محمد خبيصة وعلا عطا الله/ غزة ورام الله: أعلنت وزارة الاقتصاد الفلسطينية في الثاني من شباط الماضي، عن قائمة السعر الإسترشادي للسلع الأساسية المتداولة بالأراضي الفلسطينية في محاولة لضبط الأسعار التي ارتفعت عقب صعود الدولار أمام الشيكل الإسرائيلي.
وقال اقتصاديون فلسطينيون إن الارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الشيكل الإسرائيلي، سيؤدي لإرتفاع مستمر في أسعار السلع في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما ينعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين وكذلك الحركة الشرائية في الأسواق، وسيشكل عبئا جديدا خاصة لسكان قطاع غزة المحاصرين من قبل إسرائيل منذ عام 2007.
وأضاف الاقتصاديون أن ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض قيمة الشيكل الإسرائيلي، سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة من خارج إسرائيل.
وتراجع سعر صرف الشيكل أمام الدولار الأمريكي على مدار الفترة الماضية ليصل قرب أدنى مستوياته منذ عام 2007، وبلغ سعر الدولار 3.93 شيكل بحسب بيانات بنك إسرائيل المركزي في أوائل شباط الماضي، بينما بلغ سعر الدولار في شهر حزيران الماضي 3.4 شيكل.
وستواصل قيمة الدولار في الأسواق العالمية ارتفاعها، نظرا للمكاسب التي يحققها مؤخرا الاقتصاد الأمريكي، وفق ما قاله خبراء اقتصاد.
وقال خبير الاقتصاد الفلسطيني سمير أبو مدللة، إنه بعد إغلاق الأنفاق الحدودية المنتشرة على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، واعتماد سكان القطاع (أكثر من 1.8 مليون فلسطيني)، على توفير 85% من احتياجاتهم السلعية من إسرائيل، فإن الحركة الشرائية في القطاع ستتأثر بالسلب مع ارتفاع سعر الدولار.
وأضاف أبو مدللة أنّ هموما جديدة ستقع على كاهل المواطن في قطاع غزة، في حال استمر هبوط الشيكل الإسرائيلي أمام الدولار الأمريكي.
وتعد عملة الشيكل الإسرائيلي، العملة الأولى الرسمية المتداولة في السوق الفلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وهي العملة التي تتم بها المعاملات المحلية اليومية، وغالبية الموظفين يتقاضون رواتبهم بالعملة الإسرائيلية.
ويأتي الدولار الأمريكي والدينار الأردني في المركز الثاني من حيث التداول وحركة البيع والشراء وفقا لأصحاب محلات الصرافة.
وتقوم السلطة الفلسطينية بتحويل العملات الصعبة للبنوك الإسرائيلية في مقابل الحصول على الشيكل لتغطية مصروفاتها ومرتبات موظفيها.
وقال سمير أبو مدللة إنه في السابق كان القطاع يحصل على 65% من السلع عبر الأنفاق لتشكل البضائع المصرية الجزء الأكبر منها، والتي كانت تتميز بانخفاض أسعارها، وأنها في متناول الجميع، ولكن اليوم بات اعتماد القطاع بشكل كلي على البضائع المستوردة من إسرائيل والخارج.
وشكلّت الأنفاق الحدودية المنتشرة على طول الحدود المصرية الفلسطينية، في الأعوام القليلة الماضية متنفسا رئيسيا لسكان غزة لمواجهة الحصار الخانق الذي فرضتّه إسرائيل على القطاع منذ عام 2007.
وفي الوقت الحالي، باتت الأنفاق في حالة شلل تام، عقب حملة الهدم المكثفة والمستمرة التي يشنها الجيش المصري عليها منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في عام 2013.
ويرى أبو مدللة، أن التجار في القطاع سيقومون برفع أسعار السلع بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، وهو ما سينعكس بالسلب على المستهلك والقدرة الشرائية بشكل عام.
وقال المتحدث باسم وزارة الاقتصاد الوطني في حكومة التوافق الفلسطينية عزمي عبد الرحمن، إن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الشيكل، زاد من أسعار السلع المستوردة في الضفة الغربية والتي تستوردها إسرائيل من الخارج وتدفع قيمتها بالدولار.
وأضاف عبد الرحمن، بعد إعلان الوزارة قائمة بأسعار السلع الأساسية في السوق الفلسطينية، إن ارتفاع الدولار أظهر حالة من الفوضى في أسعار السلع بين التجار.
وقال عبد الرحمن: تشهد السوق الفلسطينية ارتفاعاً أكبر في أسعار السلع الأساسية، كالطحين (الدقيق) والأرز، والأدوية، والزيوت النباتية وغيرها من السلع الأساسية، لكن انخفاض أسعار النفط عالمياً، خفض من تكلفة النقل نسبيا، وبالتالي لم نشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار.
وأعلنت وزارة الاقتصاد الفلسطينية، أوائل شباط الماضي، عن قائمة السعر الاسترشادي للسلع الأساسية والأكثر استهلاكاَ في سلة المستهلك الفلسطيني، التي تتوزع على 15 مجموعة، وتتوزع على أكثر من 60 صنفاً من السلع.
وأوضحت الوزارة في بيان لها، في الثاني من شباط الماضي، إن هذه الخطوة تأتي استكمالاَ للجهود التي تبذلها الوزارة في ضبط السوق الداخلي والحد من المغالاة في رفع الأسعار، بهدف حماية المستهلك الفلسطيني وضمان توفر هذه السلع الأساسية بجودة وسعر مناسبين.
