التعاونيات الزراعية.. طريق الشباب نحو حماية الأرض وبناء اقتصاد مقاوم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
على قارعة الطريق أمام مركز الفن الشعبي في مدينة البيرة، مقابل مسجد العين، أحضرت مجموعة من المزارعين ما جادت به أراضيهم إلى ذلك المكان، الذي أصبح يسمى "حسبة التعاونيات" لعرض منتجاتهم العضوية، والالتقاء بالمستهلكين وجهاً لوجه بلا وسطاء. أطلق الفكرة مطلع العام الجاري، ملتقى الشراكة الشبابي ضمن مبادراته لإيجاد قنوات تسويقية لصغار المزارعين في محاولة للتغلب على مشكلة التسويق، وهي من أبرز المشاكل التي تواجه المزارع الفلسطيني. الحسبة أصبحت بمثابة سوق شعبي هدفه إسناد التعاونيات الشبابية الزراعية لتسويق منتجاتها بسعر مُنصف، والمساهمة في التغلب على الاحتكار وانخفاض الأسعار، وتشجيع الشباب على العودة للأرض.
|
في بلد يتحكم الاحتلال بكل مقدراته، نشهد في الآونة الأخيرة عودة مباركة للشباب إلى الأرض؛ في مؤشر على تنامي حالة الوعي.
فقد دفع الواقع الصعب شباب التعاونيات إلى خوض التحدي وحماية ما تبّقى من الأرض من "غول المصادرة"، والسير قدماً في طريق بناء "اقتصاد مقاوم" يحتاج إلى كثيرٍ من العمل والجد؛ ويبدو المشوار طويلاً لكنه من المؤكد ليس بالمستحيل.
فعلى قارعة الطريق أمام مركز الفن الشعبي في مدينة البيرة، وتحديداً مقابل مسجد العين؛ هناك وسط أزمة السير، تلفت انتباهك الألوان البراقة للخضار، مجموعة من المزارعين أحضروا ما جادت به أراضيهم إلى ذلك المكان، الذي أصبح يسمى "حسبة التعاونيات" لعرض منتجاتهم العضوية، والالتقاء بالمستهلكين وجهاً لوجه بلا وسطاء، ومن دون الارتهان للتجار أو "السماسرة" بحسب الوصف الدارج.
أطلق الفكرة مطلع العام الجاري؛ ملتقى الشراكة الشبابي ضمن مبادراته لإيجاد قنوات تسويقية لصغار المزارعين في محاولة للتغلب على مشكلة التسويق، وهي من أبرز المشاكل التي تواجه المزارع الفلسطيني.
وتجدر الإشارة أن ملتقى الشراكة يقوم عليه ويقوده مجموعة من المراكز الشبابية في الضفة وقطاع غزة، ويحتضنه مركز الفن الشعبي ومركز العمل التنموي معاً.
الحسبة أصبحت بمثابة سوق شعبي هدفه إسناد التعاونيات الشبابية الزراعية لتسويق منتجاتها بسعر منصف، والمساهمة في حل معضلة التسويق والتغلب على الاحتكار وانخفاض الأسعار وتشجيع الشباب على العودة للأرض، كما يقول منسق الملتقى رامي مسعد.
وتشارك في سوق حسبة التعاونيات؛ سبع تعاونيات زراعية من مختلف المحافظات، يقوم عليها شبان أخذوا زمام المبادرة لصناعة فرص عمل لهم في ظل محدوديتها في السوق الفلسطيني.
 |
 |
حسبة التعاونيات الزراعية في مدينة البيرة |
حسبة التعاونيات الزراعية |
أرض اليأس ستنبت الأمل
من إحدى التعاونيات المشاركة في مبادرة الحسبة، تعاونية "أرض اليأس" في قرية صفا غرب رام الله؛ وهي تعاونية شبابية تأسست عام 2017 مكونة من تسعة أعضاء، سبعة منهم طلبة جامعات، ومهمتهم تحويل كل الأراضي المهجورة لأراض خضراء، إذ بدأوا بتوفير 200 شيقل شهرياً من كل شخص، وزرعوا دونماً ونصف الدونم، وحالياً يزرعون 35 دونماً في داخل القرية.
وتسعى "التعاونية" للعودة إلى الأرض من خلال الزراعة، وتعزيز فكرة أنها يمكن أن تصبح نمطاً إنتاجياً اقتصادياً ورفع مستوى الأمن الغذائي داخل القرية.
ويرى أعضاؤها أن الإنتاج أمر مهم من أجل الاستقلال وتحقيق السيادة الغذائية.

حركة دؤوبة في حسبة التعاونيات الزراعية في مدينة البيرة
تسمية التعاونية بهذا الاسم لم يأتِ عبثاً، ويوضح الأعضاء المعنى المراد من اسمها؛ في حديث لهم مع مراسل "آفاق البيئة والتنمية": "أرض اليأس ستنبت بالأمل، وهي ليست مصدراً للتشاؤم؛ إنما تنطلق من أن اليأس والشقاء هما ثمن الوعي، فهذه التعاونية تسعى لإحياء كل اليأس الذي يحيط بنا وتحويله لوعي؛ ولنموذج عملي يقاوم ويرفض كل الأوهام التي تحيط بنا".
وتتطلع التعاونية آنفة الذكر، بحسب أصحابها، للوصول إلى حالة من الاستقلال المادي لديهم من خلال استغلال تخصصاتهم ومهاراتهم في تطويرها، وبدلاً من اللهاث خلف الوظيفة والقطاع الخدماتي فإنهم يكرسون حياتهم للأرض، "من خلال نمط العمل التعاوني الذي يرتقي بالاقتصاد والمجتمع، ويقلل من الاحتكار ويزيد من التشاركية".
