وادي غزة "المَكرهة البيئية".. أَيصدق الوعد ويعود محمية طبيعية؟
غزة/ خاص بآفاق البيئة والتنمية
"وادي غزة" يتعرض لانتهاكات بشرية، أفقدته سمته الطبيعية، وحولته من محمية إلى مكرهة صحية، هجرته الطيور البرية النادرة واستوطنته الحشرات والقوارض الضارة، ترك المزارعون الفلاحة بحرمه الخصب، وتحول مجراه مكباً لنفايات إنشائية وكيميائية. فالروائح الكريهة المنبعثة منه، وحشرات البعوض، من أشد العوامل المنفرّة للقاطنين بجواره، بعضهم هجر المكان بعد أن يأس من وعود المسؤولين بحل مشكلتهم، وآخرون اضطروا للبقاء لعدم توفر البديل.
|
 |
أكوام النفايات تنتشر في مختلف أنحاء وادي غزة |
يتعرض "وادي غزة" لانتهاكات بشرية، أفقدته سمته الطبيعية، وحولته من محمية إلى مكرهة صحية، هجرته الطيور البرية النادرة واستوطنته الحشرات والقوارض الضارة، ترك المزارعون الفلاحة بحرمه الخصب، وتحول مجراه مكباً لنفايات إنشائية وكيميائية.
فالروائح الكريهة المنبعثة منه، وحشرات البعوض، من أشد العوامل المنفرة للقاطنين بجواره، بعضٌ هجر المكان بعد أن يأس من وعود المسؤولين بحل مشكلتهم، وآخرون اضطروا للبقاء لعدم توفر البديل، ويقدر عدد سكان الوادي رسمياً بـ 16 ألف نسمة.
أبو إياد حسين، واحد من السكان القاطنين في الوادي من جهة الجنوب، منذ عشرين عامًا، يتحدث عن حجم الأذى الذي تواجهه أسرته، ومعاناتهم منذ أن تحول الوادي من محمية طبيعية إلى مكرهة بيئية.
أزمة قائمة
يقول حسين: "منذ أن قصف الاحتلال الإسرائيلي محطة توليد الكهرباء في عام 2006، في ردة فعل على أسر المقاومة الفلسطينية جندي إسرائيلي، ونحن نواجه أزمة مع وادي غزة، وهذه الأزمة تفاقمت بعد فرض الاحتلال الحصار وتشديده، وما زاد من استفحال الأزمة البيئية عجز البلديات المشرفة على تخوم الوادي عن معالجة مياه الصرف الصحي وتوجيهها مباشرة صوب الوادي".
وأضاف حسين: "بناء الاحتلال للسدود بالقرب من حدود قطاع غزة لحبس مياه الأمطار، جففت منابع الوادي، وأضحت المياه فيه شبه متقطعة، فبقيت الرواسب والمخلفات عالقة في قعر الوادي، وتولد عنها مواد ملوثة سامة قتلت الأسماك التي كانت تعيش في الوادي، وهجرته كذلك الطيور النادرة".

وادي غزة وقد تحول إلى مجرى للمياه العادمة والنفايات الصلبة
ولفتَ إلى أن أرض الوادي الخصبة صارت طاردة للمزارعين، ومن يملك قطعة أرض بجوار الوادي يحاول بيعها بأبخس الأثمان، وإن وجد المالك من يشتريها فإن المشتري يجعلها مخزنًا للحديد المهترئ أو "كراجاً".
وأشار حسين إلى أن التراخي من قِبل المسؤولين في متابعة وضع الوادي، شجع المواطنين على التخلص من مخلفاتهم الصلبة والمواد الكيميائية تجاه الوادي، ليصبح الأمر أكثر تعقيدًا.
وعلى مدار سنوات خلت، تصبّر السكان بوعود المسؤولين لهم، يإيجاد حلول لمشكلة الوادي. وعودٌ أخذت شكل هذه الجملة: "نواصل بحث الأزمة مع جهات دولية"، غير أن حسين يرى أن ذلك لا يتخطى إطار الأحاديث الإعلامية فقط.
ويُعد وادي غزة مظهرا من المظاهر الطبيعية المهمة في قطاع غزة، فهو ينبع من جبال الخليل بالضفة الغربية، وينحدر بشكل عام من الشرق إلى الغرب ماراً ببئر السبع ويصب في البحر المتوسط في ساحل غزة.
ويبلغ طول وادي غزة من المنبع للمصب حوالي 160 كم، وطوله القاطع لقطاع غزة حوالي 9 كم، ويبلغ ارتفاع الوادي عند الحدود الشرقية حوالي80 م، ويصل إلى الصفر عند المصب في البحر المتوسط.

