-1-
(أريحا في البال )
في بداية زقاقنا [ في خارج الوطن] عبق الجو بالرائحة الودودة اللطيفة لشجرة ياسمين أم محمود. تلك الرائحة على الدوام تحرك فيّ شيئا مفاجئا لا يلبث أن يتململ ثم يستقر. كان انبعاث الشمس الغامض يرتجف بين ضلوعي ثم يوشك على الانطلاق في لحظة أو لحظتين ولكنه ما يلبث أن يستقر بعد أن أسير خطوة أو خطوتين لا أكثر في مدخل الزقاق. لماذا؟ لعلها أريحا تنتفض في ذاكرتي برعشة ماضية تتأرجح كبخار الماء وهو يغلي. ولكن أريحا لم تكن كمشة ياسمين او قبضة أزهار من الفل الأبيض أو مساحة مترامية من البيارات الخضراء [ بموزها ونخيلها]، ولكنها كانت أكثر من هذا. كانت رمزا لزمان العشق المفقود، ودفقا من نار وطين وماء يسري بين أقنية المياه الشفافة حين تخوضها أقدامنا الحافية...
تنبثق الأحلام عابرة مضيئة في رأسي، فتتحرك سعف النخيل قرب سور بيتنا في أريحا وتغرز فيّ أشواكها الطرفية الحادة. وتبدو أعواد القصب والخيزران منحنية على ضفاف الأقنية التي تشق البيارات ... ومن بعيد، يلوح طيف البحر. بني، ليلكي، أخضر، أزرق، فيروزي، والأشعة تتراقص على سطحه المصبوغ بالرصاص الذائب ساعة المساء. وأتساءل بسذاجة:- كيف يمكن أن يموت هذا البحر لمجرد أن كتب التاريخ العتيقة وصفحات الأوراق المدرسية أعطته هذا الاسم؟ بحر أم بحيرة لا فرق، يقول عامر، المهم أنه يبرق أمام أعيننا حين نقف كي نراه من على سطح الدار. وليمونة واحدة تقف على حائط الشجرة وأنا اتنفس عطر الزهيرات البيضاء المبثوثة على أشجار البساتين حيث يمتد البصر. وأمي المنهمكة بمشاغلها تناديني من خلف النافذة المفتوحة: لا تقطفيها يا بنت، اتركيها كي تكبر. لا تفعلي مثل ابنة أم مسعود في الربيع الماضي.
(بوصلة من أجل عباد الشمس، ص ص 99 ،116)
-2-
(الورقة الخضراء الأخيرة )
[ ذات ليلة] ذكرت جارتها أن شجرة المطاط الكبيرة قد تهاوت أغصانها بسبب رياح الأمس العاصفة... وقالت الجارات إن أغصانها تفسخت، وإن فروعها تقلعت، وإن صبية المنطقة يتسابقون لإحضار فسخات منها إلى بيوت الحي.
[استذكرت المرأة كيف أحبت تلك الشجرة منذ نعومة أظفارها] واستعادت يدها الخشنة ذات العقد الكبيرة ملمسها الطري حينما كانت صغيرة. كانت شجرة وكانت فتاة تتلمس نعومة أوراقها العريضة المخملية.
[وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى الشجرة وحاولت أن تنزع أحد أغصانها ولكنها لم تفلح فعادت إلى منزلها، وفي الطريق] تعثرت مقدمة حذائها بورقة يانعة مرمية... ورقة يانعة، خضراء.. تأملتها، وأحست بالحاجة لأن تحتفظ بها بين يديها. فهي الورقة، نضرة وطرية وكأنها الورقة الأولى التي تطلقها الشجرة في الربيع. رقيقة، وذات ملمس حنون، وكأنها حيوان يبحث عن الدفء بين يديها، وهي تلتمع، ويبرق وهج الشمس على عروقها إذا ما أدارتها بين كفيها. ثم إنها، الورقة، خضراء. ويمكن لها أن تظل خضراء إذا جعلت في آنية مع قليل من الماء. وهل تحتاج هذه الورقة اليانعة إلى أكثر من زجاجة ماء؟
زجاجة الماء، والورقة الخضراء. تنظر لها المرأة فتشعر بذِكَر غامضة، وحنوّ مبهم، تنظر إليها وتسخر من نفسها لأنها لم تعتد النظر إلى أي شيء في البيت بهذه الطريقة التي لا تعرف كيف تفسرها. تدير ظهرها وهي تمسح الغبار، فتشعر وكأن عيونها الخضراء الواسعة تحدق بألفة إليها. تقترب منها، ترفعها، تقربها من أذنها، لتصغي إلى تنفسها الذي تحس بنبضاته حولها. تبعدها عن مجرى الهواء، وعن وهج المدفأة الحامي على عروقها. وتحس حضورها الوديع الرخيّ مثل نسمة لطيفة كلما انتبهت إليها...
