خاص بآفاق البيئة والتنمية
الآثار المدمرة لقنابل الفسفور الإسرائيلي على قطاع غزة لا تزال حتى يومنا هذا
القنابل الفسفورية أو قنابل الفسفور الأبيض، سلاح محرّم دولياً حسب إتفاقية جنيف عام 1980 والتي نصت على تحريم إستخدام الفسفور الأبيض كسلاح حارق ضد البشر والبيئة. ولكن رغم ذلك إستخدمته إسرائيل في الحرب على غزة عام 2008 ضد المدنيين والبيئة.
يتميز هذا النوع من القنابل بشدة نشاطه كيميائيًا وسرعة تفاعله مع الغلاف الجوي. حيث أن الفسفور الأبيض وبمجرد ملامسته للهواء يشتعل ويتأكسد بشكل سريع جدًا وينتج عنه خامس أكسيد الفسفور، وهذه القنابل عند إنفجارها تنتج عنها حرارة عالية جدًا يصل تأثير شدتها إلى إنفجار عنصر الفسفور، لينتج لهباً كبيرًا حارقًا يحرق كل ما يلامسه من بشر أو شجر أو حتى تربة. ويُنتج دخاناً أبيض اللون كثيفًا سامًا يقتل نسبة كبيرة ممن يستنشقونه لفترة طويلة. سواء من البشر، أو الحيوانات، أو حتى الكائنات العضوية، ما قد يسبب فيما بعد بكارثة بيئية لا تحمد عقباها.
الجدير ذكره أنه في حال تعرض منطقة ما للتلوث بتفاعلات هذه القنابل (الفسفور الابيض ) فإن ذلك يؤثر على عناصر البيئة كافةً من ماء و هواء أو حتى تربة وكائنات بشرية وعضوية، بل ويصل تأثيرها لكل كائن حي بالمنطقة المستهدفة. حيث أن آثاره المباشرة على البشر تتركز في التسبب بحروق من الدرجة الثانية والثالثة وأمراض جلدية عديدة، ويؤدي للاختناق عند استنشاقه ويتسبب في أمراض لها علاقة بالجهازين التنفسي والعصبي، وكذلك يسبب أضراراً بالغة بالكبد والقلب والكلى.
غزة التي تعرضت لكميات كبيرة من هذه القنابل بقيت لفترة طويلة تعاني بيئتها وتربتها من آثارها. حيث صاحب استخدام هذه القنابل مخاطر عديدة على التنوع الحيوي، وأدت هذه القنابل إلى تدمير النظام البيئي الطبيعي من حيوانات ونباتات، وتلويث المنتوجات الزراعية التي يتم فيما بعد، تناولها عن طريق السلسلة الغذائية. إضافة إلى توقف النشاط الزراعي لفترة طويلة في الأراضي التي تسممت بالفسفور الأبيض الذي حرق ايضاً كافة الأشجار المزروعة في هذه المناطق، ناهيك عن آلاف الحيوانات التي قُتلت وحرقت نتيجة هذه القنابل. إضافة إلى ذلك؛ فإن استخدام هذه القنابل على غزة في فصل الشتاء، كان سببا في تسرب الفسفور الابيض المتبقي على سطح التربة إلى أعماق مختلفة تحت الطبقة الزراعية للتربة، ومن ثم إلى المياه الجوفية والبحار، مما أدى لتسمم مصادر المياه الجوفية وتسمم الأسماك.
الفسفور الأبيض الذي قصفته إسرائيل على أهلنا في قطاع غزة يعد من أسلحة الدمار الشامل
عناصر خطيرة
أثبتت دراسة نشرتها مجموعة أبحاث الأسلحة الجديدة “NWRC” في عام 2009 (1) ، والتي قامت بفحص أربعة مواقع تعرضت للقصف في قطاع غزة، اثنان في مدينة بيت حانون ومخيم جباليا للاجئين "تعرضوا للقصف خلال حرب يوليو 2006"، والآخران في حي التفاح والصبرة بمدينة غزة تعرضوا للقصف في حرب يناير 2009. أن عنصر التنغستن في موقع الفحص في مدينة بيت حانون تم العثور عليه بكميات كبيرة (ما بين 20 و 42 ضعف متوسط المستوى المتوقع في التربة). وكما أن عنصر الزئبق وجد أيضاً بكميات (ما بين 8 و 16 ضعف المستوى الأقصى المسجل في دراسة تم إجراؤها في عام 2003).
الجدير بالذكر أن كلا العنصران عند التركيز المتوسط والعالي لهما تأثيرات سامة ومسرطنة خطيرة على الإنسان. وأن الزئبق عامل مسبب للسرطان وينتقل عبر الجلد أيضًا؛ بالإضافة إلى أنه يتنقل أثناء الحمل إلى الأجنة، وهذا ما يفسر ولادة أجنة بتشوهات وأمراض سرطانية بعد انتهاء الحرب على غزة. أيضاً يشتبه في أن عنصر التنغستن سام أيضاً للأجنة. وعند التركيز المنخفض، يمكن أن يسبب أمراضاً في الجهاز التنفسي والعصبي. أما بالنسبة لعنصر الموليبدن المعروف بأنه يستخدم في الأسلحة، فهو عنصر نادر في التربة، وقد وجد بتركيزات عالية في جميع المواقع التي تم فحصها وذلك بتركيزات ما بين 25 و 3000 مرة أعلى من متوسط المستويات الطبيعية له في التربة (0.004 جزء في المليون).
قنابل الفسفور الحارق الإسرائيلي في عدوان 2008 على قطاع غزة
أما بالنسبة لعنصر الكادميوم المعروف بأنه معدن مسرطن وموجود عادة في تركيزات منخفضة في تربة غزة (0.093 جزء في المليون وفقا لدراسة تم إجراؤها 2003). فقد كشفت الدراسة عن كمية عالية من الكادميوم فى حي التفاح (بما يصل إلى 7.3 ضعف المستوى المتوسط له في التربة. )إضافة إلى ذلك، فقد تم العثور على عنصر الكوبالت المعروف بتأثيره على سلامة الحمض النووي للإنسان من الطفرات الجينية الغير طبيعية، بكميات تصل إلى 26.2 جزء في المليون في حي التفاح، أي حوالي 5 أضعاف المستوى المتوسط المتوقع في التربة (5،1 جزء في المليون). إضافة إلى ذلك، تم العثور على عنصر النيكل، المنجنيز، النحاس، والزنك في حي التفاح بمستويات أعلى مرتين من المتوسط الطبيعي لتراكيزها في التربة. ومن الجدير بالذكر أن بعض مركبات النيكل والمنغنيز هي مركبات مسرطنة. كما تم العثور على عنصر السترونتيوم بكميات أعلى من متوسط وجوده في القشرة الأرضية في جميع المواقع التي تم فحصها، وكان تركيزه يختلف في المواقع الأربع، ولا تتوفر بيانات سابقة عن تركيز هذا المعدن في تربة قطاع غزة. وبالتالي لم يتم تحديد ما إذا كان هناك وجود غير طبيعي لهذا المعدن أم لا.
هذه بعض العناصر التي تم الكشف عنها في أربعة مواقع تعرضت للقصف فقط، وتبقى علامات الاستفهام تلقي بظلالها على جميع المواقع التي تم قصفها، والحالات المرضية المشخصة بالسرطان والطفرات الجينية .
المراجع:
(1) New weapons Committee. (2009). Gaza Strip, Soil Has Been Contaminated Due to Bombings: Population in Danger. press release, December, 17.