وادي غزة الملوث بالمياه العادمة
حرم الوادي
من جانبها، أكدت وزارة الحكم المحلي بغزة، على أن مشكلة وادي غزة، دائمًا ما كانت تطرح على جدول أعمال الوزارة، إذ تناقشها وتبحثها مع البلديات والمؤسسات الدولية، موضحةً أن التأخير في إيجاد حلول، سببه الاحتلال الإسرائيلي الذي يفرض حصاره على قطاع غزة منذ 15 عاماً، وشح التمويل الدولي.
وبين مدير دائرة المشاريع في وزارة الحكم المحلي م. زهدي الغريز، أنه عقب الانتهاء من تشغيل محطة المعالجة المركزية شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة، فإن الوادي سيعود تدريجياً إلى محمية طبيعية بمشروع دولي قيمته نحو 5 ملايين دولار.
وأوضح الغريز: "إن محطة المعالجة المركزية شرق البريج، سوف تستوعب مياه الصرف الصحي القادمة من المنطقة الوسطى ومحافظة غزة، وستعمل على معالجتها، وإعادة توجيه مسار المياه تجاه وادي غزة، وهذا من شأنه أن يعزز مجراه بمياه نظيفة تصلح للزراعة والتربية".
وقال لـ "آفاق البيئة والتنمية"، إن وزارته أوعزت لكافة البلديات التي تشرف على وادي غزة بوقف كافة أشكال التغول البشري، ومنع إلقاء المخلفات الصلبة، مشيراً إلى تجاوب البلديات معهم وأن وزارته الآن بصدد إزالة القمامة المتراكمة في قعر الوادي، وإزالة الرواسب السوداء من جانب، وتعميق وادي غزة من جانب آخر.
وأنشئت محطة المعالجة المركزية بتمويل من بنك الائتمان الألماني لإعادة التنمية (KFW) بتكلفة أكثر من 100 مليون دولار، والتي تعتمد على أحدث تكنولوجيا في عملية المعالجة، وتعتمد بالأساس على توفير الطاقة الكهربائية من الغاز الحيوي الناتج عن عملية المعالجة، بالإضافة إلى إنشاء وحدة إنتاج الطاقة المتجددة عبر الخلايا الشمسية بقدرة 3.5 ميجاواط لتخدم ما يقارب من مليون مواطن في محافظتي غزة والوسطى.
ويُقدر حرم الوادي بــ 150 مترًا من الجانبين، إلا أنه منه الصعب العمل على تلك المساحة عند إجراء مشروع المحمية الطبيعية، نظرًا للتعديات الكبيرة للمواطنين وبالتالي التعويض مكلف، لذا قد يُكتفى بالتعامل بحرم الوادي على مساحة 50 مترًا من كل جانب، ، تبعًا لحديثه.

وادي غزة من محمية طبيعية إلى مكرهة صحية
عامان أو ثلاثة!
من جهتها طمأنت سلطة جودة البيئة، السكان القاطنين بجوار الوادي بأن مشكلتهم أوشكت أن تُحل، وأن الوادي سيتحول لمحمية طبيعة في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام، مشيرة إلى أن الخزان الجوفي سيستفيد من المياه المعالجة.
وقال بهاء الدين الأغا، مدير عام الإدارة العامة لحماية البيئة لـ مجلة "آفاق البيئة والتنمية": "بالتزامن مع مشروع محطة المعالجة المركزية، هناك تشارك بين سلطة جودة البيئة والحكم المحلي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) على جلب تمويل غربي لمشروع تحويل وادي غزة لمحمية طبيعية، وأن هناك دولاً أبدت استعدادها.
وبين الأغا أنه تم وضع تصور كامل لما سيكون عليه شكل الوادي، والمُخطط المقدم للجهات التمويلية يقوم على إعادة تدفق سريان المياه المعالجة داخل الوادي وصولًا للبحر، وعلى جانبيه تزرع الأشجار، وتُعاد الطيور البرية إلى الوادي، فضلًا عن إنشاء مساحات خضراء ومتنزهات عامة.
ويتوقع الأغا أن يبدأ تنفيذ المشروع خلال العام الجاري، وسيستغرق فترة تتراوح بين عامين إلى ثلاثة، حتى يعود إلى محمية طبيعية.
وأشار إلى أن مخطط الوادي يأخذ في الحسبان، مسألة التعاطي مع المياه التي تدفع بها سلطات الاحتلال في مواسم الأمطار والتي تسبّبت سابقاً في غرق المنازل المحيطة وسط القطاع.
وأوضح أن مدرجات في الجزء الشرقي للوادي ستقام بارتفاعات مختلفة، مهمتها حجز المياه وتقليل سرعة تدفقها، وفي الجزء الغربي ستُنشأ أحواض بمساحات وأعماق مختلفة لإبقاء المياه داخل حرم الوادي.
وشدد الأغا على ضرورة تفعيل "الضابطة البيئية" لتكون فاعلة وقوية في متابعة ومحاسبة المستهترين بالموارد البيئية الموجودة في القطاع.
وكانت السلطة الفلسطينية قد أعلنت عام 1994 تحويل وادي غزة إلى محمية طبيعية، لكنه بدلًا من ذلك تحول اليوم إلى مكب للنفايات ومصرف لـ 16 ألف متر مكعب من المياه العادمة غير المعالجة يومياً.