خاص بآفاق البيئة والتنمية
لم تغب تفاصيل القرية الريفية الفلسطينية عنها، فهي ما زالت تحافظ على هويتها، وما زالت تقاوم بكل ما تملك في سبيل الحفاظ على الهوية والماضي، وتنظر إلى المستقبل بعين الأمل والتفاؤل رغم كم المعوقات الهائل. بسفوحها المطلة على الأغوار تقع مزارع البطيخ والشمام الفلسطيني بين قريتي طمون وطوباس في محافظة نابلس وعلى قرابة 400 دونم تدور أحداث قصتنا.
بيوت بلاستيكية، تجد بداخلها كل ما يخطر ببالك من الخضار، وسهول على مد البصر تتنوع محاصيلها بتنوع فصول السنة، طرقها المتعرجة والغير معبدة تدخلك في أجواء موسم الحصاد القديم لولا بعض الجرارات الزراعية والشاحنات التي تسير في تلك الطرقات المتعرجة.
إلى سهل البقيعة
تجاوزنا البيوت البلاستيكة ومكعبات القش، وسرنا في طريق ترابي قد رصف حديثا رغم أنه مضى على فتحه عشرات السنين، لنصل بعد ثلاثة كيلو مترات إلى الحاج عبد الحكيم عبد الرازق. الذي بدا لنا وهو يقف في شرفته المطلة على السهول وعلم فلسطين يرفرف في إعلاها، كجندي يقف في أعلى برجه على حدود الوطن، وهو كذلك، فكان هذا الحوار:
متى بدأتم زراعة البطيخ على نطاق واسع؟
بدأ المشروع سنة 2011، وكانت للأسف بداية غير موفقة، أخذنا الأشتال من وزارة الزراعة لكن التطعيم كان سيئاً حتى أن أغلب البطيخ إنفجر لكبر حجمه.
يكمل: في سنة 2012 أخذنا نجرب زراعة مساحات صغيرة بأشتال مطعّمه جديدة، وقد نجحنا، في هذا الموسم حيث حققنا نجاحاً كبيراً وإنجازاً وطنياً في إعادة البطيخ ليكون منتجا وطنيا وبكميات تكفي لسد حاجة السوق الفلسطينية، وبجودة عالية.
جانب من مزرعة الحاج عبد الحكيم عبد الرزاق – طوباس
كل بداية صعبة، فما هي الصعوبات التي واجهتكم؟
الاحتلال الاسرائيلي هو صاحب الرقم القياسي في الاعتداءات بحق المزارع الفلسطيني، فقد منعنا من زراعة أرضنا لسنوات ولكنا ناضلنا لاستصدار أمر احترازي يسمح لنا بالوصول لأرضنا وزراعتها، ناهيك عن اعتداءات المستوطنين وإغراقهم السوق بالمنتجات المتنوعة بأسعار رخيصة.
الأشتال التي وفرتها وزارة الزراعة رديئة التطعيم، وكادت أن تحبطنا بعد أن فشلنا في 2011، أيضا التكاليف المرتفعة للأشتال؛ فنحن ندفع شيقل ثمنا لكل شتلة بطيخ وهذا يعتبر مبلغاً مرتفعاً إذا قارنا سعرها بالدول المجاورة، والغريب أن الوزارة تقول إن هذه الأشتال مدعومة بحيث تدفع هي ثلاثة شواقل ونحن ندفع شيقل واحد.
عرفنا أن المشكلة الآن هي في تسويق محصول البطيخ، أشرح لنا أكثر عنها؟
مشكلتنا الرئيسية هي إغراق السوق الفلسطينية بالبطيخ الإسرائيلي، بحيث تنخفض أسعار البطيخ حتى أن سعر "مخال" البطيخ لا يساوي تكاليف نقله من المزرعة إلى السوق، فكيف سنوفر أجور العمال، وتكاليف الزراعة الأخرى!!
أيضا تواجهنا مشكلة مع بعض التجار الذين باعوا ضمائرهم للمحتل، بحيث يعملون على إدخال البطيخ الإسرائيلي إلى أسواقنا، حتى أن بعضهم يقوم بوضع طوابع فلسطينية على البطيخ الإسرائيلي الذي يعد درجة "ب" ما يشكل عند المستهلك انطباعاً سيئاً عن منتجه الوطني.
