مركز حسن مصطفى الثقافي
خير ما نبدأ به بيت الدلعونة المعبر:
مرجنا لخظر زينته نباته *** شمامو الحلو فـ بطيخاته
وعز الفلاح العربي قمحاته *** والارض الفيها يزرع كمونا
سبحان من خلق البطيخ بقشره *** واكثر خلايق البشر ما يفهموا العشره
إن أول من عرف البطيخ هم الفراعنة، ومن مصر انتقل إلى فلسطين ثم إلى باقي حوض البحر الأبيض المتوسط.
ويسمى البطيخ في فلسطين وجنوب الشام (بطيخ اخضر) بينما الشمام يسمى (بطيخ اصفر). وفي شمال الشام يسمى (الجبس) ويسمى (حبحب) وفي المغرب يسمى (دلاع) وفي العراق (رقي) او (الركي) او (الدبشي) وفي بعض دول الخليج يعرف باسم (يح).
البطيخ في مقدمة فواكه الصيف، وتكاد لا تخلو منه مائدة خلال ذلك الفصل، نظرا لاحتوائه على نسبة عالية جدا من الماء تطفئ الظمأ، وترطب الجسم، وتخفف من الشعور بحرارة الجو، ولأنه يكاد يكون ارخص الفواكه الصيفية على الإطلاق، وأكثرها إنتاجا.
ويرتبط ذكر البطيخ بمنطقة جنين التي تميزت بهذا النوع من الزراعة فقيل "بطيخ جنين" حتى انه كان يصدر في أوائل القرن العشرين إلى كثير من الدول العربية ولكن للأسف انحسرت زراعته في العقدين الأخيرين وتلاشت بسبب انتشار مرض فطري في التربة قضى على زراعة البطيخ الجنيني.
متطلبات زراعة البطيخ:
- يحتاج إلى درجات حرارة عالية 25 – 30 درجة مئوية، ويتوقف نموه إذا انخفضت درجة الحرارة
- ولا تنجح زراعته في الظل أو عند نقص الإضاءة.
- واحتياجاته المائية عالية ولتوفير الري الأفضل فإن الخبراء ينصحون باستعمال اسلوب الري بالتنقيط، على الرغم من مقاومة البطيخ للجفاف، فهو يحتاج للري عند انحباس المطر وأيام الحر الشديد خاصة في مرحلة نمو الثمر.
- ويحتاج إلى التربة الخصبة المسمدة بالسماد الطبيعي والمعدة بالشكل الجيد من الحراثة وتزرع بذوره في (اثلام).
وللبطيخ مكانة متميزة على مائدة المواطن الفلسطيني فيتناوله الشعب الفلسطيني بشغف وتقدير كما يعبر عن ذلك المثل الشعبي القائل: "طل البطيخ بطلو طبيخ"
ويدل هذا المثل على انتشار وشيوع تناول ثمار البطيخ إلى درجة أنها تغني عن الطبخ. فهي فاكهة صيفية لذيذة ومنعشة تروي الظمأ وتزود الجسم بالطاقة والحيوية.
وتستخدم البذور بعد تحميصها للتسلية كأحد أهم أنواع المكسرات فهذه البذور ذات قيمة غذائية عالية، حيث بلغت نسبة البروتين فيها 27.1% بينما يبلغ السكر 15.7% والمواد الدهنية 43% فيه. ويهتم الفلسطينيون بغسل البذور وتجفيفها ثم تحميصها وتخزينها لتؤكل خلال العام، ومنها المملح المضاف إليه الفلفل ويطلبه المغتربون ويرسل إليهم كهدايا إلى جانب مواد التسلية الأخرى المسماة "النُقل". وتستخدم بقايا العروش وكذلك مشوار الثمار في تغذية الحيوانات.
الخربوش (منطار مقاثي البطيخ والشمام)
وكما ورد في كتاب العمارة الشعبية في فلسطين ص457
الخربوش: نوع من المناطير المستعملة عادة في المناطق السهلية حيث مقاثي البطيخ والشمام التي تحتاج إلى الحراسة فينصب الخربوش لإيواء الناطور من حر الصيف نهاراً ولإيوائه من الرياح والندى ليلا، وكذلك لوضع الأغراض فيه من فراش وملابس وأدوات زراعية مختلفة وكمعلم أو إشارة لمن أراد أن يبحث عنه في الحقل. حيث أن القادم يأتي إلى الخربوش وإذا لم يجده فينتظره عنده.
