مع شَتلاتي أنا عصفورٌ هَني
خاص بآفاق البيئة والتنمية

محمد طنبورة
كان لأبي مشتلًا زراعيًا في بيتنا، رويدًا رويدًا بدأت آخذ عنه حُبه للزراعة، أصبحت أقضي وقتًا طويلًا برفقته في الأرض، وأتابع باهتمامٍ ودهشة رعايته لـ "الشتلات والبذور"، كانت تنمو بسرعة كما لو أنها طفل يكبر بالحُب.
حين كبرت قليلًا، تعمقت علاقتي بالمزروعات، فعندما تتعرف على أنواع جديدة من الشتلات، تشعر كما لو أنك تُقيم علاقات صداقة جديدة، فلكل نبتةٍ طقوس خاصة في النمو، ونجاحها يعتمد على مدى فهمك لها.
بعد سنوات من عملي الزراعي، لجأت مُرغمًا إلى مهنة "الحِلاقة" وعملت فيها نحو 18 عامًا، ومع أنها مجدية اقتصاديًا إلا أني لم أجد "محمدًا" فيها، كنت على الدوام مفتقدًا للمعاني الجميلة التي غرستها الطبيعة في داخلي، ما دفعني للعودة مجددًا إلى أحضانها.
أقضى برفقة أخي يوميًا 12 ساعة في المشتل، ما بين حَراثة وسقِاية و"قشبرة" لـ "الشتلات" تمهيدًا لبيعها في الأسواق. تبدو الأصص كلوحات فنيّة بتدرجات لونيّة أخاذة، ما يُثير اهتمام وإعجاب الزائرين.
عندما يسألني الناس عن المشاعر التي تغمرني وأنا في المشتل، لا أجد أقرب من وصف "عصفور سعيد لا يمّل التحليق في السماء ويرى فيها الفصول الأربعة". التعب هنا يستلذ المرء طعمه، وكل ما يتصل بالخُضرة يُشعرني بقيمة الحياة ويمنحني راحة البال.
محمد طنبورة
بيت لاهيا شمال قطاع غزة