دراسة: زيادة نسبة التشوهات الخلقية في غزة إلى الضعفين بعد عدوان 2008-2009 وعلاقة وثيقة بين زيادة نسبة السرطان والتعرض للأشعة المؤينة
فحص عينات من أجزاء المباني المستهدفة تثبت استخدام إسرائيل للأسلحة المشعة في غزة
عواقب صحية-بيئية خطيرة بعيدة المدى لعدواني 2009 و2012 على قطاع غزة
ماجدة البلبيسي وسمر شاهين
خاص بآفاق البيئة والتنمية
كشف مختصون وخبراء عن تلوث عينتين من ضمن (35) عينة أخذت من ركام وأجزاء المباني التي قصفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوان (2012) على قطاع غزة بالمعادن الثقيلة بمختلف أنواعها والتي تحتوى على إشعاعات خطرة للغاية على الصحة العامة، وقد تم التحفظ على نتائج الفحص الذي أجري في احدى مختبرات الدول العربية وذلك لدواعٍ أمنية خوفا من ترويع المواطنين في أماكن القصف.
وربط المختصون زيادة نسبة السرطانات في الآونة الأخيرة بآثار الأسلحة التي استخدمت خلال العدوانين على القطاع، حيث بلغت عدد الإصابات "ألف حالة" سنوياً وفق دراسة أجريت في العام (2011) مؤكدين أن تأثيرات الحروب وتبعاتها تظهر بعد عدة سنوات من نشوبها وفق الدراسات التي أجريت في عدة دول شهدت حروباً استخدمت خلالها الأسلحة المحرمة دوليا.
لم تنته بعد
ونبه المختصون أن أثار العدوان الإسرائيلي الأول (2008) والثاني عام (2012) لم تنته بعد، بل زادت رقعة مخاطرهما سيما في ظل قلة الإمكانيات وعدم التخلص من آثار ركام ومخلفات العدوانين واعادة استخدامها في اعمال البناء مرة اخرى دون النظر الى خطورتها، عدا عن سوء التعامل مع ما تبقى من مخلفات وركام جرى نقله من مكان لآخر بطرق تقليدية لم تراعِ الأمن والسلامة.
وأكد المختصون خلال ندوة حوارية حول "الآثار البيئية والصحية لأسلحة الدمار الإسرائيلية" نظمها مركز العمل التنموي "معاً" ضمن سلسلة الحوارات البيئية التي دأب على تنظيمها ضمن مجلة آفاق البيئة والتنمية أن هناك العديد من الدول الأوروبية قد رفضت التعاطي مع العينات التي أرسلت عبر الطواقم الفنية التي وصلت إبان العدوانين على القطاع، ومنهم من جاء الى القطاع لأخذ عينات لفحصها، وبعد أن تم ذلك، رفضوا إعطاء نتائج تلك الفحوصات، وشكل ذلك مدعاة للشك بأن تلك العينات ملوثة بالأسلحة المحرمة دوليا.
وأوضح المختصون أن قلة الإمكانيات وعدم وجود مختبرات ومعامل مختصة يبقي القضية معلقة وتخضع للتكهنات، ولم يمكنهم ذلك، من اتخاذ إجراءات لها علاقة بمعاقبة من يقترف تلك الجرائم بحق الإنسانية.
واستعرض المقدم حازم أبو مراد مساعد مدير عام إدارة هندسة المتفجرات، الخدمات التي تقدمها تلك الإدارة المتخصصة إبان تأسيسها عام ( 1995) وجرى استحداثها وإعادة هيكلتها خلال السنوات السبع الماضية وتعنى بالتركيز والتعامل مع الأجسام المشبوهة قبل وأثناء وبعد العدوان.
وتابع أن عمل الإدارة قبل العدوان يتمثل بالتوعية والإرشاد من خلال برامج إعلامية محددة، وأثناء العدوان تم التعامل مع الأجسام على محورين إزالة الخطر الناجم وتوثيق العينات والاحتفاظ بها بعد العدوان، والتخلص من الأجسام التي وجدت والتي تشكل خطراً سواء انفجرت أم لم تنفجر.
7639 مهمة
وأشار أبو مراد أن الإدارة تعاملت على الرغم من قلة الإمكانات بعد إطباق الحصار وانعدام التعاون الدولي مع آثار العدوان على مدار الساعة عبر فرقها المتخصصة، حيث نفذت الإدارة (7639) مهمة معاينة لآثار العدوان، موضحاً أن مدينة غزة حظيت بالنصيب الأكبر من القذائف البحرية والصاروخية الجوية، حيث استهدف العدو الإسرائيلي غزة بنحو (285) عملية استطعنا رصدها ومعاينتها في الأماكن المستهدفة في حين وصلت عدد العمليات إلى (255) عملية في خانيونس تلتها محافظة رفح بـ (251) عملية والوسطى (181) وشمال غزة (147) عملية، حيث وصل إجمالي العمليات (1119) عملية معاينة وهو ما استطعنا الوصول إليه، وقد يكون الرقم مضاعفاً، كوننا لم نستطع الوصول والتعامل مع آثار العدوان إلا بعد عامين.
