خاص بآفاق البيئة والتنمية
تعيش في أوراق رافع فهد خضيري، ابن الثمانين، حكاية طوباس والأغوار قبل النكسة، حين كانت بحق وحقيق "سلة الغذاء الفلسطيني". وبخلاف تجاعيد وجه الحاج رافع إلا أنه يبدو شابًا في عشقه لأرضه، وحرصه على الاستمرار في العادات الزراعية، التي كان يزاولها قبل عام 1967، فيتابع غرس أشجار الزيتون وريها في بداية عهدها وتسميدها، ويحرص على توفير السماد الطبيعي (الزبل العربي) لأرضه كل عام.
ويخصص خضيري حيزًا كبيرًا من أرضه لزراعة السمسم، التي يقول إنها "ماتت" هذه الأيام، وصار الجيل الجديد لا يعرف حتى مجرد شكل نبتتها، أو لون زهرتها، مثلما يجهل طريقة زراعتها وجني محصولها.
مراحل
ووفق الراوي، تبدأ حكاية زراعة السمسم في وقت مبكر من العام، إذ يوفر كميات كبيرة من الزبل العربي، ويحرث الأرض عدة مرات، قبل أن تبدأ في منتصف آذار زراعة الحبات الصغيرة، التي تعد واحدة من أصغر البذور وألذها مذاقًا وتعددها استعمالاً.
وتمر في العادة زراعة النبتة الخضراء ذات الأوراق الفاقعة والأزهار البيضاء بمراحل عديدة، بدءًا من الزراعة، والتبع (إعادة الزراعة أحيانًا للنباتات التي لم تنجح من المرة الأولى)، ومروراً بإزالة الأعشاب الضارة، وتحريك التربة لمنع تشققها، وللحفاظ على رطوبتها، ثم التفريد (الإبقاء على عدد معقول نسبياً من النباتات)، ووصولاً إلى القلع وتجفيف المحصول والحصول على الحبات الصغيرة وتنظيفها من قشورها.
ويعتبر خضيري أن احتلال الساكوت والدير، والاستيلاء على جباريس وسهل قاعون، وبزيق، ويرزا، بدءاً من النكبة ومروراً بالنكسة وحتى اليوم، قد افقد طوباس الرئة التي تتنفس منها، وبخاصة أنها تحتوي على أراض شاسعة كانت تزرع بكل الأصناف التقليدية، وثروة حيوانية والعديد من المراعي.
حنين
يقول المزارع الستيني فايز أبو ناصرية: توقفت عن زراعة السمسم منذ سنوات قليلة، فقد انخفضت كميات الأمطار، لكنني أحن إلى هذه النبتة دون غيرها.
ومما تختزنه ذاكرة الراوي بعض الأمثال الشعبية المتصلة بالسمسم، أن الفلاحين يربطون به الخيل من قوة جذوره وضخامته في مواسم المطر الوفير. ويقول المثل ذائع الصيت ( في آب اقلع سمسم ولا تهاب).
واللافت وفق أبو ناصرية، أن هذه النبتة عجيبة وغريبة، فبذورها صغيرة جدًا، لكن نباتاتها كبيرة، فيما تفرز عند قطفها مادة تشبه زيتها، وهو ما يعرف بالتسمية الشعبية بـ( السلا).
يتابع: الجيل الجديد بأغلبه لا يعرف هذه النبتة، ومن واجب وزارة الزراعة أن تحافظ على السمسم وغيره من النباتات الشعبية، التي بتنا نفتقد لبذورها البلدية، وبالكاد نجد مئة دونم في أراضي طوباس الشاسعة.
فوارق
وتطورت طريقة زراعة السمسم كثيراً هذه الأيام، فقد كانت تتم في السابق بواسطة الخيل والمحراث التقليدي والبوق ( قمع متصل بأنبوب معدني) يلقي به المزارع الحبات التي يدفنها المحراث بالأرض. واليوم، يستخدم الفلاحون الجرار الزراعي الذي يُربط بعدة أبواق، فيما يجلس فوق المحراث ثلاثة أو أربعة مزارعين.