ارسلت الورقة جذورا معشبة، تشابكت في قعر الزجاجة مثل زغب أبيض، رقيق. ورقدت ملتفة، ومختلطة مثل كرة من خيوط الصوف ذات الوبر الطويل. وكثيرا ما أطلقت نسوة الحي آهات تعجب، وهن يخبرنها: يدك خضراء، لو لم تكن يدك خضراء لما نبتت جذورٌ مثل هذه. وهي، تقنع بالنظر إلى كتلة الجذور الناعمة الراقدة في قعر الماء، تسكت، ولا تحكي، وإنما تنتظر قدوم الربيع لتزرعها في التراب.
والربيع يبدأ، يطل آذار وهي تحس بأن شيئا يغريها بتأجيل زراعتها، وبالانتظار. كانت الجذور البيضاء الصغيرة تمتد في قعر الزجاجة هشة، دقيقة، ومتفرعة في جميع الاتجاهات. وكانت زراعتها في التراب ستحرمها من رؤية شبكة الجذور، وهي تكبر وتتضحم مثل زغب مخلوق صغير، قد يطفر في أية لحظة من الكتلة البيضاء، مادا برأسه من كرة الخيطان، وناشرا جناحيه في الفضاء الشفاف المائي. مخلوق حقيقي ينتفس بصوت مسموع، وهو ينفض الرذاذ عن لحمه الطري المتكون داخل الجذور الشعثاء التي أطلقت أيديها في جميع الاتجاهات.
ثم مرت أيام عديدة ولم يكن هناك ما يكفي من المياه. في البدء، حرصت المرأة على أن ترويها برشات صغيرة من الكوب. ثم انقطعت المياه تماما، وصار من الصعب بل ومن النادر الحصول على جرعة الماء. قالوا إن الحرب، يا ويلي ، على الحرب، ونار الحرب، ومتى توقفت الحرب كي تقوم من جديد. قالوا إن الكتائب... وتكسر زجاج البيت بعد القذيفة التي وقعت قرب المدخل.
ومرة، حين توقف القصف، وعاد الناس إلى التدفق في الطرقات، خرجت المرأة من الملجأ. ذهبت إلى نبتتها لتسقيها، فهزها القلق عندما رأتها مصابة بالاصفرار. كانت بقع نمشاء صغيرة ما لبثت أن اتسعت متحولة إلى دوائر كبيرة، جرداء. ذبلت الورقة. انكمشت على نفسها، ونصلت عنها الجذور. تفتتت إلى قطع صغيرة، بيضاء، تشبه الديدان العائمة في الماء.
ولكن! النبتة، إنها تحلف أنها كانت يوما خضراء.
ولكن! المنطقة، إنها تمتلئ بالمهجّرين، والأولاد الحفاة.
ولكن! ليس الورقة الأخيرة الخضراء، بل الحنوّ الغريب الذي كانت تفتقده كل يوم في نظرتها إلى الاشياء.