صورة عريش المقاثي
ووظيفة الناطور عادة حراسة الحقل من الناس ومن رعاة الغنم والمواشي الضالة ومن الوحوش البرية ليلا؛ وكذلك من الطيور البرية نهارا وكانت تعمل الفرافير التي توزع في أجزاء الحقل لطرد العصافير نهارا، وكان يستعمل في البستان العرائس أو الخيال تلبس لتبدو كأنها إنسان، وكذلك توزع القناطر التي هي عبارة عن حجارة تسقف فوق بعضها إلى حوالي المتر ثم تطرش بالشيد ليصبح لونها الأبيض.
البطيخ في الطب:
قال بعض الأطباء العرب: انه قبل الأكل يغسل البطن غسلا ويذهب الداء أصلا.
تبلغ نسبة الماء في البطيخ 93.9% من وزنه، اما المواد الأخرى فهي قليلة جدا وعلى رأسها السكر الذي تبلغ نسبته 6 – 9% من وزنه، اما الفيتامينات فإن البطيخ غني بالفيتامين (ج) فقير فيتامين (أ) مع نسبة ضئيلة جدا من حمض النيكوتنيك وهو الفيتامين المضاد لمرض البلاغرا وعلاوة على ذلك يحتوي البطيخ على الكبريت والفسفور والكلور والصودا والبوتاس، لذا لهو فعل مدر.
كما ورد في كتاب الغذاء لا الدواء ويذكر الدكتور صبري القباني، انه لا بد من التنويه بأن الإفراط في تناول البطيخ عقب الطعام يسبب عسرة في الهضم بسبب تمرد عصارة المعدة، ولذا يجب تناوله عقب الطعام بزمن كاف للاستفادة من خواصه الأخرى.
الشمام (البطيخ الأصفر)
يتميز الشمام انه أكثر فائدة نظرا لغناه النسبي بالبروتينات والفيتامينات، وهو يشبه شقيقه البطيخ الأخضر في خواصه المرطبة، المطفئة للعطش، ويزيد عنه في خواصه الشافية، وأجود أنواعه ما كان شديد الصفرة، خشن الملمس، ثقيل الوزن، ذا أخاديد واضحة وفق "حزوزة".
والشمام علاج ممتاز للامساك وإذا اخذ صباحا على الريق، فإن المياه الموجودة فيه من شأنها أن تنبه الأمعاء، ولذا فإن من اعتاد على تناول الحبوب الملينة، وان يتقي شرور الشقوق الشرجية والبواسير، ولا صحة لما يقال من أن الشمام يتسبب في حدوث تعفنات معوية وإسهال إلا إذا اخذ بكميات كبيرة.
الشمام في الطب القديم
وصف بأنه ينفع من الاستسقاء واليرقان ويفتح السداد ويلطف ويرطب ويفرز الماء والفضلات ويزيل العفونة، ويفتت الحصى، وفيه قليل من الثقل على المعدة، وقد نصح الشيخ الأطباء ابن سينا باستعمال الشمام في علاج البهاق، والكلف والحزاز.
الشمام في الطب الشعبي الحديث:
يعتبر الشمام الوجه الآخر للبطيخ فهو يحتوي على نسبة عالية من الماء وكميات من المواد السكرية تبلغ 5% وفيه فيتامين (ج) بكمية أكثر مما في البطيخ، ويستعمل الشمام كالبطيخ مليناً وملطفا ومبردا والشمام غني بالمعادن كالحديد والنحاس والكبريت والبوتاسيوم والكالسيوم والفسفور. وينفع الشمام في حالات فقر الدم والإمساك والبواسير وقلة البول وقلة إفراز الصفراء، إلا انه يُمنع عن المصابين بالسكر وعسر الهضم والتهاب الأمعاء.
ثمار الشمام تستخدم في التجميل:
هو علاج للأورام الجلدية، فإن وضعت شرائحه على الجلد المتعفن يكسبه نضارة وليونة، وتتحقق نتائج باهرة إذا ما طبقت هذه الوصفة لمدة عشرة أيام متتابعة دون انقطاع، وقد اثبت العلم الحديث أثره في علاج التهابات الجلد وأورامه، يستعمل الشمام في تجميل بشرة الوجه، فهو يكسبها نضارة ونعومة خاصة البشرة الجافة ... حيث يغسل الوجه بالتركيب الآتي:
ماء مقطر، حليب طازج (غير مغلي) عصير الشمام بمقادير متساوية.
وأخيرا هذه دعوة إلى إحياء الأصناف البلدية وزراعة البذور وعمل المشاتل، ثم نقلها اشتالاً لاختصار الوقت وزراعتها خلال شهر آذار ونيسان.
وان شاء الله تدوم خيرات الأرض الطيبة وتسلم الأيدي العاملة على توفير المنتجات السليمة النافعة. وتحلو الحياة كحلاوة طعم البطيخ والشمام.