خاص بآفاق البيئة والتنمية

التعليم عن بعد
خلال تزامن شهر الصوم بالمدرسة، مستهل الثمانينيات، كنا نتحدث عن نمط حياتنا الرمضاني، فمنا من كان يفضل القراءة بعد السحور، أو يغريه النوم فيؤجل ذلك إلى ما بعد الإفطار.
لم نكن نسهر بعد العاشرة مساءً. وراج ضرب المواعيد بيننا للذهاب إلى الحاووز قبيل المغرب لطلب الماء، أو لشراء الثلج من ساحة البلدة، وقبلها نأخذ صحنًا فارغًا لشراء السمنة بالمفرق، وسبقتنا الأجيال الأكبر بابتياع الطحينية بالطريقة ذاتها، أما الدجاج فمصدره الوحيد دكان الحاجة "أم عوض" وابنها رحمهما الله، واللحوم على قلتها من الحاج صالح العبد، او لاحقًا الحاج محمود السعيد رحمهما الله.
في المدرسة تعليم وامتحانات وسط الصوم، وحديث أيضًا عن الطبق الذي تُحضرّه الأمهات الجميلات للإفطار. كنا نتباهى بالطبق الأفضل، ونكرر الذهاب إلى "الحاووز" في أيام القيظ، قبل أن يجف.
انقلب الحال اليوم كثيرًا، وتغير كل شيء عمليًا من عاداتنا وتقاليدنا، وازداد إفراطنا في الاستهلاك وميلنا للنوم الطويل والخمول، وفقد الشهر الكريم أسمى معانيه.

هدر الطعام
استهلاك
أعقد لقاء تدريبيًا افتراضيًا للصحافيات الصغيرات، وهو مشروع أنفذه منذ 8 سنوات في طوباس والأغوار الشمالية، نسجل خلاله ومضات حول إفراطنا في الاستهلاك، وكميات الطعام المهدور في العالم.
أناقش سديل، وكرمل، ورهف، ورماس، ولجين، وميار، ونبحث عن معلومات دقيقة من مواقع موثقة عن نصوص قصيرة للومضات تتصل بالاستهلاك والإنتاج المستدامين.
تقول إحدى الومضات: " يُقلل الاستهلاك والإنتاج المستدامين من استخدام الموارد الطبيعية والمواد السمية والانبعاثات من النفايات والملوثات طوال فترة حياة الخدمة أو المنتج، لكيلا تضر بحاجات أجيال المستقبل".
فيما تقول أخرى" قدّرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، كمية الغذاء المنتج للاستهلاك البشري التي تذهب إلى الهدر على المستوى العالمي، بنحو 1.3 مليار طن سنوياً، ما يعادل نحو ثلث إنتاج الغذاء العالمي." وتشير ثالثة" إلى أن الغذاء المهدور يكفي لإطعام نحو ملياري شخص. بينما ينام 842 مليون شخص في العالم وهم جائعون." وتبث ومضة جديدة "يمكن تجنب إهدار 4.1 ملايين طن من ذلك الغذاء (ما نسبته 61%) لو توافرت إدارة أفضل له."
تبوح الصغيرات بإرشادات عملية مثل: فكر قبل أن تشتري، واستأجر واستعر وتبادل، وأعد استخدام أو تصنيع مواد وتجهيزات الأبنية القديمة، وأعدّ قائمة المشتريات، واستخدم أكياسًا صديقة للبيئة، وتسوّق مرة واحدة.
ويختتمن: "في رمضان وكل حين، نعود إلى الوجبات والحلويات والعصائر التراثية الغنية بالعناصر والأقل تكلفة"، و" في رمضان وكل وقت، نحدد كمية الطعام الذي نحتاجه قبل طهيه، حتى لا نلقي الفائض في النفايات".

مرج ابن عامر عام 2021
"ابن عامر" يحتضر
تصاب بنوبة إحباط وقهر مع كل صعود إلى التلة المشرفة على مرج ابن عامر. فالزحف الإسمنتي يرفض التوقف، والتهام المزيد من المساحات الخصبة مستمر، والجهات المسؤولة في سبات.

مرج ابن عامر عام 2014
وفي كل مرة أوثق بالصور حال المرج، الذي ليس له من اسمه نصيب. في الوقت الراهن أقارن بين صورتين من الزوايا ذاتها تقريبًا، (2014 و2021) سبع سنوات عجاف مرت على المرج. الأكثر ألمًا صورة قديمة التقطتها في التلة نفسها للمرج لي عام 1990، وأعدتها بالموقع نفسه لولدي عام 2015. كم هو محزن إصرارنا على تدمير أرضنا الخصبة.
 |
 |
الزميل عبد الباسط خلف في مرج ابن عامر عام 1990 |
ابن الزميل عبد الباسط خلف في مرج ابن عامر عام 2015 |
انتخابات
لست متشوقًا للانتخابات المقبلة، التي قد لا تحدث، وأدرك تمامًا أن أصوات الناخبين تُستخدم مرة واحدة كجسر عبور.

