شِبرٌ واحد أغلى من الدنيا
خاص بآفاق البيئة والتنمية

وائل الشافعي
تجربتي في الزراعة كعقيدةٍ راسخة، ورثتها أبًا عن جد. عملت فيها منذ كنت صغيرًا، وعرفت كيف تُزرع البذور، وما هي أوقات الريّ المناسبة لكل نبتة، ومواعيد قطافها؛ كَبرت وزرعت لسنوات طويلة الحمضيات والخضروات، ثم اتجهت نحو الفراولة كونها تُدرِ دخلًا مجديًا مقارنة بغيرها من المحاصيل.
وقد حافظت الفراولة على مكانتها الاقتصادية عند المزارعين حتى عام 2006، كنّا نصف الموسم بـ "الذهبي"، بعدها بدأنا نفقده رويدًا رويدًا بسبب الحصار الإسرائيلي، ومنع التصدير، وأخيرًا جائحة كورونا وتأثيرها السلبي على القوة الشرائية للسكان.
يدفع المزارع الفلسطيني ضريبة وجوده على هذه الأرض، إما بروحه أو برزقه، إذ يعلم يقينًا أن الاحتلال الذي لا يفصلنا عن دبابته العسكرية سوى أمتار، قد يُنهي حياتنا برصاصة واحدة، وبصاروخ يُدمر موسم كامل، ومع ذلك يمكن بأي حال أن يدير ظهره للتاريخ الطويل الذي يربطه بها، والمنفعة المتبادلة بينهما.
في مرحلة من عمري، اضطررت لترك الزراعة، واستأنفت دراستي الجامعية، وحينها تفوقت على زملائي بالكلية وحظيتُ بوظيفة حكومية، لكنّ هذا التعلق حقًا ليس بيدي، وكم هو عجيب عمق العلاقة الذي يربط المزارع بـ "الشتلة" والروتين اليومي في الأرض، ولذا عُدت إليها رغمًا عن كل "الحسابات".
أقولها بمنتهى الصدق: لو خيرّوني بين أملاك الدنيا مقابل بيع شبرٍ واحد من أرضي، فإن كفّة "يوم من الحياة الهانئة التي أعيشها هنا سترجح على أي خيار آخر ومهما كان مغريًا.

وائل الشافعي
وائل الشافعي (49 عامًا)
بيت لاهيا- شمال قطاع غزة