ومما يستعصي على الرحيل من ذاكرة الثمانينية فاطمة الشيخ إبراهيم، حكاية نقل السمسم على رأسها من الحقل إلى سطح المنزل لتجفيفه، بعد أن يوضع في حابون( تسمية شعبية لكومة السمسم).
 |
 |
أزهار السمسم البيضاء في طوباس |
السمسم في طوباس |
كنز
تقول: نستخدم كل شيء في السمسم البذور في صناعة الزعتر، والحلويات وخاصة القراقيش ( خبز حلو مضاف إليه بذور هذا المحصول)، وصناعة الطحينية والحلاوة، وزيت السيريج الذي نستعمله في بعض العلاجات الشعبية، كالسعال ونزلات البرد. أما القش فكنا ننقله إلى التشبارات (وهي حفرة تسقف بالحجارة، وتترك فيها فتحة لوضع قشور السمسم والحطب، وتشتعل النيران طويلاً بداخلها؛ لاستخراج الجير أو الشيد).
ويفيد المصور الصحافي أحمد الكيلاني، إن السمسم تحول من زراعة شائعة إلى مادة صحافية تلاحق قصة نادرة، وبخاصة في بعض حقول جنين كسهل صانور، في طقوس جميلة ذات أبعاد اجتماعية وتراثية.
وينتج دونم السمسم نحو 30 كيلو غراماً في المتوسط، ويتذبذب المحصول من عام لآخر، تبعًا لكميات الأمطار الهاطلة ووفرتها، وطبيعة التربة، وطريقة تسميدها بالطريقة التقليدية.
غذاء ودواء
ووفق موقع تغذية الإلكتروني، فقد عرفت أسرار السمسم منذ القدم واستخدم كغذاء ودهن، لأنه يحتوى على كمية لا بأس بها من المعادن كالفسفور المهم لصحة الأعصاب، والكالسيوم للعظام والأسنان، والمغنسيوم لعلاج السكر، والزنك والمنغنيز والبوتاسيوم والفسفور والحديد والنحاس. ويحتوى على فيتامينات (ب) و (ب2) و (ب6) وفيتامين حمض الفوليك والنياسين. والزيت الناتج عنه يحتوي على نسبة عالية من البروتينات والأحماض الدهنية والمركبات الفلافونية المضادة للأكسدة، مما يساهم في احتفاظه بخواصه الطبيعية.
وقد قال ابن سينا في السمسم: ملين معتدل الأسخان، نافع للشقاق والخشونة والطحال، ملين شراباً وطلاءً ويطول الشعر خصوصاً عصارة شجره وورقه، يحلل الأورام الحادة، نافع على حرق النار. إذا شرب دهنه يذهب الكحة البلغمية والدموية خاصة بنقيع الصبر وماء الزبيب. يضمد به غلظ الأعصاب، ينفع على ضربات العين وورمها، جيد لضيق النفس والربو. نافع للقولون ونقيع السمسم شديد في إدرار الحيض.
وقال عنه ابن البيطار: السمسم نافع للشقاق شراب وطلاءً ومسمن. نافع لضيق النفس والربو.
وذكر داود الإنطاكي: السمسم حار رطب ويعرف زيت السمسم بالسيرج وتبقى قوته سبع سنين وهو مفيد في التسمين وإصلاح الكلى ويزيل السعال المزمن إذا طبخ في الرمان، ويصفى الصوت ويزيل خشونة الرئة والصدر والحكة والجرب ولولا إفساده لم يفصله شيء في إذهاب الحكة. يحللُ الربو وضيق النفس ومن السعال والقروح.
السمسم نافع للكبد والكلى وللدوخة أو الدوار. وتعتبر بذور السمسم من المسمنات الجيدة حيث يؤكل منه يومياً ما مقداره ملء كوب.
كما يفيد في إدرار حليب الأم المرضع وهو طارد للرياح من الأمعاء. ومفيد في علاج عدم الوضوح فى الرؤية وفي تحسين حاسة السمع. أما زيت السمسم فله فوائد واستخدامات هائلة، وهو لا يحتوي على الكوليسترول.
ويستخدم زيت السمسم في صناعة الصابون والمنظفات وزيوت الاستحمام والعناية بالجسم, وكريمات الترطيب, وزيوت المساج وفي مرطبات الشّفاه، بالإضافة لاستخدامه في الطعام والعلاج، وتنشيط الجسم، وتقوية الرغبة الجنسية، وتنشيط الدورة الدموية، ومنح البشرة المزيد من الحيوية، ومنع التأثيرات الضارة لأشعة الشمس.