كنوز علاجية على رفوف مطابخنا .... "الكركم"
خاص بآفاق البيئة والتنمية
لدى الشعب الفلسطيني، كما سائر الشعوب، ارتباط كبير بالأرض وما تنتجه من نباتات برية، وهذا الارتباط بالنباتات؛ ليس فقط لأنها تضيف نكهة لذيذة لأطباقنا، وإنما أيضاً لما لها من فوائد جمة تعود بها على صحتنا، فهي جديرة بأن تغني في معظم الأحيان عن اللجوء إلى استخدام الأدوية الكيميائية التي تعالج العديد من الأمراض، إلا أن لها آثاراً جانبية قد تلحق الضرر بأعضاء معينة في الجسم. إن جهازنا الهضمي وجسمنا بشكل عام موجه نحو هضم النباتات وتناول غِذاء يحتوي في مكوناته الأساسية على النبات. وتبدو الشعرة الفاصلة بين النبات غذاءً وعلاجاً ليست واضحة، فمثلاً: هل نصنف الليمون والبصل وحبوب الشوفان غذاءً أم علاجاً؟ الجواب بكل بساطة: "كلاهما". في هذا المقال، نختار نبات الكركم الذي لا يمكن الاستغناء عنه في المطبخ الفلسطيني، لنتعرف على مكوناته الرئيسية، وبيئته الأصلية، وفوائده، واستخداماته التقليدية والحالية.
|
 |
الكركم |
أصفر فاقع، ويُضفي مذاقاً لاذعاً على وصفات الطعام، وحضوره طاغي في الثقافة الهندية.. إنه الكركم! تلك معلومة يعرفها الجميع، ولكن ثمة تفاصيل أخرى تستحق اهتمامنا؛ ففي الآونة الأخيرة، صار الكركم محظ الأنظار بعد أن تم الاعتراف بأهميته الطبية وفوائده الرائعة، وعلى رأسها نشاطه المقاوم للالتهابات؛ ما يجعله علاجاً أساسياً للعديد من الأمراض المزمنة مثل الحساسية والسكري والصدفية والتهاب المفاصل.
وقبل أن نتعمق في الحديث عن "الذهبيّ المدهش"، دعونا نتحدث قليلاً عن ارتباط الشعب الفلسطيني بالأرض وما تنتجه من نباتات برية، وحاله في ذلك كحال الشعوب الأخرى، وهذا الارتباط بالنباتات؛ ليس فقط لأنها تضيف نكهة لذيذة لأطباقنا، وإنما أيضاً لما لها من فوائد جمة تعود بها على صحتنا، فهي جديرة بأن تُغني في معظم الأحيان عن اللجوء إلى استخدام الأدوية الكيميائية التي تعالج العديد من الأمراض، إلا أن لها آثاراً جانبية قد تلحق الضرر بأعضاء معينة في الجسم.
وعلى وجه الخصوص؛ لا يتخلى الفلاح الفلسطيني عن عادته الجميلة في جمع النباتات والأعشاب البرية تبعاً لمواسمها؛ مثل الميرمية والزعتر والجعدة والعكوب، لكونها تشكل جزءً أصيلاً من وصفات الطبخ الفلسطيني سواء في وجبة الفطور أم الغَداء أم العشاء.
وفي التراث الفلسطيني يحتفظ "العشّابون" أو ما يُعرف بــ " المعالجين الشعبيين" بمكانتهم، إذ يعملون على جمع نباتات بعينها؛ لعلاج بعض الأمراض، ويجفّفونها وقت الحاجة للاستفادة منها في خارج أوقات مواسمها، ويوصون بشرب منقوع الأعشاب ذي الرائحة المنعشة والنكهة الطيبة، ويمكن الاستفادة من بعضها في تحضير علاجات منزلية، مثل الميرمية والبابونج والنعنع البري ورجل الحمامة والكمندرة وغيرها الكثير.
إن جهازنا الهضمي وجسمنا بشكلٍ عام مُوجه نحو هضم النباتات التي تُعد أساسية في نظامنا الغذائي، ولذلك فإن الجسم البشري يلائمه التداوي بالأعشاب والنباتات، وفي حقيقة الأمر أنها إلى جانب أهميتها من الناحية التغذوية، تمتلك قيمة طبية فريدة.
