خاص بآفاق البيئة والتنمية
قطاع غزة المحاصر الذي توالت عليه الحروب، به ما يقارب 300 نحال يعيشون حياة قاسية في مواسم جني العسل، يفضلّون البقاء بالقرب من مناحلهم على بقائهم في منازلهم وسط عائلاتهم، حتى يتفرغوا لمراقبة خلايا النحل والاهتمام بها، فهم ينتجون نحو 200 طن عسل نحل سنويًا. وبسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، أصبح تسويق وبيع هذه الكميات من العسل مهمة ليست باليسيرة. رش طائرات الاحتلال المبيدات الكيميائية على الأشجار القريبة من الحدود الشرقية للقطاع أدى إلى قتل وحرق الأشجار المزهرة هناك، كما تسبّب في تسمم وموت أعداد كبيرة من النحل.
|
 |
الاعتناء بمناحل العسل |
يتجدد الأمل في قلوب مربي النحل في فصل الربيع ما أن تتّفتح أزهار النباتات حول خلايا النحل الخاصة بها. إنه "فصلهم الموعود" لإنتاج عسل مثالي وبكميات وفيرة، إذ يُقدّر بنحو 200 طن عسل نحل سنويًا.
ففي قطاع غزة المحاصر، يعيش 300 نحال حياة قاسية في مواسم جني العسل، وعادة ما يؤثرون البقاء بالقرب من مناحلهم على البقاء في بيوتهم بصحبة عائلاتهم، حتى يتفرغوا للاهتمام بخلايا النحل ومراقبة أحوالها.
إلا أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، تعيق تسويق وبيع هذه الكميات من العسل لتغدو مهمتهم ليست باليسيرة.
ومنذ سنوات يتحمل مربّو النحل في غزة التحديات الجسام، وعلى رأسها رش طائرات الاحتلال المبيدات الزراعية على الأشجار القريبة من الحدود الشرقية لقطاع غزة، ما يؤدي إلى قتل وحرق الأشجار المزهرة هناك، فضلًا عن تسمم وموت أعداد كبيرة من النحل، بحُكم قرب أغلب الخلايا من الحدود، ونتيجة لهذا الوضع البائس تراجع إنتاج خلايا النحل بما يتراوح بين ( 5 و7) كيلو غرام عسل لكل خلية.
وعلى صعيد آخر، لا يرحمهم "طائر الوروار" الأوروبي المهاجر، الذي بات يشكّل تهديداً جدياً عن طريق مهاجمة أسرابه خلايا النحل ومن ثم التهام عدد كبير من النحل، وتتركز هجماته غالباً في موسم هجرته إلى غزة والذي يكون في فصل الخريف.

جني العسل من قبل مزارعين في قطاع غزة
أسباب التراجع
يقول طاهر أبو حمد مدير دائرة الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة في غزة لــ "آفاق البيئة والتنمية": "سجلّت الوزارة تراجعاً ملحوظاً في إنتاج العسل العام الفائت بنسب متوسطة، وهي نسبة متعارف عليها منذ سنوات بين المزارعين ومربيّ النحل".
وحسب تقييم أبو حمد، فإن هذا التراجع يعود إلى رش المبيدات على طول الحدود الشرقية، وكذلك ما نجم من أضرار عن سلسلة المنخفضات الجوية التي ضربت القطاع، وكان أهمها حرق الكثير من النباتات، ما أثرَّ سلبًا على تغذية النحل للخلايا.
وتطرق إلى انتشار مرض "الفاروا" الطفيلي الذي يحد من إنتاج العسل، وهو مرض يُصيب حشرات النحل، ويعيش بين حلقات البطن لذكور النحل أو على اليرقات، وتتغذّى هذه الطفيليات على جسد النحلة نفسها، بإحداث ثُقب في جسمها وامتصاص دمها، والفتك بها" تبعًا لحديثه.
في حين أن جهود وزارة الزراعة في هذا الصدد تتركز على رش مبيدات تمنع تفشّي المرض المذكور، على ألا يؤثر على النباتات والنحل.

