزلية.
بينما تنظر الرأسمالية للمرأة كجندي احتياط يتم ادماجها في التنمية متى كانت الحاجة لها ويتم الاستغناء عنها متى انقضت الحاجة, وترى الرأسمالية أن الاشتراكية في تشجيع الحركة النسوية لم يكن لإعطاء المرأة حقها انما كان بناء على قرار الحزب السياسي وحسب احتياجاته واستغلت المرأة كونها وحدة انتاجية حيث طالبت بتحررها حتى تساهم في الانتاج.
وفيما يتعلق بالاضطهاد الواقع على المرأة من قبل المجتمع، فترى الاشتراكية بضرورة تحرير المرأة بعمل تحولات اجتماعية واقتصادية شاملة حيث اصل الاضطهاد طبقي وازالة الطبقية يحرّك الاضطهاد, واحيانا كانت تشمل قطاعاً دون الاخر وبعض الدول كانت تطبق النظم الاشتراكية والرأسمالية معا ومدى تقبل المجتمع للتغيير يختلف حسب القطاع ويتخد كل تغيير وقت مختلف عن الآخر, وركزت على العائلة كوحدة اقتصادية تشكل اللبنة الاساسية للمجتمع ضمن مؤسسة الزواج.
اما الرأسمالية فهي ترى أن عملية التحرير نسبية تتعلق بكل امرأة حسب مجالها الخاص, كما ترى ان تحرير المرأة يشمل علاقات خارج مؤسسة الزواج أباحتها لها كما طالبت بحقوق المثليين. بالنسبة للنظام الاشتراكي يكون الحلّ بعمل ثورة على الانظمة الراسمالية التي تزيد من الطبقية وتكرس خضوع المرأة ودونيتها, اما الرأسمالية فترى الحل بادخال سياسات تنموية تبنى على الحرية الفردية وعدم تدخل الدولة، مما يعطي المجال لظهور الطبقية حيث ينشط القطاع الخاص على حساب القطاع العام، وهذا يزيد من اضطهاد المرأة وقمعها, وقد سمحت الاشتراكية بوصول المرأة الى مختلف المجالات ومساعدتها في الخروج من المنزل للعمل رغم زيادة أعبائها, وحتى ولو كان عملها يخدم احتياجات وتوجهات الحزب الاساسية.
الدروس المستفادة من النظامين الاشتراكي والرأسمالي
بداية فإن لإدخال اي تعديلات وتبني أي سياسات تنموية جديدة يجب أن يتم ادخال تعديلات جذرية شاملة تشمل سياسات تنموية اجتماعية، إقتصادية، من اجل الوصول الى تنمية شاملة, ووضع سياسات تنموية تضمن للمراة الوصول الى كافة مجالات العمل كالرجل, وذلك بعدم تخصيص العمل على اساس الجنس بحيث تحتفظ المرأة بالوظائف الدونية ويصبح كل ما هو دوني من اعمال المرأة, وبحيث يتم تبني السياسات بناءً على احتياجات النوع الاجتماعي وملاءمته لكل الوظائف, ولبناء الاسترتيجيات يجب هدم النظم الليبيرالية والملكية الخاصة او تقويضها بحيث يصبح الوصول الى الموارد اسهل لكلا النوعين الاجتماعيين.
ويجب ان تكون السياسات ملائمة لخصائص وظروف كل بلد بحيث لا تكون دخيلة ومتنافية مع عاداته, ويتم تغيير المجتمع بشكل تدريجي, كما انه من المهم ان نترك المجال بحرية للمرأة لاختيار التخصصات ضمن سياسات لا توجهها بالباطن نحو تخصص قائم على اساس الجنس, كأن تتعلم في حقل معين, او تعمل في مجال معين, والأهم هو توزيع الاعمال والأعباء المنزلية بين الرجل والمرأة وعدم تركها على عاتق المرأة, بل يجب سن تشريعات وقوانين تقوم على اساس مساهمة الرجل في الأعباء المنزلية كالمرأة وعدم تقسيمها على اساس الجنس, وتوفير بدائل لكلاهما من دور حضانات, تأمينات, رعاية اذا ما اردنا دمجهما معا في عملية التنمية.