(أنا أريد النهار، ص- ص 83 ، 86 -89)
-3-
(الأرمنية ورامبو الأسود )
البارحة تأخر رامبو الأسود عن العودة. مرت عدة أيام قبلها لم يمر فيها صوب البيت. إنه الزنجي القط، أو القط الزنجي. حتى يا ربي يظلمون الحيوانات الملونة فيقيمون حولها الأساطير، ويدعون بأنها مسكونة ومصاحبة للجان. فشروا! الجان هم بني (بنو ؟) الإنسان، لا يظلم غيره. ولا يقتل ويجرم في المخلوقات سواه. ما هو دخل القطط السوداء بهذه التخريفات حول نجاستها وشؤمها؟ إنهم يظلمونها بسبب اللون الأسمر كما يفعلون مع الزنوج. لهذا أسميته رامبو، كي يكون مثل ذلك الشاعر الفرنساوي الذي هجر أهله والتحق بالحبشة حيث الزنوج.. يا إلهي وأنت جاهي أن تعيد رامبو هذه الليلة كي اطمئن إلى أنه لم يصب [في المعركة الدائرة] بقذيفة أو بشظية. أنه ما زال يتمختر على سطوح البيوت المهدومة دون أن يسقط فريسة لغم أو منظار قناص. أن يعود كي يلعب في ساحة البيت بهناء لأنني هنا على الأقل أستطيع أن أضمن بألا يؤذيه أحد.
(نجوم أريحا، ص 184)
-4-
( نجوم أريحا )
اخذني [الوالد الطبيب العالم عبد الرحيم بدر] إلى قصر هشام بن عبد الملك، حيث أوقفني فوق النجمة الزخرفيّة، وقام بالتقاط صور تذكارية لي في عيد ميلادي.
إلى دير قرنطل العالي المحفور في صخر جبل التجربة حيث قاوم المسيح إغراء الشيطان أربعين يوما.
رافقني إلى المغطس كي أشهد مواكب الحجاج وهي تقوم بالتعميد الرباني...
بعد خمس وعشرين سنة [في الشتات] أين أذهب الآن؟
الناس يصعدون إلى علياء افكارهم ويطيرون باتجاه مدنهم الأثيرة. الأنا تنزل إليها لأن في الجاذبية الأرضية لب الحقيقة لمن عاش على تلك الأرض مثلنا. مدن وأساطير حبونا إليها منذ الولادة ونمونا داخلها. صخر وملح وبيوت نحل لن توفرنا من لسع إبرها الصغيرة، وأشجار ينبثق بعض صمغها على جسد أبي الراقد في المستشفى.
ما زال طعم البرتقال الريحاوي على شفاهنا. يفور، يصعد مع أصوات موتورات المياه الرتيبة التي تروي البيارات [ في]... الغور! دير علا، والسيل الذي يجري طيلة الشتاء ولا يكف عن الجريان، تحت نافذة دارنا. السدر، التين الشوكي، الصفصاف العملاق على شواطىء المغطس، الحور اللماع، العليق، ثمار النارنج بين الصخور السوداء. القصب البري في انحنائه الأبدي فوق المياه. أخفض نقطة في العالم حيث سمائي الأولى، والعصفور الذي لا يحط إلا على قمم البراكين الخامدة.
للمياه لمسة الزيت كلما قاربتها الأيادي. كنا نطلق عليها اسم "بحرة" فيما مضى من الزمان.. لم يكن يحلو لنا إلا الخوض وسط مياه رصاصية ذات نبض بشري.. كيانها يشبه جلد الحبيب ساعة لهاثة وعرقه. منذ الصغر ظل شيئا فيّ مالحا وغريبا عن التعادل التقليدي لأنني على ضفافها حبوت. هناك. هنا. حيث السماء بحجم الأفق، وأريحا قارب يمخر من زند المتوسط حتى خاصرة البحر الميت. البحر؟ أم البحرة؟ لا يهم. متى كانت لعبة التأنيث تعني شيئا لأهالي أريحا؟.
