خاص بآفاق البيئة والتنمية
تعتبر الزراعة هي العمود الفقري المحفز في منطقة الأغوار الفلسطينية، لما لها من أثر في تطوير اقتصاديات المنطقة ومصدر دخل يساهم في توفير قوت المئات من العائلات الفلسطينية، لكن بالتوازي مع ذلك، تبرز هناك ظواهر سلبية خطيرة ترافق النمو والتطور في القطاع الزراعي، ألا وهي المبيدات الكيميائية المستخدمة في الزراعة وآلية التخلص من العبوات البلاستيكية التي تحوي على متبقيات المبيد بعد رشه، حيث باتت تشكل مصدر تهديد للقطاع الزراعي برمته، وقد يستخف الكثيرون بالأمر ولا يلاحظون أثره السلبي بشكل واقعي خلال الفترات القريبة، ولكن كل المؤشرات والدراسات تدل على وجود خطر واقعي وحقيقي يهدد التربة والزراعة بل المزارع نفسه جراء تلك المخلفات.
عبوات تحوي متبقيات المبيدات الكيميائية ملقاة عشوائيا في أراض زراعية بالأغوار الشمالية
خلال تجول كاميرا مجلة آفاق في منطقة الأغوار الشمالية، تم رصد وجود ظاهرة إلقاء العبوات التي تحوي متبقيات المبيدات الكيميائية التي تستخدم في مكافحة الآفات الزراعية بين ثنايا المزارع المنتشرة هناك، وقسمٌ آخر منها يلقى بالقرب من متناول الأطفال الذين يلهون في المنطقة، بل أن هناك قسماً آخر يوجد على جوانب الطرقات وبالقرب من المصادر المائية المنتشرة هناك، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تنحصر في منطقة وأخرى، بل هي ظاهرة عامة منتشرة بشكل واسع.
ويذهب الأمر الى أبعد من ذلك، إذ تستخدم تلك العبوات البلاستيكية بعد تفريغ المبيد منها في شرب الماء بعد غسلها، حيث يعتقد الكثير من المزارعين أن تلك العبوة البلاستيكية بعد غسلها من المبيد تصبح صالحة لتكون إناءً توضع به مياه الشرب، مما يسبب حدوث مضاعفات وأضرار كارثية قد تودي بحياة الشخص نفسه.
في دراسة قامت بها الدكتوره أنسام صوالحه من وحدة السموم في جامعة النجاح لعام 2007م حول اثر المتبقيات على البيئة والصحة العامة، اشارت إلى أن المتبقيات الكيميائية الموجودة في مخلفات العبوات البلاستيكية، تساهم بشكل مباشر في التأثير على التربة الزراعية والبيئة وتسبب الأمراض للإنسان، وكذلك لها تأثيرات سلبية على استدامة الإنتاج الزراعي، فالمزارعون وعائلاتهم يتعرضون إلى المواد الكيماوية الزراعية حتى في حال ابتعادهم عن النشاط الزراعي، إلا ان فرصهم للتعرّض إلى المبيدات عالية بشكل مباشر أو غير مباشر.
وقد استندت الباحثة في عملها على جمع عينات من التربة والغبار من ثلاث مناطق زراعية تقع في المنطقة الشرقية من محافظة نابلس وهي الفارعة والباذان والنصارية، عبر أخد عينات عشوائية من الحقول المكشوفة والمحمية، وقد تم تحليل العينات باستعمال جهاز تحليل الكروماتوغرافي الغازي، فكانت النتائج هي وجود المبيدات التالية: تمارون (ميثاميدافوز) ودورسبان (كلوروبيريفوز) وثيونيكس (اندوسلفان) وأوفير (بينكانازول) وبايفيدان (ترايديمانول). الجدير بالذكر أن هذه المبيدات، باستثناء مبيدي أوفير وبايفيدان، محظور استعمالها في الأراضي الفلسطينية، بحسب قائمة مبيدات الآفات الزراعية المسموح تداولها فلسطينيا والصادرة عن وزارة الزراعة الفلسطينية لعام 2014.