عمل إنساني
وأكد أبو مراد أن عمل الإدارة إنساني في المقام الأول وخدماتي وليس قتالي أو سيادي من خلال إزالة أية مظاهر للخطر والضرر جراء المتفجرات، وكذلك أخذ الشظايا لتحديد نوعية الانفجار.
وقال: "حاولنا الاحتفاظ بعينات من التربة بقصد تحليلها ومعرفة مدى تركيز المواد الثقيلة والمشعة"، موضحا محاولته الاستفادة من العدوان الثاني على القطاع حيث جرى تشكيل لجان مختصة من عدة وزارات وكان هناك تعاون دولي خجول، وعلى الرغم من وصول فرق دولية للتحقيق، إلا أنها لم تعد مرة أخرى للمتابعة بعد منعها وبقيت نتائج الفحص الفنية رهينة لديهم ولم توثق بشكل رسمي.
وحول كيفية التعامل مع الأسلحة التي لم تنفجر قال أبو مراد: "بقيت تلك عهدة لدينا بعد تقدير نسبة خطورتها حسب تقدير الخبراء وجرى الاحتفاظ بها في باطن الأرض في مناطق خالية وغير سكنية، لحين إتلافها بشكل تدريجي بعد انتهاء العدوان".
|
بعد 21 يوما من التعرض للأشعة |
الآثار الصحية
وقدم المهندس عوني نعيم مدير عام سلطة الطاقة ملخصاً للدراسة التي أجراها في العام (2011) لمعرفة الآثار الصحية على الأجنة والتي نشرت نتائجها في مجلات دولية، واستهدفت الدراسة متابعة الولادات التي تمت بعد اجتياح (2008) حيث لاحظ الأطباء بعد الأعراض الغريبة التي ظهرت على المصابين جراء الاجتياح بعد تعافيهم وخروجهم من المشافي، ليتضح بعد أيام عدة، أن المصابين يعانون من أعراض متمثلة بالاختناق وآلام مختلفة وبعد الفحوصات اكتشف الأطباء أن هناك بعض الشظايا غير المرئية داخل أجساد هؤلاء.
وتابع "أننا أرسلنا بعض عينات الشظايا لفحصها في دول أوروبية وذهبت بدون مسميات لأسباب أمنية، ولكننا على الرغم من ذلك لم نتلق أية تقارير رسمية بهذا الشأن".
وتابع نعيم أننا استندنا في دراستنا على مقارنة ما حدث من تشوهات في الولادات في مدينة الفالوجا في العراق إبان العدوان الأميركي والذي كشف أن هناك تشوهات وبنسب عالية في الأجنة، وقارنا هذا الوضع في قطاع غزة وحاولنا نظراً لقلة إمكانياتنا إرسال عينات عبر أصدقاء دوليين وبشكل شخصي من خلال ثمانية أطباء شبان جاءوا للقطاع بهدف جمع بيانات ودراسة حالات القاطنين في أماكن القصف.
وكشف نعيم أنه جرى معاينة (4027) حالة ولادة خلال ثلاثة شهور ولوحظ أن هناك زيادة في نسبة التشوهات بعد عام من العدوان للنساء القاطنات بجوار أماكن القصف، وأن هؤلاء النساء لم يوجد لديهن تاريخ عائلي وراثي، منوها في ذات الوقت أن نتائج مقارنة نسبة التشوهات بما قبل عام (2008) بينت زيادة بنسبة الضعفين، وبعد البحث اتضح أن هؤلاء النسوة اللواتي حملن بعد العدوان، تعرضن في السابق لنوع على الأقل من أنواع الأسلحة التي استخدمت في العدوان وكان الفسفور والدايم السبب الرئيس في ذلك.
كشف طبي
وطالب نعيم بضرورة إجراء كشف طبي على الطفل المولود قبل مغادرته المشفى حتى وإن لم يظهر عليه أية أعراض غريبة، خاصة وأن آلية التعامل المعروفة في مجمع الشفاء الطبي يتم بمغادرة الطفل مباشرة وبعد (24) ساعة، وإذا ما تعرض لمشكلة صحية يحول لمشفى النصر للأطفال وبالتالي يصعب فيما بعد متابعته.
وكشف نعيم وفق الدراسة أن معظم التشوهات التي ظهرت شملت الجهاز العصبي والدوري والجهاز البولي وقد تكون الإصابة شاملة لعدة أجهزة لدى الطفل، وفي ذات الوقت طالب نعيم بضرورة فحص الأجنة التي أجهضت، وإجراء بحوث لمعرفة أسباب الإجهاض.