أريحا أين هي الآن؟
إنني أراها واحلف أنني أشهد كل أركانها، زواياها، أزقتها، بيوتها، أسطحها، وخباياها من بقعة الرمل الصغيرة التي أقف عليها، هنا شجرة أكاسيا لم تزهر بعد، لكنها تنتظر ربيعاً ما. هنا عناق جذوع شجرة البابا للفضاء الأزرق. هنا الله. هنا أنت. أنا. والعالم. تحت هذه القبة الزرقاء الوسيعة التي ركضت طفولتي في أبهائها. إنني أراها وأقسم أنني أشهد كل انسامها، قنواتها، مساربها، مخلوقاتها المجنحة، أرقب كل شيء من مكاني، رغم أن أحدا لن يصدقني لو أخبرتهم. سيضحكون ويتساءلون: أأنت زرقاء اليمامة؟
وعلى ذلك السطح [ سطح بيتنا في أريحا] وقفت أنظر رحلات النجوم إلى النجوم، تولد المجرات وتنتهي، إلا أن مجرة درب التبانة حيث رضعنا حليب الابدية تعيد تكوين الرحلات فينا. كل رحلات المدارات محكومة بالجاذبية نحو النجم – الأم. كم تمنيت لو كان بالوسع اقتناص بلورة من حقول الشمس، إلا أن ذلك الاحدب القزم [التلسكوب الذي صنعه الوالد الفلكي عبد الرحيم بدر بيده] الذي يكمن حتى الآن في أدراج والدي، لم يسمح لي إلا باجتلاء صفحة أقاربنا الكواكب الأهل. كم تصفحت جوبتر "المشتري" بضباب غيومه منذ ملايين السنين، وعينه السكلوبية الحمراء. كم اندفعت لمسك حلقات زحل لولا اصطدام أصابعي بزجاج العدسة في اللحظة الأخيرة. كم داريت اهتزاز المرقاب كي يثبت قليلا ويعطيني شيئا من بهاء عطارد الواقعي الذي لا يكف عن الدوران.
أقف هنا على هذا الشاطى الرملي المالح، وأنظر إلى غروب الشمس شيئا فشيئا، عساني أنتظر النجوم، نجوم أريحا على حافة هذا الصباح.
(نجوم أريحا، ص ص 212، 213 ، 232 ، 234 ،236)
-5-
(احتراق مصنع الكبريت)
كان ذلك يعيد لها منظر احتراق مصنع الكبريت بعد هجوم الجيش على المجتمع في أيار عام 1973. احترق معمل الكبريت في أعقاب الاشتباكات بين الجيش والمخيم، ولم تهتم السلطات بإخماده لأسباب مجهولة. لم يعرف أحد سبب حريقه، ولا سبب امتناع الإطفائية عن القدوم. غطى الرماد الأصفر الأرض كلها، والتمع مثل يراعات هوجاء على الأسطحة أثناء الليل. ربض على صدور الناس في النهار يشكون أوجاعهم منه. رأت عائشة المعمل آنذاك بخيوط الدخان الكثيف الطالع منه. شاهدت واجهته الخربة وبناءه المتآكل، واشتمت رائحته الجهنمية. ولفترة طويلة بعدها غطى الكبريت بذراته الملهبة كل شيء. السماء والوجود، الشفاه والشعور، الأيدي، الطرقات، الأقدام، المنعرجات، ريش الدجاج، أجهزة الراديو والحنفيات، الزغب الخفيف على الأجساد الفتية، الزريعة، قنوات المجاري، الطريق الصاعد إلى المستوصف، السماء، الأرض، وكل شيء بينهما... حتى أحلامها.
(عين المرآة ، ص ص 20 – 21)
-6-
( ذكريات يوم عيد )
عدت بفكري إلى كروم طفولتي في جبال الخليل. توهجت تلك الحادثة في مخيلتي ببريق ساطع. كان يوم عيد .. لا أذكر الأضحى، أم ..