يضيف: "أنا الآن أزرع قرابة 400 دونم من البطيخ، تكلفة زراعتها وانتاجها تصل إلى 2 مليون شيقل، إذا الوزارة ما وقفت معي وحمت السوق، الزرعة ما بتجيب 500 ألف شيقل، ..."انتِ يا وزارة لما بتقولي ازرع بدي ارجع زراعة البطيخ للوطن ووقت التسويق ما بتحمي المنتج الوطني شو الهدف ومين المستفيد!! "
أين وزارة الزراعة الفلسطينية، والضابطة الجمركية من عمليات تهريب البطيخ؟
في عهد وزير الزراعة السابق المهندس وليد عساف، تلقينا وعدا منه بحماية السوق من البطيخ الإسرائيلي وقت موسم الحصاد، وقد التزم بهذا الوعد في السنة السابقة، الآن وقد تشكلت حكومة جديدة ووزير جديد يحمل إلى جانب وزارة الزراعة حقيبة أخرى وهي وزارة الأسرى فقد أهمل هذا الموضوع. فلا يجوز أن يبقى مصيرنا ومستقبل زراعة البطيخ في يد بعض الموظفين في وزارة الزراعة الذين يعملون وفق أجندة شخصية، متذرعين مرة بضغوط الجانب الإسرائيلي، ومرة أخرى بضغوط من التجار لإدخال البطيخ الإسرائيلي".
بالنسبة لعملية إدخال البطيخ الإسرائيلي إلى السوق الفلسطينية، فهو يدخل تحت أعين الجميع، الضابطة الجمركية تمسك بسيارات صغيرة في حين الشاحنات الكبيرة تدخل بسهولة إلى الأسواق الرئيسية في المدن وخاصة نابلس، لك أن تسأل أي صاحب بسطة بطيخ بجانب الشارع من أين أتيت بهذا البطيخ الذي يحمل طوابع انتاج اسرائيلية.
ماذا تقول للسيد شوقي العيسة وزير الزراعة الحالي؟
أقول: " توبة أعيدها" أنا خسرت في هذا الموسم خسارة لا يمكن تعويضها بتواطؤ بعض المسؤولين، سواء في وزارة الزراعة، أو الجمارك، أو التجار، كلهم يتحملون مسؤولية قتل زراعة البطيخ الفلسطيني في مهدها.
أنا الوحيد الذي قبِل تحمل هذه المسؤولية، لكن ليس هذا المطلوب من وزارة الزراعة "اتسكر داري"، انا عندي 100 عامل كانوا يعملون في المستوطنات هنا بجوارنا وفي الزراعة، الان يقولون لي في ظل هذا الوضع سنترك الزراعة وسنرجع للعمل في المستوطنات، لأن هذا الوضع صعب الاستمرارية فيه، أنت لوحدك تقف أمام دولة، "بعد وليد عساف زراعة البطيخ في فلسطين انتهت".
يكمل: زارنا الوزير السابق وليد عساف هو ودولة رئيس الوزراء السيد رامي الحمد الله قبل الإنتاج وأصدروا قرارا بمنع استيراد البطيخ والشمام الإسرائيلي حتى ينتهي محصولنا.
بتمنى من السيد وزير الزراعة الجديد أن يسير على نهج الوزير السابق عساف فهناك قرار، فلماذا لم تلتزم الوزارة بتطبيقه، أنا بالنهاية لا أتعامل مع شخص أنا أتعامل مع وزارة وقرارات وزارة.
يختم: "تواصلنا مع الوزارة الجديدة وأبلغناهم عن سيارات تدخل بطيخ اسرائيلي لحسبة نابلس لكن يبدو أن هناك أهدافا شخصية لأن هذه السيارات ما زالت تنقل البطيخ الاسرائيلي بشكل شبه يومي وبسهولة جدا وعلى عينك يا تاجر وقدام الضابطة الجمركية، والضابطة الجمركية تؤدي لهم التحية. نُبَلِّغ الضابطة عن شحنة بطيخ كبيرة بيروحو بيمسكو سيارة صغيرة وبيتركوا الكبيرة تدخل، مع إنّا مخَبْرين عنها".
 |
 |
تحميل البطيخ من المزرعة لنقله إلى السوق
|
حقل البطيخ في طوباس
|
حزيران، 2014
مزرعة بطيخ، محافظة نابلس