وتحدث المهندس "منذر سالم" من سلطة جودة البيئة حول نتائج الفحوصات التي أخذت في عدوان (2012) من قبل طواقم فنية مشتركة ومختصة حيث تم اخذ (67) عينة تربة وركام من المباني التي استهدفت، وحولت (5) منها إلى جهات مختصة متنوعة في مصر شملت وزارة الزراعة وهيئة الدفاع، وغيرها من المؤسسات، وقد أكدت النتائج وجود التلوث؛ إلا انه اشار الى عدم نشر النتائج للعلن خوفا على الامن القومي وترويع المواطنين.
فيما قدم المهندس أنور عطاالله من سلطة جودة البيئة عرضا عن تأثير الأشعة المؤينة وأثرها على صحة الإنسان، موضحا أن هناك عدة أشكال من حيث النوع موجات كهرومغناطيسيةElectromagnetic Waves، موجات جزيئية Waves Particle (α , β , p, n), موجات ميكانيكية Waves Mechanical (Sound, U.S)
أما من حيث التأثير فمنها مؤينة Ionizing radiation وغير مؤينة non ionizing radiation
أما من حيث التعرض، فهو العملية الفعلية التي يتعرض من خلالها الإنسان للأشعة أو المواد المشعة والممارسة تؤدي إلى زيادة التعرض الكلي عن طريق استحداث مصادر جديدة تتعرض لأشخاص جدد.
ضرر حتمي
وحول الآثار البيولوجية والجسمية الناجمة عن التعرض للإشعاع المؤين أشار عطالله، أنها تشمل على ضرر حتمي لا يحدث إلا إذا تجاوزت الجرعة حداً معيناً، وضرر عشوائي قد يحدث مهما كانت الجرعة ولا يمكن تجنب التعرض كلياً لهذه الأشعة.
وأشار أن العلاقة بين الجرعة الإشعاعية والضرر علاقة احتمالية بمعنى أنه إذا تعرضت مجموعة من الأفراد لتلك الجرعة فإن الضرر قد يحدث فقط في بعض الأفراد بطريقة عشوائية بدون معرفتهم مسبقاً، وأن العلاقة بين الجرعة والضرر علاقة طردية مستوية، ويحدث الضرر عند الجرعات سواء كانت مرتفعة أم منخفضة على حد سواء.
ونبّه عطالله أن الضرر يحدث بعد مرور وقت طويل ويمكن بعده اكتشاف المرض السرطاني أو الوراثي
وأجمع المشاركون على ضرورة تأسيس مختبرات لقياس مستويات الإشعاع من أجل حماية الإنسان والبيئة المحيطة به. وتضافر كافة الجهود من قبل الجهات المعنية والوزارات والمؤسسات ذات العلاقة، وكذلك تشكيل جسم ضاغط من القطاعات الحكومية والأهلية والجامعات للضغط بإتجاه ضرورة وجود مختبر لفحص كل ما يستورد من الخارج للتأكد من سلامته من المواد الإشعاعية، عدا عن تكثيف البحث العلمي في المجالات البيئية وتخصيص موازنات بهذا الشأن.
معطيات خطيرة من كواليس الندوة تنفرد آفاق في نشرها
1- يسجل قطاع غزة شهريا 90 حالة سرطان جديدة بالمتوسط، وذلك بحسب مصادر رسمية ولعلّ اليورانيوم المنضب الذي استخدم في الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة عام 2008-2009 السبب الرئيسي في ذلك حيث ان تأثيره على الصحة يتكشف بعد 4-5 سنوات.
2- تحليل العينات التى تمت في المختبرات المصرية أكدت بالدليل القاطع ان الاحتلال استخدم مواد مشعة في حربه على غزة عام 2012، إلا اننا هنا في قطاع غزة لا يمكننا كشف كل النتائج وذلك حفاظا على الأمن القومي، كما ان نقلها من مكان لآخر زاد من الكارثة.
3- المختبرات العالمية رفضت التعامل معنا بصورة او بأخرى مما افقدنا الكثير من الحقائق كما ان العديد من العينات التي تم الاحتفاظ بها فُقدت مع الزمن.
4- الخبراء حينما وصلوا الينا لا سيما الطليان، اخذوا بعضا من العينات وحينما اجروا الفحص عليها قالوا لمن في مراكز التحليل، انها عينات من هيروشيما لتتكشف الحقائق في دراسة نشرت باللغة الانجليزية.
5- ان الذين عمدوا الى استخدام حديد الإنشاءات التى دمرها سلاح الاحتلال سيعرِفُ بعد سنوات قصيرة انه ارتكب جرما بحق نفسه.
6- قطاع غزة بات بأمس الحاجة الى إنشاء مختبر للتحليل، لا سيما وانه مهدد في كل لحظة بحرب إسرائيلية جديدة.
7- الكشف الكامل عن نتائج التحاليل يحتاج الى قرار سياسي.
|
|
جانب من المشاركين في ندوة الآثار البيئية والصحية لأسلحة الدمار الإسرائيلية |
ندوة الآثار البيئية والصحية لأسلحة الدمار الإسرائيلية في حروبها ضد غزة |