إن الشعرة الفاصلة بين النبات غذاءً وعلاجاً تبدو ليست واضحة، فمثلاً: هل نصنف الليمون والبصل وحبوب الشوفان غذاءً أم علاجاً؟ الجواب بكل بساطة "كلاهما". فـ الليمون على سبيل المثال يُحسّن من قدرة الجسم على مقاومة العدوى، والبصل يخفف من التهابات الشعب الهوائية، والشوفان يدعم عملية التشافي بشكل عام.
فقد نتناول كوباً من الشوفان دون أن نعي فوائده الطبية، ومن حيث لا ندري يُقدم لنا معروفاً، بمعنى أنه سيزيد من قدرتنا على التحمل، ويساعد جهازنا العصبي على العمل بشكل أفضل، ويمد الجسم بكمية جيدة من سلسلة فيتامين "ب".
الشوفان واحد من نباتات كثيرة تفيض بالعديد من الفوائد. وفي مقالات قادمة -إن شاء الله- سأتناول هذه الفوائد بشكل مفصل لنباتات شائعة الاستخدام في فلسطين بشكلٍ خاص، ودول البحر المتوسط بشكل عام.
وبالعودة إلى نبات الكركم الذي لا يمكن الاستغناء عنه في المطبخ الفلسطيني، أردت هنا إعطاءه جزءًا يسيرًا من حقه، بالتطرق إلى مكوناته الرئيسية، وبيئته الأصلية، بالإضافة إلى استخداماته التقليدية والحالية.
مكونات الكركم
زيوت متطايرة مثل الزنجربين والتورميرون، ومكونات مرة، ومادة صمغية.
البيئة الأصلية:
الهند وجنوب آسيا، موطن الكركم الأصلي، ويُزرع حالياً في المناطق الاستوائية، ويُزرع بواسطة أخذ شتلات من الجذور، وتحتاج عادة إلى تربة ومناخ رطبين، وتستخرج الجذور في فصل الشتاء.
وفي المناطق ذات الطقس البارد يمكن زراعته في قوارير داخل البيت، ويجب زراعة الجذر على عمق 8 سم تحت التراب.
وبالوقوف على هذه التجربة في فلسطين؛ فقد بادر رجل أعمال في قطاع غزة، يُدعى جودت الخضري إلى زراعة الكركم في دفيئات زراعية، مستورداً البذور من الهند، وبعد أول نتاج منه لقيت النبتة رواجاً كبيراً في أسواق غزة.
استخدامات الجذور والأوراق:
"استخراج الجذر بحذر من الأرض وتقسيمه إلى أجزاء" خطوة أساسية، وقبل تنشيفه لا بد من غليه أو وضعه على البخار، وهناك عدة أشكال يستخدم فيها جذر الكركم ومنها:
على هيئة مسحوق: وهو الأكثر شيوعاً في طب الأيورفيدا، ويُستخدم لمعالجة التهاب المعدة بوضع مقدار ملعقة شاي في الماء، وشربه ثلاث مرات في اليوم.
على شكل صبغة: وتستخدم لعلاج مشاكل الإكزيما بحيث يُخلط مقدار ملعقة شاي مع نصف كوب من الماء ويتناولها المريض ثلاث مرات في اليوم.
على شكل كمادة: بتحضير معجون من المسحوق؛ لعلاج الصدفية بحيث يُضاف مقدار ملعقة مع القليل من الماء، وأيضاُ يستخدم ثلاث مرات في اليوم.
ومع أن الجذر هو الأكثر شيوعاً في الاستخدام، إلا أن الأوراق تستخدم في تغليف اللحم أو السمك؛ وإضافة طعم خاص للطبخ.
وبِطحن الجذور المجففة يتسنى إضافة اللون الأصفر البراق للخردل، والذي بدوره يضيف لوناً وطعماً مراً لخلطات البهارات الخاصة بالكاري، وأطباق الأرز، والعدس والمخللات، والخبر الجيد أنه يمكن اتخاذه بديلاً رخيصاً للزعفران.