وأشار عبد الرحمن، إلى أن أسعار الغذاء العالمية انخفضت خلال الشهر الماضي، مقارنة مع الشهر الذي سبقه، بسبب انخفاض تكاليف النقل الناتج عن تراجع مشتقات البترول، ويجب أن تنخفض أسعار السلع للمستهلك المحلي، لكنه أضاف أن الشيكل الإسرائيلي يمر بمرحلة صعبة في مواجهة الدولار الآخذ بالصعود، لذا ارتفع السعر الذى يدفعه المستوردون في مقابل الدولار لشراء بضائعهم.
وقال رئيس اتحاد الغرف التجارية الصناعية الزراعية، جمال جوابرة، إن أسعار السلع الأساسية في السوق الفلسطينية بالضفة الغربية، شهدت ارتفاعات بنسبة تتراوح بين 10% – 20%، بسبب تبعات ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الشيكل الإسرائيلي.
وتوقع جوابرة أن تتراجع القوة الشرائية في السوق المحلية، عند أي رفع في أسعار السلع قد يتم خلال المستقبل القريب، إذا واصل الدولار ارتفاعه أمام الشيكل.
وقال جوابرة : "المستهلك لن يستوعب أي رفع جديد في الأسعار، خاصة وأن السوق المحلية تعاني حالة من التراجع، والتي تتزامن مع أزمة في رواتب القطاع الحكومي".
وقال المحلل الاقتصادي مازن العجلة إنّ اقتصاد قطاع غزة، يعاني من تدهور حاد، مشيرا إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار، يؤدي إلى آثار سلبيّة، من بينها انخفاض القدرة الشرائية، وارتفاع معدلات التضخم، ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وأضاف العجلة، أن المواطن العادي سيشعر بالإرهاق، لأن التجار سيقومون برفع ثمن السلع المستوردة. وقال ايضاً: "الحصار يلف قطاع غزة من كل الجوانب، وهذا الارتفاع هو بمثابة هم جديد، خاصة للموظفين (نحو 160 ألف موظف) الذين يتقاضون رواتبهم بالشيكل، فهناك أكثر من 90% من الموظفين الحكوميين لديهم التزامات تجاه البنوك، وهم من فئة المقترضين وبالتالي هذا سينعكس بالسلب عليهم". ويسدد المقترضون من البنوك قروضهم بالدولار الأمريكي.
وبلغ إجمالي القروض الممنوحة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، نحو 4.7 مليار دولار، وهي تشكل 53% من إجمالي الودائع المقدرة بـ 8.97 مليار دولار، حتى نهاية آب 2014 .
وقال أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة الأزهر بغزة، معين رجب إنه خلال السبع سنوات الأخيرة، لم يتجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي حاجز 4 شيكل، مشيرا إلى أن ما يزيد من سلبيات ارتفاع الدولار هو ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي.
وأضاف رجب أن ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الشيكل يُلقي بظلاله المباشرة على ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج والمرتبطة بالدولار الأمريكي، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على القدرة الشرائية بسبب غلاء الأسعار والمتزامن مع تردي الوضع المعيشي في غزة في ظل الحصار الإسرائيلي.
ومنذ أن فازت حركة حماس التي تعتبرها إسرائيل "منظمة إرهابية"، بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون الثاني 2006، تفرض إسرائيل حصارًا بريا وبحريا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في حزيران من العام التالي، واستمرت في هذا الحصار رغم تخلي حماس عن حكم غزة، وتشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية أدت اليمين الدستورية في الثاني من حزيران الماضي.
ووفق مؤسسات حقوقية وشعبية فإن معدلات الفقر والبطالة في قطاع غزة تتجاوز في الوقت الراهن 65%.
وأشار رجب إلى أنه مادام الاقتصاد الفلسطيني رهن الاقتصاد الإسرائيلي والعملات الأجنبية فإن سكان قطاع غزة لن يغادروا دائرة التبعيّة.
وأضاف رجب: "لا وجود لعملة وطنية تحمي المواطن من هذه التغيرات، والاقتصاد هنا معتمد بشكل كلي على الشيكل والدولار، وهذه الأسعار ترهق المواطن، وتزيد من أعبائه والتزاماته اليومية".
ومنذ بدء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، لم يعد من خيار أمام الفلسطينيين سوى تداول العملات الموجودة آنذاك، بعد أن حرموا من عملتهم التاريخية "الجنيه الفلسطيني" التي صدرت عن "مجلس فلسطين للنقد" الذي كان تابعاً لوزارة المستعمرات البريطانية.
ومنذ مطلع الخمسينيات أصبحت "الليرة" الإسرائيلية العملة الأساسية بعد أن أقامت إسرائيل بنكا مركزيا وفرضت عملتها "الليرة والشيكل لاحقا" بدلا من الجنيه الفلسطيني.
ونظم برتوكول باريس الموقع في نيسان 1994 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل الجوانب المالية والاقتصادية.
ونص برتوكول باريس على تشكيل سلطة نقد فلسطينية تعمل كمستشار مالي واقتصادي للسلطة الفلسطينية دون أن تتمتع بصلاحيات البنك المركزي.
وألزم البرتوكول الجانب الفلسطيني بالسماح للبنوك الإسرائيلية بالعمل في الأراضي الفلسطينية دون أن يعطي البنوك الفلسطينية الحق في المعاملة بالمثل، كما نص على اعتماد الشيكل الإسرائيلي كأحد العملات الرئيسية، إضافة للدولار الأمريكي والدينار الأردني في السوق الفلسطيني.