أطالع 36 قائمة تتنافس على مجلس من 132 مقعدًا. لا أعرف الدافع الحقيقي وراء ترشح الأغلبية، ولست أدري منطقية وضع بعض القوائم لـ 132 مرشحًا، فقد كان يمكنهم الاكتفاء بنصف المقاعد.
أما الافتراض بأن جماعة "زيد" أو "عمرو" سيحصدون علامة كاملة في المجلس التشريعي فذلك من سابع المستحيلات. نتوقف مع العدد قليلًا، ونقتبس لكم من موقع المجلس نفسه: "حددت اتفاقية المرحلة الانتقالية عدد أعضاء المجلس الفلسطيني باثنين وثمانين عضواً (تم الاتفاق لاحقاً على جعل العدد 88 عضواً)"، ثم رفع قانون 2005 العدد إلى 132. ولكم أن تكملوا القصة، سألت أحد المرشحين قبل أيام عن فهمه لدور المجلس وصلاحياته، فقال بالعامية: " بنتعلم، محداش ولد بعرف"! لا علينا.
في زمن المنافسة الانتخابية تتغير النفوس والتحالفات، ويجري القفز عن القضايا الكبيرة (يوم الأرض 2021 مثلًا لم يكن هاجس غالبيتنا هذا العام).
مع كل حمى انتخابية أحاول الإجابة على سؤال مفتوح: لو كان "التشريعي" بلا امتيازات مالية هل سنشهد منافسة شرسة كما نرى اليوم؟ الإجابة البريئة: لا.
سأحتاج 36 ساعة متواصلة لقراءة البرامج الانتخابية للمتنافسين، وسأعجز عن حفظ أسماء القوائم، وسأرى أسماءً تدخل إلى الحياة العامة لأول مرة، أو أنها مصابة بتخمة المناصب والمواقع والمغانم.
أعترف أنه لو جرى اختباري في البرامج لرسبت، لأنها ستكون في غالبيتها كلامًا عامًا، وشعارات، وأحلامًا بلا رصيد، وتجاوزًا لدور المجلس، الذي لم يدّع يومًا أنه سيحرر القدس، ولا أنه سيُعبد الطرق الترابية في الأغوار ومسافر يطا، أو أنه سيربط التجمعات المهمشة بشبكات صرف صحي، فاختصاصاته مختلفة، ودوره ومهامه ليست خدماتية.
اقتصدوا في تمجيد القوائم أو الهجوم عليها، وراقبوا الأخطاء اللغوية والسياسية فيها، وحاسبوها على عدم تفريقها بين دور المجلس وأحلامها، وطالبوها ببراءة ذمة للفائزين قبل الجلوس تحت قبة البرلمان، واشترطوا عليها بتعهد مكتوب بأن يكون نشاطها البرلماني الأول التصويت لصالح شطب الامتيازات المالية، وتحسين الوضع وأسطول المركبات الممنوحة للأعضاء ورواتب التقاعد، إن وقعّوا لكم على ذلك، ادفعوا لهم من جيوبكم، وغنوا لهم: "على الموت لو رايح خذني".

رمضان قديما في فلسطين
"نار"
تحوّلت بيوتنا، منذ الجائحة وتعطل دواليب المدارس والجامعات إلى ساحة تعليم افتراضية. أتابع الأبناء، واستمع من أصدقاء، وأناقش جهات تربوية حول فَداحة الخسائر المترتبة على إغلاق المؤسسات التعليمية، والثمن الذي سندفعه في المستقبل لذلك. يتعامل جزء من الطلبة مع الحصص الإلكترونية بنوع من التسلية، حتى أنها امتداد للهو الإلكتروني الغارقين فيه.
نحن بحاجة، قبل فوات الأوان لحلول عملية وخلاقة لإعادة الدماء إلى الجامعات والمدارس، القطاع الوحيد الأكثر إغلاقًا، رغم العودة الجزئية في 20 نيسان.
أظن أننا نمتلك من العقول والحلول الكثير لتطويق النار القادمة، التي ستمس بمكانة التعليم وجوهره، وتُخرّج أجيالًا خسرت الكثير مما كان يجب أن تتعلمه وتعيشه.
والمؤسف والمُقلق، كيف دخل "هوى" عدم الرغبة بالعودة إلى المدارس-حال الإعلان عنها- إلى قلوب جزء من طلبتنا؟ وبأي الطرق يمكن إصلاح الهزات الارتدادية للغياب الطويل؟