مزارعون غزة يعتنون بمناحل النحل في أراضيهم الزراعية
مواسم جني العسل
يعتمد إنتاج العسل في قطاع غزة على موسمين أساسيين، الأول يكون مع مطلع شهر إبريل/ نيسان، ويُسمى الموسم الربيعي، ويتميز نِتاجه بجودة عالية ووفرة أكبر من الموسم الثاني، وفيه يعتمد المربون على أزهار الربيع في تغذية النحل دون أي إضافات بشرية.
أما الموسم الثاني فيكون في نهاية فصل الربيع وبداية فصل الصيف، وفيه تكون الأزهار شبه معدومة، وهو موسم أقل جودة في العسل المُنتج من سابقه، لاعتماد أغلب مربي النحل على السكر في تغذية نحلهم، الأمر الذي يؤثر سلباً على جودته وكميته.

مناحل العسل - قطاع غزة
أملٌ في آلة
يخبرنا مربي نحل من قطاع غزة اسمه سميح أبو رجيلة أن أغلب مربي النحل يفضّلون وضع الخلايا في المناطق القريبة من السلك الفاصل شرق غزة، حتى تتسنى الفرصة للنحل لعبور الحدود والاستفادة من المناطق الزراعية، موضحًا: "خلف السياج الفاصل مناطق فيها الكثير من الحقول والغابات، ويحرص الاحتلال أن تكون طبيعتها زراعية، مما يوفر ملاذاً آمناً للنحل ليجد أفضل غذاء، في حين يجرّف ويقصف الأراضي الزراعية في غزة".
وفي سؤاله عن عزم مربي النحل والمزارعين عمومًا في التغلب على المخاطر التي تواجه خلايا النحل، يقول: " نواصل حماية حشرات النحل بأقصى قوتنا، ونحاول تعويض الأعداد النافقة أو التي تأكلها الطيور سواء بحماية الخلايا أم بتجهيز خلايا نحل فيها ملكات تستطيع وضع المزيد من البيوض لإنتاج يرقات جديدة تعويضية".
وينتظر أبو نجيلة ورفاقه بفارغ الصبر موسم الربيع للحصول على عسل صافٍ ذي جودة عالية تناسب السوق، مشددًا في حديثه على ضرورة الاهتمام بالخلايا النحلية "كونها مصدر رزقنا الوحيد والمصدر الأساسي لنجاح مواسم تلقيح النباتات والتوازن البيئي".
وفي شرق خزاعة التقينا بمروان أبو صلاح الذي يجد في تربية النحل هواية مذهلة، مفسرًا ما يعنيه بالقول: "أتمنى من نفسي ومن الجميع اتباع قاعدة ذهبية مفادها "على كل مزارع ومربي نحل أن يبذل جهدًا في البحث والتطوير، فلا يكتفي بالتربية التقليدية للنحل، وأن يسعى لاستغلال أمثل لكل ما يُنتجه النحل من شمع وعسل وحبوب لقاح".
ونجح المربي أبو صلاح أخيرًا في نسج صداقة بين خلية النحل التي لديه وأزهار نبات الكوسا في مزرعته، وأصبح يتغنّى بإنجازه "النحل صديق الكوسا".
ويواصل كلامه: "أطلّع بصحبة بعض المربين على نشاطات زملائنا في الضفة الغربية، وقد لفت انتباهنا آلة لديهم يستخدمونها في إعادة تدوير شمع النحل، وشخصيًا بحثت جيداً وحصلت على المعلومات المطلوبة حول تلك الآلة، لكن ينقصنا بعض الدورات العملية وجهةٍ تستطيع إدخال الآلة لقطاع غزة".
جدير بالذكر أن هذه الآلة تعمل على إعادة استخدام شمع النحل الذي يجمعه المزارعون من الخلايا القديمة فيُذاب إلى أن يصبح متجانسًا ومن ثم يُنظّف في خزان خاص، بعد ذلك يُضخ إلى خزان التبريد، ولاحقًا يُبسط ويُشكّل في قوالب جديدة لشمع العسل، ضمن معايير الجودة والسلامة.
وإذا ما اُعتمدت هذه التقنية في غزة، فإنها ستحافظ على الشكل والرائحة الطبيعية لكميات كبيرة من شمع النحل المُعاد تدويره، ومن شأن ذلك أن يساهم في التخفيف عن مربي النحل وسيكون له فوائد بيئية.