فوائد الكركم
أثبتت الأبحاث أن الكركم يقلل من تسمم الكبد، ويحسن من أداء المرارة، ويساعد على هضم أسرع للدهون، بالإضافة إلى أنه يبطئ من تقدم مرض الزهايمر..
مهلاً لم تنته الفوائد بعد، فلا يزال هناك الكثير:
خفض مستويات الكولسترول: صحيح أن تاريخه طويل في كلٍ من الهند والصين، إلا أن خصائص الكركم العلاجية لم تخضع للدراسة إلا مؤخراً؛ وتحديداً عندما زاد الاهتمام بالأغذية والأدوية التي تساعد على خفض مستويات الكولسترول، أو تلك التي لها خصائص مضادة للأكسدة؛ فتبطل مفعول الشوارد الحرة في الجسم.
مضاد للالتهاب: أثبتت الدراسات أن الكركم يعيق العديد من المسارات الالتهابية، وينجح في مواجهة الالتهابات في جميع أنحاء الجسم.
محاربة العديد من الأمراض: يؤخذ الكركم على شكل مكمل غذائي لمنع أو معالجة السرطان، وكذلك الأمراض العقلية كالخرف والعديد من الأمراض المتعلقة بنقص المناعة. مع العلم أن تناول الفلفل الأسود مع الكركم يزيد من فاعليته، وهذا مؤكد علمياً.
يعمل الكركم مضاداً للتخثر، فيحافظ على الدم في حالة سائلة. بالإضافة إلى ذلك، يزيد من إنتاج العصارة المرارية أو العصارة الصفراء ويعمل كذلك على حماية الكبد والمعدة.
الاستخدامات التقليدية والحالية للكركم
هو وصفة تقليدية لعلاج اليرقان في طب الأعشاب الصيني، وكذلك الحال في طب الأيورفيدا، الذي يُستخدم أيضاً في الأخير لتقوية السمع والجهاز التنفسي.
بالإضافة إلى اعتباره عشبة قديمة شائعة الاستخدام لمشاكل الجهاز الهضمي مثل التهاب المعدة والحموضة، كما أنه يخفف من الشعور بالغثيان.
التهاب المفاصل والحساسية
الكركم لا يخفف الألم، إلا أن مفعوله المضاد للالتهابات يفيد في علاج التهاب المفاصل وغيرها من المشاكل التي تسببها مثل الأكزيما والربو.
اضطرابات الدورة الدموية
بسبب أهمية الكركم في علاج الالتهابات، وتخثر الدم، وخفض مستوى الكوليسترول، يُستخدم حالياً للتقليل من خطر الجلطات والنوبات القلبية.
وفي الطب الصيني يُستخدم في تخفيف آلام الدورة الشهرية، وتحسين الدورة الدموية والمساعدة في علاج الجروح.
مشاكل الجلد
يستخدم الكركم في علاج عدد من المشاكل الجلدية، مثل الصدفية، والالتهابات الفطرية مثل مرض "قدم الرياضي".
إذن فوائد الكركم لا تعد ولا تحصى، ومع أن استخدامه في الطبخ يكون بإضافة كميات قليلة إلا أنه بوسعنا الاستفادة من خصائصه العلاجية عن طريق تناوله مشروباً؛ بحيث تضاف أجزاء مقسمة من الجذر، مع المسحوق المطحون للكركم والفلفل الأسود مع السوس، أو من الممكن تحضير "المشروب الذهبي" كما يسميه بعضٌ؛ بإضافة القليل من الحليب معه وتحليته بالعسل.
المصادر:
البطمة، ناديا. ٢٠١٢. فلسطين الفصول الأربعة. مركز القدس للإعلام والاتصال,
سوا الإخبارية. ٢٠٢٠. غزة تحتضن التجربة الأولى لنبتة "الكركم الأخضر" على مستوى فلسطين.
Chevallier, A. 2016. Encyclopedia of herbal medicine. DK publishing. New York.
Orr, S. 2014. The new American herbal. Clarkson Potter publishers. New York.