مخلفات المبيدات السامة في أراض زراعية بالأغوار الشمالية
وتم اكتشاف وجود تلك المبيدات السامة بتراكيز مختلفة تؤثر على تركيبة التربة وعلى زيادة التفاعل بين عناصر التربة وتلك المتبقيات، ما يسهم في اضعاف التربة وعدم قدرتها على الإنتاج الزراعي المستدام.
وكشفت الدراسة من خلال دراسة مسحية لعدد من المزارعين أن هناك قلة يعون مخاطر المبيدات وطريقة استعمالها، وكذلك تدني وعيهم بالأعراض السمّية المصاحبة لاستعمال المبيدات.
ويعاني معظم المزارعين وعائلاتهم من أعراض التسمم بسبب الاستعمال الخاطئ لهذه المبيدات على الرغم من معرفتهم بالآثار السلبية لها، وقد بينت النتائج أن النسبة العالية جدا من المزارعين الذين يعانون من أعراض التسمم بالمبيدات سببها الرئيسي هي طريقتهم في التعاطي مع العبوات التي تحوي جزءاً من متبقيات تلك المبيدات، مما ينعكس بشكل مباشر على الأطفال والبالغين عبر العبث بتلك العبوات، أو استخدامها لأغراض منزلية.
ويبقى التساؤل الذي يطرح نفسه في كل مرة، ما دور الجهات الرقابية، ووزارتي الصحة والزراعة بشكل خاص، في الحد من تلك الظواهر السلبية، وأيضا ما دور المجتمع المدني نفسه في التوعية من الآثار السلبية لتلك العبوات التي تحوي متبقيات المبيد؟؟
هذه أراض زراعية في الأغوار الشمالية وليس مكب نفايات كيميائية
مشكلة مستعصية ... لا حلول سحرية
حول الأخطاء الشائعة في التخلص من العبوات الكيميائية تحدث السيد غسان فقها رئيس مجلس خدمات الأغوار الشمالية بالقول "نعترف بأن هناك أخطاء كثيرة، وسلوكاً خاطئاً متوارثاً عند الكثير من المزارعين يتمثل في كيفية التعاطي مع العبوات الدوائية البلاستيكية والتخلص منها، مما يشكل معضلة كبيرة قد تكون سبباً في حدوث كوارث صحية خاصة بين الأطفال، من بينها انتشار الأمراض الجلدية وأمراض الجهاز الهضمي".
وعما يجب فعله لتدارك تلك المشكلة، تحدث فقها بالقول" لا توجد حلول سحرية حتى اليوم، المشكلة هي مستعصية وربما توصف بأنها مستأصلة بين السكان والمزارعين، يجب أن يكون هناك برامج إرشادية للمزارعين حول كيفية التخلص من العبوات بعد رش المبيد، كذلك أن يكون هناك قوانين صارمة تنظيم عملية التخلص من تلك العبوات السامة.
وحول زيادة الوعي لدى المزارعين تحدث المهندس مجدي عوده مدير زراعة محافظة طوباس بأن هناك العديد من ورش العمل والدورات التثقيفية التي نظمتها مديرية زراعة طوباس، ولكن لا نتائج على أرض الواقع حتى الآن، والحلول تتركز بزيادة نسب الوعي وزيادة البرامج الإرشادية بشكل مستمر، حيث برّر المهندس عودة أن تلك الظاهرة هي متأصلة عند عدد كبير من المزارعين وتحتاج الى جهود طويلة للتغلب عليها.
ومن هنا يجب وضع خطة طويلة الأمد لمتابعة الآلية التي يتم من خلالها التخلص من متبقيات المبيد، بل وفرض قوانين عقابية للمستهترين في صحة الإنسان وسلامة البيئة الفلسطينية، عبر تشريع قوانين جديدة من قبل صناع القرار.
بل منوط بنا فوق ذلك، العمل على تشجيع الزراعات العضوية الخالية من الكيماويات الممرضة لما لها من اثر ايجابي على صحة الإنسان وعلى استدامة التنمية الريفية في فلسطين، والحفاظ على مقومات التربة والبيئة الفلسطينية.