قطفت عن إحدى شجرات التين في كرم عمي حبة ناضجة، اتشح اخضرارها الغامق بحزوز بنفسجية تميل إلى الوردي، تسيل نقاط سائلها السكري الأبيض من خطوط قشرتها الرقيقة تاركة عليها بصمات الشمس الذهبية. التمعت بجمالها الساحر أمام عينيّ، فتسلقت الجذع الأعوج الثخين، وأسرعت بها إلى أبي الخارج من معتقل الجفر الصحراوي بعد غياب أعوام. أثنى الأب عليّ، وتغنى بطيب مذاقها قبل أن يذهب إلى قيلولته في "القصر" الذي هو مجرد عريشة عنب تظلل صفوفا من الحجارة المرصوصة بشكل متماسك يشبه الغرفة. عندها برز أمامي ابن عمي الذي يماثلني سنا، وقال:
كيف أعطيتها له وهي مشبعة بسم الحشرات؟
قلت:
- لم أعلم حتى الآن أن أحدا مات بسبب رش الأشجار.
قال:
- كان هذا من زمان هذه المرة أتى والدي بسم زعاف يحفظ أشجارنا من نهب الأولاد أمثالك.
كان أبي قد أكلها وانتهى الأمر. وما عليّ سوى انتظار الكارثة كما قال ابن عمي. هل أذهب إليه وأوقظه من نومه لأخبره بما جرى! لم أعرف ماذا أفعل! ..تثلجت أطرافي، وتضاءلت أنفاسي حتى لكأن هناك من يمسك بخناقي...
[ لكن] كل هذا انتهى عندما قام أبي من قيلولته رضيّاً، منشرحا، مطالبا بالدلّة النحاسية المسودة القشرة ليصنع قهوة فوق بقايا الرماد.
(جحيم ذهبي، ص ص 76 – 78 )
-7-
( الرمادي )
كان اسمه [الرمادي]
وكان [ذلك الطائر] يقلد أصوات الغابة الأفريقية التي عاش فيها، قيل أن يشتريه أصدقاء لنا من دكان في السوق الكبير لمدينة تونس. كان هديتهم عند وداعهم لنا، وكأنهم أبوا أن نؤوب إلى بلدنا بعد كل ذلك الغياب دون صحبة من القارة الممتلئة بالأشجار والطيور.
تركنا مكاتبنا الكئيبة...وعدنا حين إعلان الحل السياسي بهمة واستعجال إلى أرض حرمنا رؤيتها منذ عقود.
[ هنا في فلسطين] صار [الرمادي] تميمة...تميمة تؤكد أنه صار لدينا بيت. بيت حملنا إليه تذكارات المدن التي عشنا فيها كما يقول ذلك الشاعر السكندراني (كفافي).
عاش [الرمادي] معنا وظل معنا... لكننا لم نحس أننا هو... إلا عندما فرض علينا منع التجوال الطويل، وتم حرماننا من الحركة والخروج من الدور إلى الشوارع ثمانية أشهر كاملة.
حتى الشرفات لم يعد بالإمكان الجلوس عليها خوفا من بنادق القنص المطلة على المدينة[ البيرة] من المستوطنة على قمة الجبل – مستوطنة مسلحة احتلت قمة الجبل الذي اشترى أرضه موظفون فلسطينيون وعرب عملوا في الكويت، وادخروا ما أمكنهم قبل حرب 1967، آملين بناء بيوت على قمة جبل "الطويل"، داخل بلدة اعتبرت عروس المصايف، قبل أن يداهمها الاحتلال ويضع اليد على معظم الأراضي المحيطة بها ويصادرها.
وعندما رفع منع التجوال بشكل محدود، حلحل الرمادي قفل بابه أثناء إعدادنا لوجبة الإفطار في رمضان حين لم تكن النافذة قد أغلقت، وطار.
[ أخذنا نخرجٍ] كل صباح للتفتيش عنه بين أشجار الكينا المعمرة وحقول اللوز والعنب التي جثمت المستوطنة الاستعمارية على أطرافها. نسرع الخطى قبل أن يصحو الأولاد استعدادا للذهاب إلى الجامعة.
صار التفتيش عنه نشاطنا المبكر الذي نبتدئ به يومنا...
نلف وندور حول سور المستعمرة... نحاذر أن نقترب من الأبراج كي لا يرانا الحراس ويشكّوا فينا ويعتقلونا.
مرت بضعة أيام قبل أن ينشب اليأس أظفاره بنا، ونقتنع بأنه لن يرجع البتة.
( سماء واحدة، ص ص 118 – 125)