ويمارس الشبان القائمون على أرض اليأس العديد من الأنشطة الزراعية، موضحين في حديثهم: "نزرع محاصيل مَروية وبعلية على مدار السنة، ونعطي القمح أولوية، إذ نزرعه في مساحة 15 دونماً، وأيضاً البازيلاء في 5 دونمات، بالإضافة للفول والكوسا والفقوس والحمص في 7 دونمات، كما نخصص مساحة نصف دونم لزراعة الخضراوات العضوية البيئية، من خلال ما يسمى بالمصاطب البيئية التي تعود بالفائدة على الطبيعة والانسان، كما أن محاصيلنا خالية من الكيماويات ونعمل على حل مشكلاتنا الزراعية من خلال المحاليل العضوية".
علاوة على ما سبق، للتعاونية أدوار أخرى، فهي تنظم أعمال تطوعية داخل الأرض، وتبني علاقات داخل المجتمع، وتتبرع للعائلات الفقيرة بالخضراوات وتساعد المزارعين في تسويق منتجاتهم.
 |
 |
دواجن بلدية في إحدى التعاونيات الزراعية الشبابية |
شابات وشباب تعاونية زراعية فلسطينية يفلحون الأرض |
إقبال داعم
ما أن ينتصف النهار في الأيام التي تنظم فيها حسبة التعاونيات، حتى ترى عشرات المواطنين يندفعون للسوق بحماس لشراء حاجاتهم من الخضار والمنتجات الحيوانية المعروضة.
حالة من الارتياح كانت واضحة لدى مجموعة من الزوار؛ قابلهم مراسل آفاق البيئة والتنمية. منهم سامي مشعشع، الناطق باسم وكالة الغوث (الأونروا) فقد عبّر عن سعادته بتنظيم السوق، ورأى فيه فرصة عظيمة لشراء منتجات خالية من الكيماويات.
ويضيف مشعشع: "شعور جيد حقاً أن ندعم صغار المزارعين من خلال الشراء منهم مباشرة وندفعهم للصمود في أراضيهم".
كذلك الحال بالنسبة لرجل الأعمال صالح العجولي، الذي يتابع باستمرار أي نشاط من هذا النوع للذهاب والشراء من المزارعين الصغار، يقول: "أفضّل الشراء من هؤلاء الشبان لأحصل على منتجات نظيفة، وأيضاً لأشجعهم على التمسك بالأرض في وقتٍ لا تحظى فيه الزراعة بالاهتمام الكافي".
 |
 |
منتجات عضوية من إنتاج التعاونيات الزراعية الشبابية |
ناشطون في التعاونيات الزراعية الفلسطينية |
قصص شبابية ملهمة
تواجدنا في السوق الشعبي، أتاح لنا الاقتراب أكثر من شبان التعاونيات الزراعية والتعرف على مدى شغفهم بالأرض رغم التحديات التي تواجههم.
الشاب عبد الله خويرة من تعاونية "فلاحي كفر نعمة" غرب رام الله، يخبرنا عن التجربة بقوله: "بعد وصولنا إلى طريق مسدود في الحصول على فرص عمل لائقة، قررت مع خمسة شبان من الطلبة والخريجين تأسيس التعاونية لأننا نؤمن بأن الإنتاج الحقيقي يتحقق عندما نعود إلى فلاحة الأرض".
وضمن هذه الرؤية ومنذ عام 2019، قام خويرة ورفاقه بـ "ضمان" قطعة أرض من دونم ونصف، وتأهيلها وزراعتها بالمزروعات الشتوية، كالفول والبازيلاء والبطاطا والخس، بتمويل ذاتي من أعضاء التعاونية.
مزيد من التفاصيل، يحكيها لنا :"نجاح الموسم الأول، دفعنا للتفكير بتوسعة المشروع، فمساحة دونم ونصف، لم تعد تكفي لإنتاج ما يلبي حاجة أهالي القرية والأسواق خارجها، كما أن الكميات التي بيعت في الموسم الأول، لم تحقق العائد المطلوب، وفي عام 2020، بدأنا التوسع، وقمنا بضمان 4 دونمات واستصلاحها وزراعتها، وحالياً ومع بدء الموسم الشتوي زرعنا مساحة 14 دونماً".
ظروف مشابهة أدت إلى ولادة تعاونيات أخرى في مختلف محافظات الضفة الغربية، منها: تعاونية جذور الشمس الشبابية في طولكرم، ومزرعة أرض الشمس في الخليل، وتعاونية عشاق الأرض من بورين جنوب نابلس، وتعاونية رتاج النسوية في طولكرم المؤلفة من ست سيدات.
ومجدداً، يؤكد المنسق رامي مسعد أن الملتقى يساند ويرعى تلك التعاونيات ليس على صعيد التسويق فقط، بل أيضاً في العمل على تطوير نظمها الداخلية وإدارتها، وتوفير احتياجاتها لزيادة مشاريعها الإنتاجية، والإرشاد الزراعي، مفصحاً عن النية لتنظيم حسبة تعاونيات في محافظات أخرى خلال العام الجاري.
لإلقاء نظرة سريعة على حسبة التعاونيات الرجاء النقر على الرابط التالي:
https://youtu.be/iLXD5WSNevc

منتجات تعاونية شبابية