هل تصلح GAD لتكون جسرا للهوة في النهج الاشتراكي؟
تقوم GAD بدراسة علاقات القوة بين النوعين, وبدراسة دور الدولة في سن القوانين والتشريعات وتقليص دور النظام الأبوي الذي يمثل المؤسسة الكبرى لاضطهاد المرأة, ويبحث في التحرير الاقتصادي كمدخل للتحرير الاجتماعي، ولأن النهج الاشتراكي يعتبر دمج المرأة في التنمية اساسا لتحررها ويزيد من اعبائها بعدم اشراك الرجل في الاعمال المنزلية وادواره الاجتماعية الاخرى, فإنGAD اذا ما تم اتخاذه كنهج ممكن ان يجسر الهوة في النهج الاشتراكي, ذلك انه سيقوض سلطة الرجل المهيمن وسيجعله يتقاسم الاعمال المنزلية مع المرأة اذا ما تم اتخاذه كسياسة.
ولكن علينا اولا اعادة بناء الادوار الاجتماعية لكل من الرجل والمرأة وليس ادماج احدهما في مجال عام والاخر خاص, او زيادة اعباء احدهما, اذا ما تم اعادة بناء علاقات القوة وتوزيع الأدوار فإنه سيسد الثغرات الموجودة في النهج الاشتراكي، اي ممكن ان يكون نهجا للبناء, ولكن هذا بحاجة لسياسات وضغط من قبل الدولة في تغذية المؤسسات المختلفة به, ولضمان عدم اضطهاد المرأة او حتى الرجل.
قد تكون GAD اطارا نظريا ومدخلا للبناء في فلسطين- حيث يصعب تطبيقه عملياً بسبب ظروف فلسطين الخاصة ووقوعها تحت الاحتلال -اذا تم ادخاله كمدخل للتعديلات في بناء المؤسسات بدءاً من المؤسسات الحكومية والقطاع العام ليتم دمج المرأة في كافة القطاعات والمؤسسات حتى الذكورية منها, وإذا ما تم صياغة القوانين والتشريعات فيجب ان تكون بناءً على طبيعة الادوار الاجتماعية بعد ادخال التعديلات فيها.
وممكن ان يكون اطارا نظريا ولكن في ظل ظروف فلسطين فإنه بحاجة الى اكثر من ذلك، حيث نحن بحاجة لبناء مؤسسات الدولة على اساس علاقات النوع الاجتماعي والادوار المنوطه بها، ويصعب تحقيق ذلك في ظل نظام مؤسساتي أبوي وذكوري يقسم فيه العمل على اساس الجنس, وتستثنى فيه النساء من قطاعات توصف بالذكورية, اذا ما اردنا صياغة قوانين وتشريعات معتمدين علاقات النوع الاجتماعي من حيث علاقات القوة والسيطرة والنظام االابوي, وهنا سيتم التصادم مع المؤسسة الابوية الذكورية الرسمية, ما يجعله نهجاً صعب التطبيق في فلسطين, او حتى في دول تعتبر نفسها متقدمة اقتصاديا وثقافيا وسياسياً، لأن أولى العقبات هو الاصطدام بالنظام الابوي الذي يترأسه اصحاب النفوذ من الرجال واحيانا النساء.
المراجع
-Boserup,Ester.Women`s Role in Economic Development.. "The Design of Female Education", Ch.12. Earthscan Publication. London.
- Diane, Elson and Ruth Pearson "The Subordination of Women and the Internalization of Factory production" . Of Marriage and the Market. Ch.2.Routledge, London and NewYourk.
- Maxine, Molyneux. "Women in Socialist Societies: Problem of Theory and Practice" .(21).